عنب بلدي تستوضح من متخصصين
ثلث متفوقي الشهادتين في سوريا من الساحل.. ما الأسباب؟
عنب بلدي – محمد فنصة
خلال السنوات الخمس الماضية، تصاعدت أعداد المتفوقين أصحاب العلامات الكاملة في الشهادتين الأساسية والثانوية، ضمن مناطق نفوذ النظام السوري، وسجلت رقمًا قياسيًا في العام الحالي، واللافت أن أغلبية من حصلوا على العلامة التامة هم طلاب قدموا امتحاناتهم في مناطق الساحل السوري، ما يثير التساؤلات حول الأسباب، مع تشابه الظروف الاقتصادية الصعبة بمختلف أنحاء البلاد.
وأعلن وزير التربية، دارم طباع، في 17 من تموز الماضي، عن نتائج امتحانات الدورة الأولى لشهادة الثانوية العامة (البكالوريا)، حيث بلغت نسبة النجاح في الفرع العلمي 66.33%، ونال 33 طالبة وطالبًا العلامة التامة بالفرع العلمي، وهو رقم لم تصل إليه أي دورة امتحانية منذ عام 2010، منهم 13 من محافظة اللاذقية، وثمانية من محافظة طرطوس.
بينما بلغت نسبة النجاح في الفرع الأدبي 68.68%، كما أن أعلى علامة كانت 2698 درجة، وسُجلت في محافظة اللاذقية.
وبنسبة نجاح وصلت إلى 77%، أعلن طباع، في 27 من تموز الماضي، عن نتائج امتحانات شهادة التعليم الأساسي للعام الحالي.
ونال 162 طالبة وطالبًا العلامة التامة (3100 درجة)، لأول مرة منذ عام 2012، منهم 24 طالبة وطالبًا في محافظة دمشق، و32 في ريف دمشق، و31 في حلب، و22 في اللاذقية، بينما سُجل العدد الأكبر في طرطوس بـ48 طالبة وطالبًا.
“ثقافة غش مقبولة”
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي انتقادات واتهامات بممارسة الغش في امتحانات الشهادة الثانوية العام الحالي، استنادًا إلى حصول ثمانية طلاب من مدرسة واحدة في مدينة اللاذقية على العلامة التامة في الشهادة الثانوية العامة بفرعها العلمي.
بالمقابل دافع آخرون عن طلاب تلك المدرسة، معتبرين أن الطلاب تفوقوا إثر دراستهم وتفوقهم، وأن المدرسة تتميز بكونها خاصة بالمتفوقين ويخضع من يريد الالتحاق بها لاختبارات خاصة قبل القبول.
الباحث الاجتماعي الأكاديمي حسام السعد، أوضح لعنب بلدي أن الوضع الاقتصادي والمعيشي الضاغط على السوريين فتح المساحة أمام الرشوة والغش وبيع الأسئلة، وبات متاحًا أكثر من ذي قبل، بحيث أصبح الغش “ثقافة مقبولة وسائدة”.
وحول واقع التعليم في سوريا خلال السنوات الأخيرة قال السعد، وهو مدرس سابق في جامعتي “دمشق” و”حلب”، إن التعليم اليوم في “أسوأ” حالاته منذ تسلّم النظام السوري سدة الحكم.
ويعتقد السعد أن تراجع وانهيار التعليم مرتبط بعدم جدواه في الحياة المعيشية اليومية، فهو لم يعد حاجة ملحة يمكن من خلاله الحصول على مهنة “على أقل تقدير”، تكفي المتعلم للعيش في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة بشكل مستمر، وهو أحد أسباب مسألة التهاون وعدم الاكتراث من قبل المدرسين والأهالي.
واتفق مع هذا الرأي الباحث الاجتماعي الأكاديمي محمد نور النمر، الذي يرى أن التعليم في سوريا يعد أداة بيد النظام بدءًا من المناهج، وانتهاء بالتساهل في الأسئلة ومنح العلامات، يستخدمها لإبعاد الطلاب عن الواقع السوري، وفق حديثه لعنب بلدي.
وطرح النمر مثالًا عن درس في كتاب “التربية الوطنية” نسخة عام 2020 لطلاب الصف التاسع الأساسي، جاء فيه أن مشكلات المجتمع السوري تقتصر على البطالة والمواصلات فقط.
وفي كل دورة امتحانية للشهادتين الثانوية والأساسية، تبرز أسئلة توحي بأن المناهج بعيدة عن الواقع، إذ جاء ضمن امتحان “التربية الوطنية” لطلاب “التاسع” للدورة الحالية، سؤال حول اقتراح حلول لاستعادة الجولان المحتل، متجاهلًا وجود أربعة جيوش أجنبية على الأراضي السورية.
ويرى النمر أن الامتحانات هي جزء من عملية إبعاد الطلاب عن الواقع، عبر طرح أسئلة سهلة للحصول على علامات مجانية، لا تستوجب الاعتراضات، ولا تعكس بذات الوقت الواقع المتردي التعليمي من خراب للمدارس وقلة كفاءة المدرسين.
كسب الحاضنة الشعبية
بحسب بيانات وزارة التربية، فإن ما يزيد على ثلث الطلاب أصحاب العلامات التامة في الشهادتين (البكالوريا والتاسع)، هم ممن تقدموا للامتحانات في مدارس منطقة الساحل السوري.
الباحث الاجتماعي الأكاديمي حسام السعد، قال في تفسيره للحالة، إن واقع “تفوق” الطلاب البارز في منطقة الساحل هو جزء من انهيار العملية التعليمية في سوريا بشكل عام، بسبب غياب الرقابة في تلك المناطق، حتى قبل عام 2011 بسنوات طويلة.
وعزا تفوق الطلاب في تلك المنطقة إلى تدخل النظام لتأهيلهم لدخول الاختصاصات المناسبة للمرحلة، بحيث يسلم مفاصل قطاعات الحياة كافة إلى من يثق بولائهم.
الباحث الاجتماعي الأكاديمي محمد نور النمر، يرى أن هدف التعليم في المنطقة الساحلية هو للذهاب إلى الكلية العسكرية بعد النجاح بالشهادة، ولذا فإنه يتساهل مع حالات الغش لزيادة نسب النجاح.
ويمكن لخريجي الكليات الجامعية المتطوعين ضمن الكليات العسكرية الحصول على رتب عسكرية أعلى من رتب غير المتعلمين الذين تبدأ رتبهم من مجند.
الباحثة الاجتماعية المساعدة في مركز “عمران للدراسات” حلا حاج علي، قالت لعنب بلدي، إن تركز العلامات التامة في مناطق الساحل سببه حالات الفساد، لكنها ازدادت في السنوات الأخيرة لعدم بقاء ما يمكن أن يقدمه النظام لحاضنته الشعبية.
ويعوض النظام خسارة حاضنته الشعبية من أبنائها خلال القتال ضمن قواته، وعدم إمكانية حصول أبنائها على تعليم بمستوى جيد، بالتساهل معها في سبيل حصولها على مقاعد ضمن الاختصاصات الجامعية المرغوبة، سعيًا منه لإرضائها، وفق تعبير حاج علي.
ولم تخلُ الدورات الامتحانية قبل عام 2011 من حالات الغش أو تسريب الأسئلة لشخصيات معروفة أو أبناء ضباط في قوات النظام، وفق الباحثة الاجتماعية، لكن هذه الحالة تحولت إلى “ظاهرة تسيب” وتسريب بالأسئلة أو تبديل بالقاعة الامتحانية، وكأن موضوع الغش أصبح “طبيعيًا”.
وحول انعدام الحلول، أفادت حاج علي أنه لا توجد قنوات للمحاسبة، وأنه حتى من لم يكن من ضمن منظومة الفساد، يتغاضى عن مراقبة أو محاسبة هذه الفئة من الطلاب، كون أغلبهم ممن يعتبرون أبناء “شهداء” القتال ضمن قوات النظام.
تأثير لاحق
يلتحق المتفوقون في الشهادة الثانوية بفرعيها بالتخصص الذي يرغبون به ضمن الكليات الجامعية، وتعد الكليات الطبية أكثر التخصصات رغبة بين الطلاب، لكن، وحسب تصريحات نائب وزير التعليم العالي، عبد اللطيف هنانو، في أيلول 2022، فإن عدد الطلاب في السنة التحضيرية التي تسبق دخولهم للكليات الطبية (الطب البشري، طب الأسنان، الصيدلة) يصل إلى 8500 طالب وطالبة.
وحذرت الباحثة الاجتماعية المساعدة في مركز “عمران للدراسات” حلا حاج علي، من إمكانية حصول مكاسب للحاضنة الشعبية المحسوبة على النظام على حساب بقية فئات المجتمع، عن طريق تسهيل حصولها على أماكن علمية ترغب بها في الجامعات.
ولدى أغلبية أفراد الحاضنة اعتقاد بأن أفراد المجتمع من بقية المناطق يهاجرون أو يلجؤون لدول الخارج على عكسهم، لعدم وجود إمكانية للهجرة خوفًا من مواجهة رفض المجتمع خارجيًا، أو لعدم توفر إمكانية مادية، لتكون فرصة التحاق أبنائهم باختصاصات الطب والهندسة داخل سوريا بديلًا عن هذا الخيار، وهو ما يؤثر على عدد مقاعد الجامعات المتوفرة، وفق الباحثة الاجتماعية.
وتشهد مناطق الساحل استقرارًا بالوضع الأمني بالمقارنة مع المحافظات الأخرى منذ عدة أعوام، ما دفع بعض أبناء المحافظات الأخرى ممن نزحوا بسبب تردي الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية إلى الإقامة فيها، ومنهم من حصل على نتائج متفوقة خلال دراستهم في المنطقة.
وتواصلت عنب بلدي مع معلمين من مدينة درعا لتوضيح الآلية المتبعة في تصحيح أوراق الامتحانات، حيث أفادوا بأنه ليس من المسموح أن ينفرد المصحح بتصحيح ورقة كاملة، بل تجري العملية على شكل مجموعات، وكل مجموعه عبارة عن ثلاثة مصححين، منهم اثنان يصححون باللون الأحمر والثالث باللون الأسود للتدقيق، بحيث تصحح كل مجموعة سؤالًا واحدًا، ثم تنتقل الورقة للمجموعة الثانية لتصحيح السؤال الثاني وهكذا.
وعند الانتهاء توجد مجموعة للتدقيق باللون الأخضر، ومجموعة أخيرة لجمع العلامات، ثم يتم نقل الأوراق لمديرية التربية والتدقيق على الجمع وإدخال النتائج إلى الكمبيوتر.
ويمنع على المصححين فتح مكان الاسم بالأوراق لمعرفة الأسماء، كما يمنع استخدام الهواتف المحمولة داخل قاعة التصحيح، بالإضافة الى أن أي معلم لديه طالب خضع لامتحانات الشهادة الثانوية أو الأساسية، لا يجري اختياره لتصحيح الأوراق الامتحانية.
وأوضح المعلمون أنه جرى التساهل ببعض الأحيان خلال التصحيح في حال كانت الإجابة “قريبة من الصح بنسبة كبيرة”.
وفي لقاء لوزير التربية، دارم طباع، في 3 من تموز الماضي، وصف سير العملية الامتحانية للدورة الحالية بـ”المتطورة جدًا”، بينما عمليات تسريب الأسئلة الامتحانية كانت نتيجة إهمال بالعمل من “حالات فردية”.
وأعطى وزير التربية صورة عن الوضع التعليمي في سوريا عبر عدة إحصائيات، منها أنه من إجمالي 22 ألف مدرسة عاملة قبل عام 2010، يوجد حاليًا 14 ألف مدرسة عاملة، تضرر عدد منها أيضًا بسبب كارثة الزلزال في شباط الماضي، وأن ميزانية التعليم قبل عام 2010 بلغت 14%، بينما وصلت حاليًا إلى 4% أو 4.5% من الموازنة العامة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :