ريف حلب – عبد الكريم الثلجي
تسببت العمليات العسكرية التي شنتها قوات النظام في مختلف المدن والبلدات السورية طوال أكثر من عقد من الزمن، بموجات نزوح داخلي وحملات تهجير قسري للسكان إلى مناطق شمال غربي سوريا (خارج سيطرة النظام).
ومع غياب أي حلول تعيد المواطنين السوريين إلى منازلهم التي تركوها تحت وطأة القصف، ازدادت متطلبات المهجرين، وكثرت احتياجاتهم، ما دفع عددًا من الناشطين المهجرين في مدينة اعزاز لتنظيم أنفسهم وإطلاق “الهيئة العامة للمهجرين في اعزاز”، أواخر عام 2021.
الهيئة عبارة عن تجمع مستقل يضم ممثلين عن جميع المهجرين قسرًا إلى الشمال السوري، والمقيمين في مدينة اعزاز، بهدف توحيد جهودهم في إطار عمل موحد، لتلبية احتياجاتهم وخلق صوت يدافع عن حقوقهم في كل المحافل والمنابر، سواء داخل أو خارج سوريا.
لا يتلقى التجمع، بحسب القائمين عليه، أي دعم مادي من الجهات الرسمية وغير الرسمية في اعزاز، ويعتمد على تبرعات أعضائه لمحاولة تغطية المصاريف.
المحامي يحيى حمشو، وهو مدير الإدارة العامة للمهجرين ومهجر من مدينة معرة النعمان بريف إدلب إلى اعزاز، قال لعنب بلدي، إن هدف هيئة المهجرين “تجميع قدرات المجتمع المدني السوري، وتنظيمها وتطويرها ما أمكن، لتكون أكثر فعالية في إعادة بناء ما تهدم في المجتمع السوري، وتوجيه هذه الطاقات لتكون في خدمة الثورة السورية”.
كما أُطلقت لائحة النظام الداخلي للتجمع، فهناك الهيئة العامة التي تضم كل المهجرين باعزاز، ومكتب أمانة السر، وإدارة الحالة، وعدة مكاتب لتنظيم عمل المهجرين، تضم ممثلين عن جميع التجمعات المهجرة باعزاز، مع الإشارة إلى أن التجمع يعمل في اعزاز وريفها، فقد جرى ترخيصه لدى الجهات الرسمية الموجودة فيها، ويسعى لتطوير عمله والانتشار بجميع مناطق الشمال السوري.
وأوضح حمشو أن هيئة المهجرين تؤمن بتحقيق التنمية المجتمعية والتوعية والرقابة والتأييد والمناصرة للقيم المجتمعية السامية، وتعزيز النسيج الاجتماعي التشاركي على أساس تكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان والعدالة والمساواة.
كما تعمل الهيئة على دعم وتنسيق الحراك المجتمعي بكل السبل، ودعم المؤسسات لتقوم بدورها، إضافة إلى دعم دور المرأة وتمكينها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لتتمكن من أخذ دورها في الحياة العامة والخاصة.
وتسعى هيئة المهجرين، بحسب حمشو، لمساعدة العاطلين عن العمل لتمكينهم من تأمين لقمة عيش كريمة، وتشجيع الأفراد والجماعات على إنشاء المشاريع التنموية.
صعوبات وتحديات
ضعف الإمكانيات لدى المهجرين الذين خسروا ممتلكاتهم في مدنهم وقراهم التي هُجروا منها يحول دون تأمين احتياجاتهم، ويضاعف من تحديات الحياة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة.
وقال يحيى حمشو لعنب بلدي، إن هناك أدوات لا بد منها لتحقيق أهداف التجمع الذي يجري العمل في إطاره، ومن ضمنها أخذ دور أكبر في المجتمع، وتتمثل بـ”إيجاد برامج تدريب مهنية علمية احترافية، من خلال إطلاق ورشات عمل ودراسة الحالات الخاصة والعامة في المجتمع المهجر، إضافة إلى إجراء ندوات دورية ومؤتمرات تُعنى بشؤون المهجرين وتحاول إيصال صوتهم ومطالبهم لأعلى المستويات”.
وأضاف أن التخطيط وإعداد البرامج وتقديم الاستشارات والأبحاث ومتابعة تنفيذ المشاريع وتوثيقها بتقارير ميدانية هو من ضروريات العمل في التجمع، إضافة إلى إدارة وتنفيذ حملات التوعية.
من جهته، يرى ثائر أبو شرخ، ممثل المهجرين الفلسطينيين في الشمال السوري وعضو في الإدارة العامة للمهجرين في اعزاز، أن الإدارة باعزاز استطاعت بناء شبكة علاقات جيدة لدى الفاعلين في المنطقة، من مؤسسات وتجمعات مدنية تهتم بالشأن العام.
وعن صعوبات عمل إدارة المهجرين قال ثائر أبو شرخ، إن هناك مسؤولية كبيرة عن تخفيف معاناة المهجرين، وخصوصًا من يقطن الخيم، مع ضرورة تأمين متطلباتهم المعيشية، ولأن عمل التجمع مستقل وبدعم ذاتي، فهذا يحد من توسع الأنشطة، بسبب ضعف الإمكانيات المادية، التي تعوق إقامة ندوات وفعاليات وأنشطة مدنية مختلفة.
وأضاف أبو شرخ أن النظام الحوكمي في الشمال السوري وتعدد السلطات الموجودة، يعوق آلية العمل، فهناك مؤسسات تابعة للحكومتين (“المؤقتة” و”الإنقاذ”)، وأخرى تابعة للمجالس المحلية، وكل جهة تعمل وفق آلية مستقلة في العمل الإغاثي لا تسمح لأي طرف بالتدخل بها بحكم النفوذ والسيطرة، فلا نستطيع تقديم المساعدة مباشرة للأهالي المهجرين.
يسعى القائمون على التجمع لإعادة تنظيم وهيكلة الإدارة العامة، وتوثيق جميع المهجرين في قوائم واضحة، وإطلاق مؤتمر خاص بالمهجرين، لانتخاب هيئة عمل وإدارة جديدة، لتأخذ دورًا واضحًا، وتفعيل دور الشباب، والاهتمام بتمكين المرأة لتأخذ دورًا أوسع، وفق ثائر أبو شرخ.
رابطة المهجرين الفلسطينيين
عمل عدد من الناشطين على تأسيس رابطة المهجرين الفلسطينيين في الشمال السوري، عام 2019، قبل الحصول على ترخيص في 20 من كانون الأول 2020، لتكون إطارًا مدنيًا مستقلًا ينشط في مخيمات وتجمعات المهجرين الفلسطينيين- السوريين النازحين إلى مناطق الشمال السوري.
وبحسب مدير الرابطة، ثائر أبو شرخ، فهي تضم كل من يرغب من الناشطين المتطوعين والفاعلين المحليين، في مساعدة وخدمة المهجرين الفلسطينيين- السوريين بمختلف الجوانب المتعلقة بأوضاعهم المجتمعية والمدنية والإنسانية، والدفاع عن حقوقهم الفردية والجماعية، وحماية هويتهم الوطنية الفلسطينية، وتحشيد وتوحيد أصواتهم ومطالبهم، ضمن المجتمع السوري الذي يشكلون جزءًا أصيلًا وفاعلًا من نسيجه الوطني والمجتمعي.
وأضاف أن الرابطة نجحت في إيجاد منصة لمساعدة المهجرين الفلسطينيين بالشمال السوري على تخطي العقبات التي تؤثر في حقوقهم ومصالحهم، وأهمها تسوية أوضاعهم القانونية والمدنية بما يحفظ هويتهم الفلسطينية، من خلال التعاون مع جميع الهيئات والمنظمات المحلية المعنية بشؤون المهجرين.
عيّن القائمون على الرابطة مختارًا خاصًا بالعوائل الفلسطينية في اعزاز لمتابعة حالات الولادة واستخراج الوثائق والثبوتيات، بالتعاون مع السجل المدني والمجلس المحلي في اعزاز، وأُطلقت المديرية العامة لشؤون الفلسطينيين في “الحكومة السورية المؤقتة”، أواخر 2022، لمتابعة شؤون النازحين المدنية والقانونية في الشمال.
عملت الرابطة، بحسب ثائر أبو شرخ، على مشاريع مرتبطة بحقوق الملكية والسكن والذاكرة الشفوية من خلال توثيق التهجير القسري الذي تعرضت له العوائل الفلسطينية من مناطق سوريا، ومحاضرات تعريفية بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الشمال.
يبلغ عدد العائلات الفلسطينية المهجرة من مخيم “اليرموك” وخان الشيح وحندرات وجنوبي دمشق إلى الشمال السوري نحو 1600 عائلة، بحسب مدير رابطة المهجرين الفلسطينيين، ويتوزعون على مناطق اعزاز والباب وعفرين وإدلب، ويقطنون في تجمعات سكنية خاصة بالمهجرين الفلسطينيين، وجزء منهم يسكن داخل المدن.
يسعى القائمون على الرابطة للتعاون مع جميع الجهات الفاعلة في الشمال لمساعدة المهجرين، لإبراز قضيتهم ودورهم، بما يحافظ على الهوية الفلسطينية ضمن النسيج والمجتمع السوري الذي باتوا يشكّلون جزءًا منه.