السوريون والطب النفسي.. النظرة الاجتماعية تغيرت
عنب بلدي – يامن مغربي
“الضغوط الكبيرة والمشكلات القديمة لدي مع أمور شخصية أخرى، دفعتني للجوء إلى مختص نفسي”، قالت استشارية التسويق ليلى الساحلي المقيمة في اسطنبول، لعنب بلدي.
تجربة ليلى لم تأتِ نتيجة امتلاكها الوعي بضرورة الاستعانة بمعالج نفسي، بقدر ما جاءت لحاجتها المُلحة إلى التخلص من هذه المشكلات، ومع التجربة، اكتشفت أن المراجعة الدورية أمر ضروري للغاية، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
الظروف المعيشية والاقتصادية، ولجوء عدد كبير من السوريين إلى أوروبا وتركيا ودول أخرى، غيّرت نظرتهم الاجتماعية إلى عدد من القضايا والظواهر، بينها الطب النفسي.
ارتبط هذا التغيير بعدد من العوامل، مثل تغير المجتمع والهجرة والضغوط الكبيرة التي يعانيها السوريون على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
طالب غنوم، مهندس آلات ميكانيكية، ساعده وصوله إلى السويد في 2016 على تطوير نظرته باتجاه الطب النفسي وزيادة معرفته به، خاصة مع النظرة السلبية الموجودة لدى شرائح متعددة في المجتمع السوري عن الطب النفسي.
تعرض طالب لكثير من الضغوط النفسية بعد وصوله إلى السويد، ابتداء من تأخر حصوله على الإقامة، والوحدة التي شعر بها لفترة طويلة وعجزه عن إيجاد عمل، كل ذلك دفعه لمراجعة معالج نفسي، ليستطيع الاستمرار وسط كل هذه الضغوط.
من جهتها، قالت نور، سورية مقيمة في اسطنبول، إن المرض النفسي هو كأي مرض عضوي آخر، ومن الطبيعي الذهاب إلى الطبيب لعلاجه.
لماذا عليك اللجوء إلى طبيب أو مختص نفسي؟
يرفض بعض الأشخاص مراجعة أطباء أو معالجين ومختصين نفسيين لمساعدتهم في تجاوز مشكلاتهم النفسية، وهو ما ينعكس سلبًا على حياتهم النفسية، وقد يؤدي إلى أمراض جسدية أيضًا.
بحسب المعالج النفسي محمد السيد، فالاضطرابات النفسية هي حقيقة وليست وهمًا، والمصابون بالاكتئاب على سبيل المثال لديهم مناعة أضعف، وقلوبهم تعمل بشكل مختلف أيضًا.
كما أن عدم حل مشكلات الفرد النفسية يؤثر بشكل مباشر على أدائه في العمل والحياة وعلاقاته الاجتماعية.
ترصد الدول ملايين الدولارات سنويًا لقضايا الصحة النفسية، لأن الاضطرابات النفسية التي تصيب الأفراد تؤثر على الأداء العام للاقتصاد، بحسب ما قاله المعالج النفسي.
نظرة مختلفة إلى الطب النفسي
ترتبط النظرة لدى شرائح من المجتمع السوري إلى المريض النفسي باعتباره مصابًا بمس من الجن أو بالجنون، ويسعى البعض للاستعانة بالدجل والشعوذة، أو أساليب ترتبط بالأديان، للعلاج، كالرقية الشرعية في الإسلام والتقرب إلى الله بالعبادات، وهناك أفكار مشابهة في الديانة المسيحية أيضًا.
تغيير هذه النظرة لدى شرائح من المجتمع السوري هاجرت إلى خارج البلاد باتجاه أوروبا أو تركيا، يعود، بحسب رأي ليلى الساحلي، إلى ظهور كثير من المشكلات والعقد النفسية لدى السوريين بعد الثورة السورية في 2011.
ليلى أضافت أن السوريين ممن كان لهم الحظ بالوصول إلى أوروبا أو تركيا، تغيرت نظرتهم لغياب وصمة العار المجتمعية، بالتزامن مع كثير من حملات التوعية المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فيما ترى نور أن كثيرًا من السوريين غيّروا نظرتهم إلى العلاج النفسي بعد التعرض للثقافة النفسية أكثر والاختلاط بشعوب مختلفة، والضغوط الكبيرة التي تعرضوا، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال كثيرون يعتبرونه وصمة عار، على الرغم من الحديث المتكرر عن الحاجة إلى العلاج النفسي.
يرى طالب غنوم أن النظرة السلبية لدى شرائح متعددة من السوريين إلى المريض النفسي، باعتباره غير متوازن عقليًا أو مجنونًا، سببها قلة المعرفة وعدم توعية وتثقيف المجتمع طبيًا، على عكس الدول الأوروبية التي قدمت للاجئين الجدد خدمات عدة، منها المساعدة النفسية عبر مختصين.
وتُرجع ليلى الساحلي عملية تغيير النظرة للطب النفسي إلى ظهور أنماط جديدة من العلاج والمعالجين عكس تلك السائدة والتي احتكرها عدد من الأطباء النفسيين، الذين اتبعوا أساليب قديمة، بينها استخدام الأدوية، وسط مجتمع منغلق يساعد أيضًا بتكوين صورة سيئة.
مع انتشار السوريين في الخارج، ولجوئهم إلى البلاد المجاورة، أُسست عشرات منظمات المجتمع المدني لتقديم الخدمات الضرورية لهم، ومن ذلك خدمات العلاج النفسي، وتحديدًا لمن تعرض للعنف وشهد المعارك الحربية أو الاعتقال وتعرض للتعذيب.
انتشار هذه المنظمات تراه نور سببًا رئيسًا في تغيير نظرة السوريين خارج سوريا إلى الطب والعلاج النفسي، وتحوله إلى أمر طبيعي واعتباره كأي مرض عضوي آخر.
وسبق لنور أن تطوعت للعمل في تقديم الدعم النفسي للسوريين في تركيا عبر منظمات مختصة.
فيما دفعت الظروف ليلى الساحلي ليس للعلاج فقط، بل كذلك لدراسة الطب النفسي إلى جانب عملها كاستشارية تسويق في مدينة اسطنبول التركية.
علامات على وجود اضطرابات تحتاج إلى مراجعة نفسية لدى البالغين– وجود شكاوى جسدية غير مفسرة. – اضطرابات في الغرائز الأساسية (النوم وضعف الشهية والمشكلات الجنسية لمدة أسبوعين على الأقل) ودون أسباب واضحة. – تغير مستمر في المزاج، مترافق بفقدان الرغبة بالحياة وفقدان الاستمتاع لمدة طويلة. – انخفاض في أداء المهام الأساسية بالعمل أو الدراسة لعدة أسابيع. – وجود أي نوع من أنواع الإدمان (التسوق، المخدرات، مشاهدة المواد الإباحية). المختص النفسي محمد السيد |
ماذا يقول الطب النفسي؟
لا تتعلق عملية الوصمة الاجتماعية للمرضى النفسيين (الستيجما) بالمجتمع السوري وحده، فهي موجودة لدى شعوب ومجتمعات أخرى حول العالم.
المعالج النفسي محمد السيد، قال لعنب بلدي، إن “الستيجما” وهي أحد المكونات الأساسية للتعامل مع الطب النفسي، يمكن أن توجد لدى شرائح اجتماعية مختلفة في كثير من المجتمعات، حتى تلك التي تختلف ثقافيًا عن المجتمع السوري.
وحول تغير نظرة السوريين إلى الطب النفسي وعلاج أمراضه، قال السيد، إن أعداد المراجعين اختلفت بشكل كبير عن عام 2011، ومع ذلك، وعند النظر إلى نسبة الأعداد بالمقارنة مع الدراسات الاستقرائية، فهناك فجوة بين أعداد المصابين المحتملين وأعداد المراجعين.
ووفق منظمة الصحة العالمية، يعاني 5% من البالغين حول العالم من الاكتئاب، الذي يعد اضطرابًا نفسيًا شائعًا.
كما يموت أكثر من 700 ألف شخص منتحرًا كل عام، ويعد الانتحار رابع الأسباب الرئيسة للوفاة بين الأشخاص التي تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا.
وأوضح المعالج السيد أن هناك جانبًا اقتصاديًا لرفض شرائح من السوريين للعلاج النفسي، بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية المذكورة، إذ كان الأمر يعتبر نوعًا من أنواع الرفاهية، ووحدهم من يملكون المال قادرون عليه.
وبالإضافة إلى الهجرة والاختلاط بمجتمعات جديدة، نشأ جيل جديد لديه نظرة مختلفة إلى كثير من الأمور الحياتية في سوريا، وخوض تجارب نفسية معقدة يدفع أيضًا لتغيير هذه النظرة، وفق السيد.
كيف تعرف أن طفلك بحاجة إلى مراجعة مختص نفسي؟
– الانطوائية والانعزال وعدم المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
– مشكلات النطق والتأتأة.
– تغير مفاجئ في السلوك.
– انخفاض في الشهية للطعام.
– مشكلات في النوم ومشاهدة الكوابيس بشكل متكرر.
– ملاحظة اختلاف كبير مع أطفال آخرين من نفس الظروف، الاجتماعية والثقافية والعمرية.
*المصدر: المختص النفسي محمد السيد
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :