أحيا مجموعة من الفنانين السوريين الذكرى 78 لإلقاء القوات الأمريكية القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين، في مشاركة خاصة بمعرضين نُظما في اليابان.
الصحفي السوري المقيم في اليابان نجيب الخش، نظم معرضين لصور من مناطق الشمال السوري المنكوبة بالزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط الماضي، في مدينتي هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين بالتنسيق مع فريق “ريشة أمل”، بعد حوار وتنسيق استغرق عدة أشهر.
وتصادف ذكرى قصف المدينتين مع مرور ستة أشهر على الزلزال الذي ضرب عشر ولايات تركية وأربع محافظات سورية، في 6 من شباط الماضي.
وشارك الفنانون برسم شخصية تعرف باليابان وتحديدًا في مدينة هيروشيما باسم “جين الحافي”، على أنقاض مدينة إدلب، بمشهد يجسد جين وهو يحاول إنقاذ عائلته المحاصرة تحت الأنقاض، وهو مشهد يذكر بما حدث بعد الزلزال الذي وقع في سوريا وجنوب تركيا.
كما شاركوا برسم صورة “فتى ينتظر دوره أمام محرقة الجثامين”، وهي صورة التقطت في ناغاساكي لطفل يحمل أخاه الميت على ظهره وينتظر أمام محرقة لجثث الضحايا في الفترة التي تلت القصف النووي لناغاساكي في 9 من آب 1945.
الصحفي نجيب الخش قال لعنب بلدي إن الهدف من هذا الرسم تحقيق تواصل إنساني بين المناطق المنكوبة بالزلزال في سوريا وبين أهالي مدينتي هيروشيما وناغاساكي، الذين يعرفون معنى الدمار وأيضًا يمثلون أمل إعادة الإعمار بالنسبة للسوريين.
وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، توفي ما لا يقل عن 2302 شخصًا في محافظة إدلب جراء الزلزال (من بين 4191 في شمال غربي سوريا)، وجاءت مدينة حارم في مقدمة أعداد الضحايا 772 تليها سلقين التي سجلت فيها 412 حالة وفاة.
ينحدر الفنانون المشاركون في هذا العمل من مدينة بنش شرقي إدلب، ويطلق على فريقهم اسم “ريشة الأمل”، ورسم الفريق لوحة جين الحافي، والفتى الذي ينتظر دوره أمام محرقة الجثامين، على أنقاض منزل في مدينة بنّش في 18 من أيار الماضي.
وعرضت هذه الرسوم، إلى جانب رسوم سابقة لفريق “ريشة أمل”، في المعرض الذي أقامه الصحفي نجيب في صالة لعرض الأعمال الفنية في هيروشيما، واستمر لمدة ثلاثة أيام من 4 وحتى 6 من آب، حيث روج للمعرض في حديقة السلام في هيروشيما والتي تحتضن فعالية الذكرى السنوية للقصف النووي، إذ يزورها عشرات الآلاف من اليابانيين ومن أنحاء العالم في هذا اليوم للمشاركة في إحياء الذكرى.
وانتقل المعرض بعد ذلك من هيروشيا إلى مدينة ناغاساكي، في 8 من آب، وتعرض الرسوم حتى 12 من الشهر ذاته، ضمن معرض جماعي عن السلام في متحف ناغاساكي للسلام.
ولفتت الرسوم وسائل إعلام يابانية وتحدثت بعض الصحف عنه، وكانت هناك نظرة إنسانية إيجابية إزاء هذه المبادرة من فنانين شباب في سوريا بادروا بمثل هذه الفعالية، رغم صعوبات حياتهم اليومية، بهدف التواصل مع هيروشيما التي تحولت إلى رمز السلام وإعادة الإعمار بعد الكوارث والتخلي عن العنف والحروب في العالم، بحسب الصحفي نجيب الخش.
التضامن بالرسم
لأن الرسم على الجدران المهدمة جراء القصف يحاكي هموم الناس ويلامس أفئدتهم ويعبر عن قضاياهم، تحاول فريق “ريشة أمل” توصيل رسائلهم إلى الداخل السوري والخارج الإقليمي والعالمي.
وشارك فريق “ريشة أمل” بعدة رسوم تضامنًا مع الشعب الياباني منها رسم صورة الفتاة اليابانية المختطفة ميغومي يوكوتا في كوريا الشمالية التي اختطفت في 15 من تشرين الثاني عام 1977، على جدار منزل مهدم جراء القصف في محافظة إدلب.
واختار الفريق هذه الفتاة للمطالبة بفك أسرها وأسر كل المعتقلين سواء باليابان او في سوريا أو في أي مكان بالعالم يوجد فيه معتقل، بالإضافة إلى رسوم أخرى مثل قرص دوار الشمس الذي يمثل الصمود عند اليابانيين، بحسب الرسامة السورية سلام حامض.
وكان تضامن الباحث الأكاديمي إيتشيكو يامادا مع المعتقلين السوريين في مراكز الاعتقال السورية، من خلال إضرابه عن الطعام لمدة أربعة أيام أمام السفارة الروسية في برلين، الدافع الذي ألهم رسامي مدينة إدلب لتضامنهم أيضًا مع قضية تهم الرأي العام في اليابان، بحسب ما قاله الرسام السوري عزيز الأسمر لعنب بلدي.
ويعتبر الاهتمام بالقضايا العالمية التي تعاني من الاستبداد من قبل ناشطين في محافظة إدلب وسيلة مهمة لإيصال معاناة الشعب السوري إلى بلدان مختلفة حول العالم مثل اليابان، بحسب عزيز.
ورسم عزيز لوحة جدارية على أنقاض أحد المباني المدمرة، في 2020، عنوانها “لا للعنصرية”، وعليها صورة الأمريكي المقتول من قبل الشرطة جورج فلويد، وذلك تضامنًا مع قضيته التي أشعلت الشارع الأمريكي وأججت مظاهرات، كي يدعو إلى السلام والمحبة في العالم، خاصة بعد أن ازدادت الموجة العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء.
وأكد عزيز أن ما دفعه للرسم هو ما أعاده فلويد، الذي مات خنقًا بقدم الشرطي الأمريكي، إلى أذهان المدنيين السوريين الذين قُتلوا خنقًا بعد ضرب النظام السوري لهم بالأسلحة الكيماوية.
وأراد أن يوصل رسالة إلى العالم من خلال هذه الجدارية بأن العنصرية موجودة في كل مكان، سواء كانت حيال العرق أو اللون أو الدين، وذلك ما يرفضه الرسام، متمنيًا زوال العنصرية بأشكالها.
“نوافذ لإرسال صور حقيقية”
ويركز الرسام عزيز أسمر (47 عامًا)، وهو من مدينة بنش في محافظة إدلب، من خلال لوحاته على الأحداث الداخلية في سوريا والخارجية في الشرق الأوسط والعالم، التي شبهها أسمر، في حديث إلى عنب بلدي، بـ”نوافذ نرسل من خلالها الصورة الحقيقية عن ثورتنا وشعبنا التي حاول النظام وداعموه تشويهها”.
وأكد أن اللوحات تعني فكرة واحدة، وهي أن من حق الأفراد معرفة مصير أقربائهم وأحبائهم سواء كانوا مخطوفين أو معتقلين قسريًا.
ويعمل فريق “ريشة أمل” على بعث رسائلهم لتأكيد ما مفاده أن المجتمع السوري ليس بقعة مغلقة يسودها الجهل والتعصب كما تحاول كثير من وسائل الإعلام الترويج له، وتسعى جاهدة لخلق هذه الصورة النمطية السلبية تجاهه.
ويجتمع عزيز بعد انطلاق الثورة السورية مع عدد من الشعراء والرسامين والنحاتين والإعلاميين، في مرسم متواضع بمدينة بنش، لمناقشة الأفكار والقضايا والرسومات، يترأس هذا الفريق الرسام والنحات أنيس حمدون، الذي يملك خبرة سنوات طويلة في هذا الفن.
اختيار المشاهد
استغرق اختيار المشاهد نقاشًا طويلًا، فقصة “جين الحافي” يوجد فيها الكثير من المشاهد التي تصور الدمار والموت الذي أحاط بالمدينة، ليتفق الصحفي نجيب الخش مع الفريق في نهاية المطاف على مشهد يعبر عن قوة الحياة ورفض الاستسلام في مواجهة الكوارث.
وهو المشهد الذي يحاول فيه الطفل جين الحافي بكل ما أوتى من قوة انتشال أبيه وأخيه الصغير من تحت ركام منزلهم الذي دمرته القنبلة النووية.
ويأتي اختيار المشهد بهدف إظهار صمود وكفاح الشعب السوري في مواجهة التحديات الصعبة، حيث أن تحقيق تواصل ولفت أنظار بلد بعيد عن سوريا آلاف الكيلومترات هو بحد ذاته شاهد على أن السوريين ليسوا “منكسرين ولا خانعين”، بل هم “ينتفضون” ضد واقعهم “الأليم” كل يوم وبمختلف الأدوات، بحسب الصحفي نجيب.
من جين الحافي؟
هو أحد كتب الرسوم اليابانية المشهورة، ويطلق على هذا النوع من الكتب “المانغا”، وكتاب جين الحافي من أشهر كتب المانغا في اليابان، ويتألف من عشر مجلدات ضخمة.
تروي قصة الكتاب الحياة في مدينة هيروشيما قبل القصف النووي الذي تعرضت المدينة وخلال القصف وبعده، ومحاولات جين في إنقاذ عائلته وانتشالهم من تحت الأنقاض.
وترجمت مجلدات جين الحافي إلى عدة لغات ومنها اللغة العربية التي ترجمها أستاذ الدراسات اليابانية في جامعة القاهرة ماهر الشربيني بدعم من جهات حكومية وأهلية يابانية، وعرضت النسخة العربية من الكتب داخل معرض الصور في هيروشيما.
وتدرس القصة للأطفال في المدارس اليابانية، وتعد شاهدًا فنيًّا خالدًا على إحدى أفظع المآسي التي واجهتها اليابان.
ونظرًا للقواسم المشتركة بين معاناة الناس في سوريا وفي هيروشيما، ويأتي اختيار هذا التوقيت للتواصل مع هيروشيما، والسعي للاستفادة من ثلاثة عوامل تسهم في إنجاح هذا النشاط الإعلامي الإنساني، بحسب الصحفي نجيب الخش، أولها استضافة هيروشيما قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، في 16 من أيار الماضي.
ومجموعة الدول السبع عبارة عن ملتقى سياسي حكومي دولي يضم كلًا من كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، ويعتبر أعضاء المجموعة أكبر الاقتصادات المتقدمة في العالم وفقًا لصندوق النقد الدولي، ما يجعل هيروشيما محط أنظار العالم هذا العام.
العامل الثاني احتفاء هيروشيما هذا العام بقصة “جين الحافي” في الذكرى 50 على صدورها، إذ نشرت القصة لأول مرة في 4 من حزيران 1973 على شكل حلقات استمرت لعدة سنوات في إحدى أهم مجلات قصص الرسوم المصورة في اليابان لتنشر القصة كاملة لاحقًا في عشرة مجلدات.
والعامل الأخير هو تصادف الذكرى الـ78 لقصف هيروشيما مع مرور ستة أشهر على وقوع الزلزال الذي حدث في سوريا وجنوب تركيا.
ماذا حدث في هيروشيما وناغاساكي عام 1945؟
شاركت اليابان في الحرب العالمية الثانية التي بدأت عام 1939 وشاركت فيها الغالبية العظمى من دول العالم في حلفين رئيسيين هما “قوات الحلفاء” و”دول المحور” وكانت اليابان ضمن دول المحور.
استسلمت المانيا لقوات الحلفاء في أيار عام 1945، لكن الحرب استمرت في آسيا، حيث حارب الحلفاء الجيش الياباني.
واعتقدت الولايات المتحدة أن إلقاء قنبلة نووية، بعد أن رفضت طوكيو مهلة سابقة للسلام، من شأنه أن يفرض استسلامًا سريعًا دون المخاطرة بخسائر أمريكية على الأرض.
وفي 6 من آب، أسقطت الولايات المتحدة القنبلة الأولى، التي سميت بـ”الولد الصغير”، على هيروشيما. وهو أول هجوم يستخدم فيه سلاح نووي خلال الحرب.
وعندما لم يستسلم اليابانيين، بشكل فوري أسقطت الولايات المتحدة قنبلة أخرى، أطلق عليها اسم “Fat Man” أو “الرجل البدين”، بعد ثلاثة أيام على بعد نحو 420 كيلومترًا إلى الجنوب فوق مدينة ناغاساكي.
ووصل عدى الضحايا في هيروشيما إلى نحو 140 ألفًا، من أصل عدد السكان البالغ 350 ألفًا، بينما وصل إلى 74 ألفًا في ناغاساكي.
وأدى الهجوم النووي إلى نهاية مفاجئة للحرب في آسيا، إذ استسلمت اليابان للحلفاء في 14 من آب عام 1945.