إدلب – أنس الخولي
مع أي ارتفاع في أسعار الأعلاف بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، يضطر المزارعون ومربو المواشي إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة من الأعلاف الجافة الجاهزة، للحفاظ على مصدر دخلهم الرئيس.
وكانت البدائل حاضرة خلال السنوات الماضية، منها زراعة الذرة العلفية، أو ما يُعرف محليًا بـ”السيلاج”، ونبات “الآزولا”، وأحدث هذه البدائل كان مشروع “ذبابة الجندي الأسود” الذي تشرف عليه “البحوث الزراعية” في حكومة “الإنقاذ” العاملة بالمنطقة.
علي زهرة (43 عامًا) مهجر من الغوطة الشرقية، ويعمل بتربية الحيوانات في إدلب، قال لعنب بلدي، إن البحث عن بديل للعلف الجاهز بات أمرًا صعبًا، إذ حاول زراعة بعض أنواع النباتات لإنتاج الأعلاف، لكنه لم يتمكن من تأمين موارد للسقاية.
وأوضح أن أسعار الأعلاف بارتفاع مستمر، ويصل سعر الطن الواحد من العلف إلى 400 دولار أمريكي (الدولار يعادل 27 ليرة تركية)، وهو سعر يرهق مربي الحيوانات ويدفعهم إلى ترك مصدر دخلهم.
وينتظر علي فكرة الذباب العلفي بعد وعود بأن المشروع سيؤمّن علفًا بديلًا بسعر رخيص، وحتى ربما يخفض سعر الأعلاف الجاهزة، إذ يحتاج علي يوميًا إلى 70 كيلوغرامًا من الأعلاف لسد حاجة الحيوانات من الغذاء.
ما الذباب العلفي؟
منذ أشهر، تعمل الإدارة العلمية العامة للبحوث الزراعية في حكومة “الإنقاذ” على إنتاج أعلاف وأسمدة من يرقات الذباب بأسعار رخيصة.
الذباب العلفي، أو “ذبابة الجندي الأسود”، هو نوع من أنواع الذباب يتغذى على النفايات وينتج كميات كبيرة من البيوض، ويتميز بدورة حياة قصيرة، وبعد تحول البيوض إلى يرقات يتم تحويلها إلى علف حيواني غني بالبروتين، كما يمكن تجفيف اليرقات وتحويلها إلى سماد طبيعي للأراضي الزراعية.
مدير الإدارة العامة للبحوث العلمية الزراعية في حكومة “الإنقاذ”، عبد الحميد الخالد، قال، إن “ذبابة الجندي الأسود” تنتشر في المناطق المدارية بشكل رئيس وفي المناطق المعتدلة بشكل أقل، ثم إلى بقية القارات في العالم، وأصبح توزعها عالميًا.
وأوضح الخالد أن يرقات الذبابة تتغذى على النفايات العضوية التي يجب التخلص منها أساسًا، وتتناول اليرقة يوميًا ضعف وزنها من هذه النفايات.
وذكر أن اليرقات نفسها عند اكتمال نموها تصبح علفًا حيوانيًا يحتوي كميات عالية من البروتين للدجاج والأسماك والحيوانات المجترة، كما تُستخدم البقايا الناتجة عنها كسماد عضوي بنوعية جيدة.
طريقة الإنتاج
يمكن تبسيط طريقة التربية بأن هذه الحشرة كاملة التطور، أي أنها في علم الحشرات تمر بأربعة أطوار، هي بيضة ثم يرقة ثم عذراء ثم حشرة كاملة، وفق الخالد، لافتًا إلى أن البيضة والعذراء طوران ساكنان لا يتغذيان، أما اليرقة فهي الطور المتغذي وهي التي تُستخدم علفًا حيوانيًا.
وأضاف الخالد أنه يتم تهيئة الظروف المناسبة للحشرات الكاملة من أجل التزاوج ووضع البيض، ثم تحضين البيض حتى الفقس، وبعد ذلك تربية اليرقات حتى عمر خمسة أيام تحت ظروف ملائمة، لأن البيض واليرقات الصغيرة تكون حساسة للظروف البيئية.
بعد ذلك، تتغذى اليرقات الناتجة على النفايات العضوية بعد تهيئتها بصورة مناسبة حتى يكتمل نموها، ثم تقدم كعلف للدجاج والأسماك بنسب تغذية معينة، أو تُجفف وتُطحن وتدخل مع الخلائط العلفية بدل الكسبة.
وأشار الخالد خلال حديثه إلى أنه في الوقت الراهن لا يوجد إنتاج، فجميع الأعمال تندرج ضمن الأبحاث والتجارب، وقريبًا جدًا ستطلق وحدة إنتاج مصغرة تتطور تدريجيًا لتصل إلى كميات جيدة.
وعن فوائد هذا المشروع، أوضح مدير الإدارة العامة للبحوث العلمية الزراعية في حكومة “الإنقاذ”، أن الدراسات العلمية أثبتت أن تغذية الحيوانات على هذه اليرقات حسّنت من نموها ومن إنتاجيتها من البيض أو الحليب أو اللحم، كما أن المكونات الغذائية للبيض الناتج عن دجاج تمت تغذيته على يرقات هذه الذبابة كانت أعلى من البيض الناتج عن دجاج مربى على الغذاء المستخدم لتغذية الدجاج في المداجن، لافتًا إلى عدم وجود أضرار على الحيوانات من التغذية بالنسب الموصى بها.
وعن المخاوف من انتشار هذه الذبابة، قال الخالد، إنه ليس لهذه الذبابة أي أضرار على البشر، وهي لا تقترب أصلًا من المناطق السكنية.
يشهد قطاع تربية الحيوانات والمواشي في عموم المحافظات السورية، وإدلب خصوصًا، شحًا أو انعدامًا في الدعم من قبل الجهات الحكومية المسيطرة، إلا من بعض المنظمات التي لا تغطي سوى جزء بسيط من احتياجات المربين، أو يقتصر دعم بعضها على اللقاحات السنوية فقط.
وتعتبر الثروة الحيوانية في محافظة إدلب أحد أهم القطاعات التي توفر فرص عمل للسكان، وخصوصًا النازحين من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، بالإضافة إلى ريف حلب الجنوبي، ويؤثر تراجع المهنة بشكل كبير على مصدر رزقهم.