دير الزور.. مبادرات أهلية لا تعوّض غياب السلطة والمنظمات

دير الزور – عبادة الشيخ

تفتقر محافظة دير الزور للخدمات الأساسية في مختلف القطاعات، كالصحة والتعليم ومياه الشرب والكهرباء والبنية التحتية، ما دفع الأهالي لتنفيذ بعض المشاريع الضرورية على نفقتهم الخاصة بدلًا من انتظار مؤسسات السلطة الحاكمة أو المنظمات الإغاثية.

ويمثّل ضعف الواقع الخدمي في المنطقة عقبة أساسية أمام منظمات المجتمع المدني الناشئة والمبادرات التي تطرحها، حيث تواجه ضغوطًا أمنية وسياسية لتلبية الاحتياجات في المنطقة.

التقت عنب بلدي عددًا من مزارعي بلدة الكشكية شرقي دير الزور، حيث تحدثوا عن مشاريع نفذها الأهالي في منطقتهم في ظل غياب الدعم من قبل المجلس المدني.

المزارع حسين الخلف قال لعنب بلدي، “عملنا مع فلاحي المنطقة لإتمام مشروع إيصال المياه العذبة من نهر الفرات إلى أراضي البلدة بمسافة تقدّر بأربعة كيلومترات”.

وحول التكلفة، أوضح أنها كانت مرتفعة، إذ كلّف كل كيلومتر حوالي ألف دولار لإيصال المياه، بحسب حسين، الذي اشتكى من استخدام الآبار المالحة قبل المشروع.

وأوضح أن المشروع جعل إنتاج القمح في الموسم الحالي أفضل من المواسم السابقة، كما أفاد بإيصال المياه الصالحة للشرب والتخفيف من عبء شراء صهاريج مياه بأسعار مرتفعة تصل إلى 40 ألف ليرة.

واختتم حسين حديثه بالقول، إن “الإدارة الذاتية” وهيئات الزراعة “لا تقدم من الجمل أذنه”، ما دفع أهالي الأراضي الكبيرة أصحاب المقدرة المالية لهذا الحل.

وتعد “الإدارة الذاتية” السلطة الوحيدة المسؤولة عن تقديم الخدمات في المحافظة، وتوجد لديها هيئة تدعى “هيئة الخدمات” مسؤولة عنها وتنسق مع المنظمات المدنية الراغبة بإنشاء مشاريع خدمية.

مشاريع غائبة تفاقم الأوضاع الاقتصادية

عملت بعض المنظمات الإنسانية على مشاريع إنارة الطرقات، لكنها لم تكملها بشكل نهائي، خصوصًا بين منطقتي جديد عكيدات وذبيان، بسبب الواقع الأمني المتردي الناتج عن نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية”، وكثرة حالات الاغتيال، وانتشار الأسلحة بين المدنيين.

عمر الياسين، نازح بمدينة البصيرة جنوب شرقي دير الزور، قال لعنب بلدي، إنه بعد سرقة أعمدة الإنارة في المدينة، عمد أهالي المنطقة إلى جمع التبرعات لإعادة تركيبها من جديد بعد مطالبات لمديرية خدمات دير الزور لم تؤدِ إلى نتيجة.

وتواصلت عنب بلدي مع مدير مديرية خدمات دير الزور للسؤال عن أسباب التقصير دون استجابة حتى لحظة كتابة التقرير.

ويتكرر المشهد في بلدة الجرذي الواقعة بالريف الشرقي، إذ قال العامل في منظمة “عودة” للتنمية حذيفة الكوان، إن أهالي البلدة عملوا على إنارة المنطقة على نفقتهم الخاصة، بينما أهم مشاريع المنظمة في المنطقة كان عبارة عن بطولة رياضية لدعم الرياضة والشباب بالمنطقة.

وتبرز حاجة مُلحة لتوضيح أدوار المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني في خلق فرص عمل لأهالي المنطقة، عبر دورات تعليمية أو مشاريع تطرح فرص عمل.

وتتأثر المنظمات الإنسانية التي مقرها في تركيا بالموقف السياسي المعارض لسلطات المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يعرض وضعها القانوني هناك للخطر في حال أرادت تنفيذ مشاريع خيرية.

وتنشط عشرات المنظمات المدنية في المحافظة دون إحصائية رسمية، كما توجد بعض المنظمات الدولية، بينها منظمة “ريليف”، وفي 23 من تموز الماضي، وقعت أكثر من 100 منظمة مدنية موجودة في المنطقة على بيان مشترك يتعلق بحملة مرضى السرطان في الشمال.

حملات أهلية

يشتهر الأهالي في دير الزور بحملات الإغاثة للمناطق المجاورة، التي تبرز في ظل تضاؤل دعم المنظمات المدنية والسلطات في المنطقة.

أحدث هذه الحملات عملية توزيع مياه الشرب في أحياء بمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، عبر صهاريج وصلت من دير الزور ضمن حملة أطلقها أبناء عشائر باسم “الحسكة تموت عطشًا”.

وبدأ التوزيع مطلع آب الحالي في عدة أحياء بالمدينة التي تعاني أزمة مياه خانقة منذ شهر تقريبًا، وتضمنت الحملة مئة صهريج سعة الواحد منها مئة برميل، وعشرة آلاف قالب ثلج، جُمعت من أماكن متفرقة بدير الزور.

وفي شباط الماضي، دخلت قافلة مساعدات إغاثية مؤلفة من عشرات الشاحنات من مناطق شرقي سوريا في دير الزور والرقة إلى المناطق التي تعرضت لأضرار في الأرواح والممتلكات شمال غربي سوريا، جراء الزلزال الذي ضربها في 6 من شباط الماضي.

شبكات محلية عديدة قالت حينها، إن الشاحنات بلغ عددها 80 شاحنة، جمعها وجهاء من عشيرتي “العكيدات” “والبكارة” وقبائل أخرى شرقي سوريا.

ولقيت “فزعة العشائر” حينها تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ومقارنات بينها وبين مساعدات الأمم المتحدة لمنكوبي الزلزال في الشمال السوري، التي تأخرت على مدار أربعة أيام من حدوث الزلزال بذريعة وجود عوائق لوجستية.