زيارات وقرارات.. هل تنجح محاولات النظام السوري بتهدئة الحاضنة الموالية

من زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى مناطق الحرائق في اللاذقية- 3 آب 2023 (سانا)

camera iconمن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى مناطق الحرائق في اللاذقية- 3 آب 2023 (سانا)

tag icon ع ع ع

تزامنت زيارة عدة مسؤولين في حكومة النظام السوري خلال الأسبوع الماضي، بدءًا من رأس الهرم بشار الأسد وانتهاءً بالوزراء، إلى مناطق الحاضنة الشعبية في الساحل السوري، مع تعالي أصوات الانتقادات التي طالت “القيادة” على وسائل التواصل الاجتماعي.

وزار الأسد، في 3 من آب الحالي، المحطة الجديدة لتوليد الكهرباء في مدينة بانياس قبل نهاية انشائها ووضعها في الخدمة، والتي سوف تقدم طاقة إنتاجية أولية تصل إلى 24 ميغاواط، وهو ما يعتبر كمية قليلة بالنسبة لـ”الحاجة الوطنية”، على حد قوله.

كما ذهب الأسد في ذات اليوم إلى “الشركة السورية لإنتاج اللواقط الكهروضوئية”، التي أنشئت حديثًا في اللاذقية، حيث قال خلال لقائه العاملين بالشركة، “واضح تمامًا من الآن لسنوات طويلة أنه حتى لو ولدنا طاقة تقليدية فنحن بحاجة إلى كميات كبيرة من الطاقة”، موضحًا أن الطاقة البديلة لن تحل محل الطاقة التقليدية.

وفي طريقه إلى اللاذقية، زار الأسد مواقع حرائق الغابات والحراج التي شهدتها المحافظة مؤخرًا، مشيدًا بجهود “الدفاع المدني” وقوات النظام، وقائلًا، إن الخسائر العامة والخاصة هذا العام أقل من الأعوام الماضية نتيجة “الخبرة والسرعة والاندفاع”.

ولم تكن زيارة الأسد إلى المناطق الساحلية فردية بل تحركت زوجته، أسماء الأسد، بشكل منفصل عبر زيارتها لمعمل ألبسة في ريف طرطوس، كانت قد دعمت انطلاقته عام 2018 من مشغل صغير يضم 12 ماكينة خياطة و18 عاملة، إلى معمل يحوي 500 آلة وماكينة، ويؤمن 900 فرصة عمل “لأسر الشهداء والجرحى” بالمنطقة.

وخلال الأسبوع الماضي، وصل عدة وزراء في نشاطات خدمية للمنطقة، منهم وزير الزراعة محمد حسان قطنا، الذي تابع مستجدات الحرائق في اللاذقية، ووزير الإسكان، سهيل عبد اللطيف، في ذات المحافظة لمتابعة تنفيذ الأبراج السكنية للمتضررين من الزلزال، ومشروع الوحدات السكنية المؤقتة التي تنفذها هيئة “الهلال الأحمر الإماراتي”، ووزير التعليم العالي، بسام ابراهيم، في طرطوس لتفقد مشاريع أبنية جامعة طرطوس.

أزمة اقتصادية دون حلول

تعيش مناطق سوريا عمومًا أزمة اقتصادية في ظل ضعف الرواتب والقوة الشرائية وارتفاع الأسعار في ذات الوقت، ويعوّل معظم السكان على الحوالات الخارجية المرسلة من أقاربهم خارج سوريا للمساعدة في مصاريف المعيشة، في حين تعاني الحاضنة الشعبية في الساحل، بصورة خاصة، نظرًا لأنها أقل المكونات السورية ارتباطًا بمهجرين خارج البلاد، وفق محللين.

الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات، نادر خليل، قال لعنب بلدي، إن تحركات النظام السوري في محافظات الساحل ليست جديدة، وإنه منذ العام 2018، يبدي اهتمامًا خاصًا بالحاضنة الموالية في الساحل السوري، لأنها “الخزان البشري الرئيسي” الذي يرفد من خلاله القوى الأمنية والعسكرية الأكثر إخلاصًا له.

وفي الأسابيع الماضية، أصبحت تحركات النظام لإظهار أولوية الساحل لديه، “أكثر إلحاحًا”، بعد نشر نشطاء من تلك المنطقة سلسلة تسجيلات متزامنة تنتقد الوضع المعيشي والخدمي الراهن بسقف نقد غير معتاد، وبصورة تعبّر عن وصول عدم القبول بالوضع الراهن إلى مستويات “غير مسبوقة” في الحاضنة الموالية، وفق خليل.

في الأسبوع الأخير من تموز الماضي، ظهرت الإعلامية المحلية، لمى عباس، في بث مباشر على صفحتها في “فيس بوك”، انتقدت فيه سلطات حكومة النظام، والوضع المعيشي، وبشكل مشابه انتقد الناشط، بشار برهوم، على صفحته المسؤولين في سوريا.

وتعاني الحاضنة الشعبية من تراجع القوة الشرائية بشكل مؤثر دونًا عن غيرها، كونها أقل المكونات السورية ارتباطًا باللاجئين خارج البلاد، بالمقارنة مع الفئات الاجتماعية الأخرى، التي تتلقى حوالات منتظمة، تشكل “الرافعة الأساسية” لمعيشتهم.

ويرى الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات، أن الحاضنة الموالية للنظام، استندت خلال العقدية الماضية على “التعفيش والنهب” لأملاك السوريين، بشكل “ممنهج ومتعمد” عند كل اقتحام وتهجير قسري للمناطق المعارضة.

وركزت الحاضنة الموالية خلال الأعوام الماضية على أخذ مواقع في قوات النظام والأمن، أو في الوظائف الحكومية، وغيرها من المؤسسات المرتبطة بالنظام، لكن حاليًا أصبحت رواتب هذه المواقع والوظائف لا تكفي أيامًا، بسبب انهيار سعر صرف الليرة السورية بصورة متسارعة، بالتزامن مع رفع حكومة النظام للدعم عن معظم السلع الأساسية، والمحروقات، حسب خليل.

المحلل السياسي، حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إنه كلما اشتدت وطأة الأزمة الاقتصادية، وكلما ازداد “البؤس المعيشي” في سوريا، سوف تنحسر الحاضنة الموالية للنظام، وتمتد “حملة التذمر” إلى أقرب الحواضن الموجودة في المحافظات الساحلية.

ويريد الأسد، سواء من خلال زيارته هو وزوجته أو من خلال مراسيم أقرها، أن يستدرك هذا “الصدع الذي بدأ يكبر بينه وبين حاضنته”، وفق النيفي.

من زيارة زوجة رئيس النظام السوري أسماء الأسد لمعمل ألبسة في ريف طرطوس- 6 آب 2023 (سانا)

إجراءات لا تعيد البوصلة

أقر النظام السوري خلال الشهر الماضي عدة قرارات تزامنت مع حالة الانتقاد في الحاضنة الشعبية، منها قرار إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين لمن بلغت خدمته 6.5 سنة أو أكثر في 17 من تموز الماضي، ويلقى عادة قرار تسريح الأشخاص من الخدمة الإلزامية في قوات النظام، ترحيبًا في أوساط الحاضنة الشعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كونها تعد منطقة “الخزان البشري”.

وفي 26 من تموز الماضي، أعلن مشروع “جريح الوطن” عن منحة مالية لمرة واحدة تشمل كل الجرحى من قوات النظام والأمن والميليشيات التابعة له، قيمتها 400 ألف ليرة سورية، لجرحى العجز التام، و350 ألف ليرة لجرحى العجز تحت التام، و300 ألف ليرة لجرحى العجز الجزئي، فيما كان قد مر نحو شهر على المنحة التي سبقتها.

يعتقد المحلل السياسي، حسن النيفي، أنه في ظل غياب سياسات اقتصادية مركزية لاستدراك الوضع، فإن معظم هذه المنح أو الزيارات هي إجراءات شكلية، لأنها “آنية” ولا تطال قطاعات واسعة من المواطنين.

وبحسب رأي النيفي فإن هذه الأنواع من “العلاجات الآنية” لن يستطيع من خلالها النظام استدراك الحاضنة الشعبية، متوقعًا بأن تتوسع حالة التذمر أمام عجز حكومة النظام  عن تلبية حاجات المواطنين.

وهو ما يتفق معه الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات، نادر خليل، بأنه قد لا تنجح محاولات النظام بتهدئة الحاضنة الموالية له، باستخدام هذه التحركات فقط، بل لا بد له من أن يستخدم وسائل ضغط إلى جانبها، كحملة الاعتقالات التي شاعت أنباء عنها في اللاذقية، والضغط على نشطاء لهم متابعين على وسائل التواصل لتغيير مواقفهم، كما ظهر في تغير موقف الناشط بشار برهوم.

وهاجمت الإعلامية المحلية، لمى عباس، في 30 من تموز الماضي، وسائل الإعلام المعارضة واصفة أنهم “استغلوا حديثها”، بعد مقطع مصور نشرته حول محاولة اعتقالها من قبل قوات الأمن.

وإلى جانب الطريقة التقليدية لدى النظام، بتخويف أنصاره من “انتقام بقية الحواضن السورية المتضررة خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى الترويج لـ”حرب جديدة مرتقبة” شرقي الفرات، بين المحور الروسي- الإيراني، ومعه النظام، وبين المحور الأمريكي، وذلك رفعًا لشعار “لا صوت يعلو فوق صوت الحرب”، وفق خليل.

وبعد انتشار مقاطع الانتقاد المصورة، ظهر قريب رئيس النظام، وسيم الأسد، في مقطع مصور، وبخ فيه الذين يطالبون “الدولة” في الوقت الذي تحتاج فيه إلى المساعدة، ويطالبهم في المقابل بالذهاب لتحرير آبار النفط، أو الذهاب إلى الأمم المتحدة للمطالبة برفع العقوبات.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة