اللاذقية – ليندا علي
فشلت كل محاولات “حسان” (28 عامًا) بالحصول على موافقة لطلب الاستقالة الذي تقدم به إلى مكان عمله في مديرية مالية اللاذقية، حيث تأتي كل طلبات الاستقالة بالرفض.
“حسان” (اسم مستعار) وهو خريج كلية الاقتصاد، يعمل براتب لا يتجاوز 112 ألف ليرة سورية شهريًا (10 دولارات أمريكية)، يحتاج إلى أكثر من 70% منها لأجور المواصلات كونه من سكان الريف البعيد، ويدفع نحو ثلاثة آلاف ليرة يوميًا في رحلة الذهاب والإياب.
بموافقة مدير القسم الذي يعمل فيه، يأتي الشاب صباحًا ويبقى في وظيفته حتى التاسعة والنصف، يغادر بعدها إلى المطعم الذي يعمل فيه محاسبًا بدوام صباحي، وراتب يصل إلى نحو 800 ألف ليرة.
قال “حسان”، “رئيس القسم يأخذ نصف راتبي كي يغطي عني، طبعًا أعذره فكلنا بدنا نعيش والراتب ما بيكفي شي”.
الإجازة حل
لم تستطع رحاب (28 عامًا)، وهي وأم لطفلين (ثلاث وخمس سنوات)، الاستقالة من وظيفتها كإدارية في جامعة “تشرين”، ولا حتى الحصول على إجازة دون أجر، لأن الأمر بات يحتاج إلى “واسطة كبيرة في دمشق”، وفق ما قالته.
وأضافت أن قريتها لا تبعد عن اللاذقية سوى 12 كيلومترًا، إلا أنها تحتاج يوميًا إلى ألفي ليرة سورية أجور مواصلات، ما يكلفها نحو ثلثي راتبها الشهري البالغ 100 ألف ليرة.
المشكلة لدى رحاب ليست فقط في المواصلات، فهي لديها طفلان صغيران لا تستطيع وضعهما في روضة أطفال، لأن قسطها السنوي يفوق 800 ألف ليرة لكل واحد منهما، أي أنها تحتاج إلى ضعفي راتبها لوضع طفليها في روضة، وضعف آخر لتدفع أجور المواصلات.
وقالت رحاب، “بالكاد اتفقت مع مديري على أن آتي للعمل ثلاثة أيام في الأسبوع، حيث أضع طفليّ لدى والدة زوجي، أو أحضرهما معي إلى العمل في حال لم تكن جدتهما متفرغة”.
وتتكبد النساء مشقة كبيرة بسبب تدني الرواتب، فمسؤولية الأطفال تعود لهن وفق عادات المجتمع، وهذا ما يحملهن أعباء إضافية بغياب نموذج الزوج “الجندري”، الذي يحاول مشاركة زوجته في حل أي مشكلة من هذا النوع.
المشكلة داخل المدينة أيضًا
ليس الموظفون من سكان الأرياف وحدهم من يعانون ارتفاع أجور المواصلات قياسًا بالرواتب المتدنية، فسكان اللاذقية لهم حصتهم من الوجع ذاته.
يحتاج لؤي (46 عامًا) الذي يعيش في حي المنتزه الشعبي داخل اللاذقية إلى تبديل باصَي نقل داخلي في طريق ذهابه إلى دوامه الحكومي في إحدى صالات “السورية للتجارة”، ومثلها في طريق العودة.
ويبلغ ثمن تذكرة رحلة الركوب الواحدة 400 ليرة، ما يضطره لدفع 1600 ليرة يوميًا، بينما لا يتجاوز راتبه 70 ألف ليرة، إذ يُقتطع منه قسط قرض بقيمة 20 ألف ليرة.
وقال لؤي، “الـ1600 ليرة قد ترتفع إلى 2000 ليرة، لأن سائق باص النقل الداخلي غالبًا ما يخبرني أنه لا يملك فراطة، ولا يرجع الـ100 من الـ500 ليرة التي أعطيه إياها، وهي طريقة للسرقة، فهو أيضًا موظف مثلي وراتبه لا يكفي”.
لؤي لا يداوم في مكان عمله لأكثر من ساعة، لأنه يعمل في تعقيب المعاملات، وهو العمل الذي يساعده على إطعام عائلته، مضيفًا “لا يسمحون لنا بالاستقالة، لكنهم لن يمنعونا من إيجاد البديل لإطعام أطفالنا، هم لم يجوعوا بعد ليشعروا بنا”.
تدني الرواتب أشاع مزيدًا من قبول “الفساد” في سوريا، وبات تبرير السرقة بالفقر وتدني الرواتب شائعًا، لدرجة يوشك أن يصبح الفساد شرعيًا بالمطلق، وفق ما قاله لؤي.
وأصدر اتحاد العمال تقريرًا، في حزيران الماضي، نشرته صحيفة “تشرين” الحكومية، قال فيه إن أعداد طلبات الاستقالة ازدادت مع تفاقم حدة الأزمات المعيشية، وكشف التقرير أنه تم تسجيل 516 طلب استقالة في المحافظة، بينها 230 طلبًا من عمال شركات الغزل، و149 عاملًا في مؤسسة “الريجة”، إضافة إلى 31 عاملًا من الصحة، و58 من الزراعة، و48 طلبًا متفرقًا من بقية القطاعات خلال النصف الأول من العام الحالي.
ويسود في سوريا غضب عارم من مشكلة تدني الرواتب، واستمرار ارتفاع الأسعار، بما فيها الأسعار التي ترفعها الحكومة مثل المحروقات التي أدت بدورها إلى ارتفاع أجور النقل.
وفي حزيران الماضي، أعلن رئيس الحكومة، حسين عرنوس، عن دراسة لزيادة الراتب، وقال حينها لصحيفة “البعث” الحكومية، إن الدراسة في خواتيمها، وحتى اليوم لم تصدر الزيادة المرتقبة.
وكانت قيمة الليرة السورية أمام الدولار حين تصريحات عرنوس نحو 7500 ليرة لكل دولار واحد، واليوم يعادل الدولار 12550 ليرة.
ولا يتجاوز متوسط الرواتب الحكومية في سوريا 100 ألف ليرة، وبحسب موقع “Salary explorer” المختص بأرقام سلم الرواتب والأجور حول العالم، بلغ متوسط الراتب الشهري في سوريا خلال 2022 نحو 146 ألف ليرة سورية.