الجولان وزيف خطاب الصمود والتصدي

  • 2023/08/06
  • 2:16 م
lama kanout - enab baladi

lama kanout - enab baladi

لمى قنوت

يواصل السوريون الجولانيون والجولانيات كفاحهم اليومي لتقويض الاستعمار الصهيوني في الجولان وهيمنته في ظل الاقتلاع والاستيطان والاحتلال وطمس هوية الأرض ومن عليها، فمنذ 56 عامًا، أي في عام 1967، هجر المستعمر ما يقارب 138 ألفًا من سكان الجولان المحتل إلى داخل سوريا، ودمر قراهم لمنعهم من العودة إليها، واستولى على أراضيهم وممتلكاتهم وبنى على أنقاضها 35 مستوطنة غير شرعية.

نجت خمس قرى على سفوح جبل حرمون، وهي منطقة ذات تضاريس وعرة، يسكنها 28 ألف شخص. صادر المستعمر الهويات الشخصية السورية، وألغى نظام التعليم والقانون السوري، واستبدل العملة السورية، وفصل المعلمين واستبدل بهم مدرسين آخرين غير مؤهلين، وربط المستعمر الخدمات والامتيازات وحرية التنقل بالجنسية الإسرائيلية، التي رفضها السكان، وحرّمها زعماء دينيون، محذرين من مقاطعة اجتماعية ودينية لمن يقبل بهذه الجنسية.

بعد قرار المستعمر ضم هضبة الجولان في 14 من كانون الأول 1981، أضرب السكان تحت شعار “المنية ولا الهوية”، رفضًا لهوية المستعمر الصهيوني وقوانينه ولقرار الضم، ففرض المحتل حصارًا كاملًا على الجولان وقطع الماء والكهرباء عن السكان، وواجه المتظاهرين بالعنف، ووزع بطاقات شخصية تحمل جنسيته، لكن السكان رفضوها ورموها على الأرض. أُنهي الإضراب بعد حوالي ستة أشهر، وخضع المستعمر لمطالب سكان الجولان، ونص قرار مجلس الأمن “497”، في 17 من كانون الأول 1982، على أن قرار الاحتلال بفرض قوانينه وولايته وإدارته على الجولان السوري المحتل ملغى وباطل وليس له أثر قانون دولي، وطالبه بإلغاء قراره على الفور. بعد التطهير العرقي الذي مارسه الاحتلال بحق السكان الأصليين للجولان، ما زالوا محرومين من الوصول إلى مواردهم الطبيعية وأراضيهم بسبب استغلال الاحتلال الموارد الطبيعية في الجولان من رياح ونفط ومياه.

لم يبذل نظام الأسد أي مجهود لتحرير الجولان، بل ضَمن أمن وأمان الجبهة مع المستعمر، واقتات، ولا يزال، على اجترار خطاب “الصمود والتصدي” المعادي لفظًا للعدو الصهيوني، وطوفان الكلام عن تحرير فلسطين والجولان، الذي أمّنَ له تضامن مجتمعات وأوساط ثقافية داعمة لقضية فلسطين، صدّق بعضها هذا الخطاب وخُدع به دون التمحيص في زيفه، وصمت أو برر العنف الوحشي الذي واجه فيه النظام السوريين واللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين ثاروا على سلطته عام 2011.

الاغتسال بالصمود” والتصدي، هو تبييض لنظام كدس أطنانًا من الخطب الرنانة عن تحرير فلسطين من جهة، ودعم من جهة أخرى حصارًا خانقًا نفذته ميليشيات لبنانية يمينية على مخيم “تل الزعتر” لمدة52  يومًا في كانون الثاني عام 1976، وهو حصار مهّد للانقضاض عليه عسكريًا وتدميره وارتكاب مذبحة بحق الفلسطينيين والفلسطينيات فيه. لقد فضح بيان لسوريين وسوريات من الجولان المحتل، عُنون بـ” أنتم الصوت ونحن صداه”، صادر في آذار 2011، زيف خطاب المقاومة والصمود والتصدي لنظام الأسد، عندما خاطبوا الشعب السوري، بـصفتهم جزءًا لا يتجزأ من سوريا ونسيجها الاجتماعي، وأعلنوا “أن كل مَن يعتدي على شعبنا السوري، قتلًا أو بطشًا أو اعتقالًا أو تعذيبًا أو تشريدًا أو نهبًا هو بمنزلة عدو، لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي قيد أنمله، كائنًا من كان!”، وأن وجودهم تحت الاحتلال الإسرائيلي ليس معناه بأي حال وقوفهم على الحياد، بل إن واجبهم الوطني والإنساني والأخلاقي يحتم عليهم الانحياز الكامل لشعبهم ضد جلاديه. وقد أكدوا في البيان رفضهم للاحتلال الإسرائيلي وأبعاد المشروع الصهيوني على الأرض، وأكدوا أيضًا أن “النظام ليس هو الوطن بأي حال، حتى لو حاول تصوير نفسه على هذا النحو”.

ركّز البيان على أن “التلطّي خلف أنظمة الطوارئ وتأبيدها بحجة المقاومة والممانعة والصراع مع العدو، أثبتت زيفها وعجزها عن استرجاع حبة واحدة مِن تراب الجولان، مبيحة سماء الوطن وبحره وبره للعدو يجوبه في أربع جهاته”، وأكد البيان أن “تحرير الجولان لن يكون ممكنًا إلا بتحرير الوطن من قيده. فشعب محتل، مقموع ومقهور داخل وطنه لن يقوى على تحرير أرضه مِن أعدائه!”. ووقع المئات من الجولانيين العلمانيين والأكاديميين والمثقفين، رجالًا ونساء بتنوعاتهن، وأسرى محررين من سجون الاحتلال على البيان، ونابهم الكثير من العنف والقمع جراء إعلان موقفهم الصارم ضد النظام. وفي مظاهرة، في 23 من كانون الأول 2011، اصطدم السوريون الجولانيون المعارضون للنظام مع الموالين له في ساحة “سلطان باشا الأطرش” بمجدل عين شمس، ومع تراجع الحراك السلمي انكفأ الحراك المعارض في الجولان عام 2013، لكن روح الثورة أسهمت في زعزعة البنى التقليدية التي كرسها رجال الدين الموالون للنظام.

استعاد الجولانيون، رجالًا ونساء، الحقل الثقافي عبر عودة “أيام الجولان الثقافية” في نسختها الثانية بمركز “فاتح المدرس” بعد انقطاع نحو عشرة أعوام عن آخر فعالية ثقافية، وذلك بعد حالة إحباط سادت نتيجة الصراع في سوريا، استغلها المستعمر بتصاعد مشاريع “أسرلة” الجولانيين، والاستيلاء على المشهد الثقافي، وفرض انتخابات محلية في الجولان، عام 2018، الذي لا يزال معظم سكانه يحملون الجنسية السورية. ورغم أن هذا النشاط الثقافي الذي تنظمه منظمات المجتمع الأهلي يسهم في التحرر من أجندة الاستعمار ويسعى لأفق ثقافي حر، ممتد من فلسطين إلى سوريا، فإن تغطيته كانت محدودة جدًا في الإعلام السوري. والتساؤلات التي تطرح نفسها، لماذا يغيب دعم المجتمع المدني لسكان الجولان، ولماذا يقتصر رصد الجرائم والانتهاكات ضدهم على “المرصد– المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان” دون منظمات المجتمع المدني الحقوقية، ولماذا لا يتم تخصيص فقرات عن انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، وانتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تقارير الظل المختلفة، وأين الناشطات والمنظمات النسوية والنسائية من الجولانيات في مشاريعهما وتقاريرهما؟

ثمة حقول ألغام وسياجات بين ما يطلق عليه “تل الصرخات” أو “تل الدموع”، حيث يصرخ الناس عبر مكبرات الصوت من الجولان المحتل منادين أهلهم وأحباءهم الذين تجمعوا على التل من الجانب السوري، ليطمئنوا على بعضهم وليتشاركوا الأخبار والأحزان والأفراح، إذ يتجمعون في17 من نيسان بذكرى عيد الاستقلال، وفي 14 من شباط بذكرى إعلان الإضراب عام 1982. ربما بهت الآن نظام الصرخات هذا مع تعدد وسائل الاتصال الحديثة، لكن، عليه أن يلهمنا بابتداع طرق جديدة لتعزيز الروابط الإنسانية والمجتمعية والسياسية والثقافية والحقوقية مع سكان الجولان السوري المحتل.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي