عنب بلدي – حسام المحمود
فتحت تصريحات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال حديث خاص أجراه مع قناة “سكاي نيوز عربية”، في 9 من آب الحالي، الباب أمام تساؤلات حول إمكانية استمرار مسار التقارب التركي مع دمشق في ظل هجوم وتصعيد لهجة شنه الأسد على تركيا بالمجمل، وعلى الرئيس التركي خصوصًا.
وعند سؤاله عن إمكانية لقائه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال الأسد إن الهدف بالنسبة له هو الانسحاب التركي من الأراضي السورية، بينما هدف أردوغان “شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا”، مشددًا على أن اللقاء لا يمكن أن يتم “تحت شروط أردوغان”.
وردًا على تصريحات الرئيس التركي التي تشدد على بقاء القوات التركية في سوريا لمحاربة “الإرهاب”، صعّد الأسد لهجته ضد أنقرة، معتبرًا أن “الإرهاب الموجود في سوريا هو صناعة تركية، (جبهة النصرة)، (أحرار الشام) هي تسميات مختلفة لجهة واحدة كلها صناعة تركية وتُموّل حتى هذه اللحظة من تركيا، إذًا عن أي إرهاب يتحدث؟ (في إشارة إلى أردوغان)”.
تصريحات الأسد حلقة إضافية من سلسلة تصريحات يهاجم خلالها تركيا، بالتوازي مع مباحثات مسار التقارب التي تدفع بها وترعاها روسيا، فما يميز التصريح الأخير تزامنه مع مؤشرات توحي بتعثر المسار السياسي بين الجانبين، الذي لم يذهب خلال أكثر من ثمانية أشهر على انطلاقه أبعد من لقاءات على المستوى الوزاري وما دون ذلك لأطراف “الرباعية” (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري)، دون تطور ملموس على الأرض، رغم الحديث عن أجواء “إيجابية” أو “بناءة” بعد اللقاءات.
في 16 من آذار الماضي، خلال زيارته الخامسة إلى روسيا منذ بدء الثورة السورية، عزا الأسد مسألة الخلل الأمني على الحدود السورية- التركية إلى ما قال إنها “سياسة أردوغان”، معتبرًا أن مسألتي الأمن واللاجئين، كمشكلة تركية، هما من إنتاج حزب “العدالة والتنمية” بقيادة الرئيس التركي.
وحين شارك لأول مرة منذ عام 2010 في القمة العربية التي جرت بجدة، في 19 من أيار الماضي، أشار الأسد إلى ما وصفه بـ”خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”، ورغم هذه التصريحات، تواصلت اللقاءات السياسية ضمن “الرباعية”، وصولًا إلى لقاء نواب وزراء الخارجية الذي جرى في أستانة، بالتزامن مع مباحثات “أستانة”، في 20 و21 من حزيران الماضي، وكانت تلك اللقاءات أحدث ما جرى في إطار مفاوضات التقارب، ما يمنح تصريحات الأسد الأخيرة وقعًا مختلفًا بالنظر إلى مؤشر زمني، ومؤشرات أخرى متبادلة، لا توحي بتقدم ملموس يبرر مواصلة اللقاءات في هذا الصدد.
بمعزل عن تصريحات الأسد
تصريحات الأسد لاقت امتعاضًا تركيًا غير رسمي وتجاهلًا حكوميًا، إذ استعادت وسائل إعلام تركية هجوم الأسد على تركيا، واصفة تصريحه بـ”الوقح”، كما أن السفير التركي السابق في سوريا، عمر أونهون، وهو آخر سفير تركي في دمشق، اعتبر ما قاله الأسد في لقائه ليس جديدًا، موضحًا أن الأسد كرر ما كان يقوله منذ أشهر، وما تكتبه الصحافة.
وخلال مقابلة مع صحيفة “إندبندنت” بنسختها التركية، في 11 من آب الحالي، وردًا على سؤاله حول تصريحات الأسد التي شددت على شرط الانسحاب التركي من سوريا قبل أي لقاء يجمعه بالرئيس التركي، أضاف السفير، “لم أرَ أي ابتكار في كلماته بهذا الصدد، لهذا السبب لا يمكنني القول لقد انتهت عملية التطبيع هذه، ولم تنتهِ”، مشيرًا إلى أن الأسد أوضح ما يعرفه الجميع.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، اعتبر أن مسار التقارب التركي مع النظام قائم بمعزل عن تصريحات الأسد، وإن كان يمضي ببطء شديد، لكنه في الوقت نفسه يمضي في إطار “الرباعية”، والأمور لا تزال معقدة فيما يتعلق بالانسحاب التركي من شمال غربي سوريا.
“تصريحات الأسد لم تأتِ بجديد بخصوص الوجود العسكري التركي في سوريا، ويبدو أن موقف الأسد لفرض شروطه على تركيا أضعف مقارنة بما قبل الانتخابات التركية، ومن الواضح أن المسار لا يرتبط فقط بتركيا والنظام، فهناك حسابات مرتبطة بروسيا والعلاقات الروسية- التركية، وهي دافع قوي لاستمرار المباحثات بين أنقرة ودمشق”.
محمود علوش – باحث في العلاقات الدولية |
وفي 28 من أيار الماضي، أعيد انتخاب الرئيس التركي، رجب طيب أدروغان، رئيسًا لتركيا لخمس سنوات مقبلة، خلافًا لآمال الأسد بتغيير سياسي في تركيا يمكن أن يدفع بمسار علاقات الجانبين، وفق تصريحات أطلقها في موسكو، منتصف آذار الماضي.
الباحث أشار إلى أن لقاء وزراء خارجية “الرباعية” المقبل حين ينعقد قد يعطي دفعة لعملية المفاوضات بين أنقرة ودمشق، لكن هناك بعض التعقيدات أمام المسار، وهو أمر معترف به، وعلى رأس هذه التعقيدات أن تركيا ليست بوارد الموافقة على طرح مسألة مستقبل وجودها العسكري في سوريا للنقاش، لعدة أسباب، منها تشكك تركي بقدرة النظام على استعادة السيطرة على الأرض، إلى جانب تخوف من عودة شكلية للنظام إلى مناطق سيطرة “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، ما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز إدارة هذه “الوحدات” لتلك المنطقة.
كما أن هناك قلقًا تركيًا من أنه في حال دخل النظام إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، قد تكون هناك موجات لجوء جديدة من سوريا إلى تركيا، وسيكون صعبًا إقناع اللاجئين بالعودة إلى سوريا، وهذه المسائل لا تشجع الجانب التركي على التفكير بالانسحاب، وهناك انتخابات بلدية تركية بعد أشهر، والحديث عن لقاء يجمع أردوغان بالأسد يندرج في إطار الخطاب الداخلي التركي.
“الكل يعلم أن من الصعب توقع لقاء بين أدوغان والأسد بأي حال، فاللقاء يعني المصالحة، والمصالحة مستبعدة إلى حد كبير بسبب الخلافات الكبيرة بين الجانبين، لكن مسار التقارب مرهون بالعلاقات التركية- الروسية، وقد تحقق زيارة بوتين المرتقبة إلى تركيا دفعًا في مسار التقارب، وهي مصلحة سياسية مشتركة ومفيدة للأسد أكثر من تركيا”.
محمود علوش – باحث في العلاقات الدولية |
الأنظار إلى لقاء أردوغان وبوتين
في 28 من تموز الماضي، نقلت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية عن مصدر لم تسمِّه في الدائرة الدبلوماسية الروسية، أن اجتماعًا لوزراء خارجية أطراف “الرباعية” قيد المناقشة حاليًا، لكن جدول أعمالهم يجب أن يتزامن.
المصدر الروسي اعتبر أن العملية (في إشارة إلى التقارب) مستمرة، وأن مسألة اللقاء قيد النقاش، لكن للوصول إلى نتائج من الضروري توافق جداول أعمال الوزراء.
الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو، أوضح لعنب بلدي أن تصريحات الأسد الأخيرة تبدو كرد فعل لا أكثر، وعلى المستوى الرسمي التركي لم تصدر ردود، وهذا يدل على أن أنقرة لا تهتم بتصريحات الأسد هذه، وتعي أن الحاكم الفعلي هم الروس، والمخاطب الأساسي في هذا المسار هم الروس، وما سيحكم على اللقاء بين أردوغان والأسد في المرحلة المقبلة هو اللقاء الذي سيجمع الرئيسين، التركي والروسي، خلال الأيام المقبلة.
واعتبر الباحث أن تراجع وتيرة التقارب ما بعد الانتخابات التركية مرهون بفتور العلاقات بين تركيا وروسيا، وما يدفع أنقرة أصلًا إلى التقارب يقترن بالضرورة بملفات أساسية، منها محاربة “الإرهاب” وعودة اللاجئين، وتعزيز العلاقات التركية مع موسكو، فالعلاقة مع النظام السوري أمنية، ويمكن التعامل معها عبر أجهزة الاستخبارات لدى الجانبين.
“الظاهر من تصريحات الأسد أنه أغلق الباب أمام مسار التطبيع، لكن هذا مستبعد، لحاجة النظام إلى تركيا، وحاجة تركيا إلى تنفيذ بعض الخطوات المتعلقة بعودة اللاجئين وموضوع الإرهاب، ومكافحة التنظيمات التي تعتبرها أنقرة إرهابية، ومن الطبيعي أن مسألة التطبيع التركي مع النظام ستكون حاضرة على طاولة مباحثات أردوغان وبوتين حين يلتقيان”.
طه عودة أوغلو – باحث في الشأن التركي |
وفي 17 من تموز الماضي، أكد الرئيس التركي أن بلاده غير مستعدة للانسحاب من الشمال السوري، كونها تعمل على “مكافحة الإرهاب” هناك، وأضاف أن الأسد طالب بمغادرة تركيا المناطق التي تتمركز فيها شمالي سوريا، لكن لا يمكن لهذا الشيء أن يحدث، كونها تحارب “الإرهاب” هناك، ما يعيد مسار التقارب إلى نقطة الانطلاق وما سبقها أيضًا من تأكيدات النظام السوري المتواصلة التي تقرن تقدم عملية التقارب مع أنقرة بالانسحاب التركي، مع استمرار اللقاءات السياسية في هذا الصدد، التي يتبعها تأكيد على النطاق ذاته.