الصهاريج شراكة والأسعار نار.. أزمة مياه تخنق اللاذقية
يعاني أهالي محافظة اللاذقية وأريافها من أزمة مياه خانقة تزداد حدتها في مدينة جبلة والقرى التابعة لها، دون أن تنجح الجهات المعنية بحل المشكلة القائمة منذ سنوات عديدة.
وبات الصهريج حلًا بديلًا إجباريًا مكلفًا، وسط عدم تنسيق بين مؤسسات الكهرباء والماء، وتهالك خطوط المياه بشكل متفاوت بين المناطق.
“طلعت ريحتنا”
يشتري توفيق (54 عامًا) صهريج المياه الذي يتسع لخمسة براميل (ألف ليتر) بـ40 ألف ليرة سورية، ولا تكفي الكمية عائلته التي تعيش بحي الجبيبات الشرقية في جبلة، سوى ثلاثة أيام بالحد الأعلى.
وقال توفيق “طلعت ريحتنا، لا فينا نتحمم بالشتوية لأن مافي كهربا لتسخن المي، ولا بالصيفية لأن ما في مي، حمضنا ونحن قاعدين ببيوتنا”.
وأضاف أن عائلته فرضت تقنينًا قاسيًا على استخدام المياه، وادخارها للشرب والطبخ ومحاولة عدم الاستحمام سوى لمرة أو اثنتين أسبوعيًا، رغم الحاجة لحمام يومي نتيجة الرطوبة وموجة الحر حاليًا.
لكن حظ عبد المعطي (62 عامًا) أسوأ بكثير، فالرجل الذي يعيش في حي العمارة لا يمتلك المال الكافي لشراء صهريج مياه كامل، ما يدفعه لشراء صهريج بشكل مشترك مع جيرانه الذين يعانون حالة الفقر ذاتها.
وقال عبد المعطي إن تكلفة ملء خزان بسعة خمسة براميل تقدر بـ35 أو 40 ألف ليرة (الدولار يقابل 11500 ليرة سورية)، و”كل عائلة تحصل على برميل بسعر بين سبعة وثمانية آلاف ليرة، فقط لنشرب ليس إلا”.
“فساد” وشبكات متهالكة
على وقع أزمة المياه المستمرة ونتيجة عدم قدرة غالبية أهل المدينة على شراء مياه الصهاريج، هدد عدد من الأهالي ببدء اعتصام لهم في ساحة “المول” قبل نحو أسبوعين، سرعان ما تم امتصاص غضبهم، عبر إرسال وزيري الكهرباء والمياه لعقد الاجتماعات، وإطلاق وعود بتحسين الكهرباء.
وشهدت الكهرباء تحسنًا، وبات تقنينها أربع ساعات ونصف قطع مقابل نصف ساعة وصل، لتأتي ساعة ونصف إلى ساعتين خلال 24 ساعة، بعد أن كانت تأتي لمدة لا تتجاوز ربع ساعة، لكن لم تنعكس بشكل جيد على واقع المياه.
ويتحدث الإعلام الحكومي عن أن سبب مشكلة المياه هو عدم تنسيق مؤسسات المياه والكهرباء، وهو ما نفاه مصدر خاص في مؤسسة مياه اللاذقية لعنب بلدي، مؤكدًا أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير.
وقال إن شبكات المياه متهالكة تمامًا ويستحيل إصلاحها، محملًا “فساد المديرين” المسؤولية الكاملة عن عدم إصلاح وتأهيل تلك الشبكات في أيام “الوفرة”، بينما اليوم لا تمتلك الحكومة أي موارد مالية لاستبدال تلك الشبكات، حسب قوله.
حديث المصدر لا ينفي عدم التنسيق بين المياه والكهرباء فهي مشكلة قائمة بالفعل، وذكرت يارا (36 عامًا) وتعيش في مدينة جبلة، أن الكهرباء تأتي عند الخامسة صباحًا، لتقطع المياه عند الخامسة والربع.
وينتظر الأهالي الذين يسكنون في الطوابق العليا الكهرباء، لإيصال المياه إلى خزاناتهم، إذ إنها لا تصل دون استخدام المحركات الخاصة، نتيجة قلة تدفق المياه الحكومية وتراجع غزارة ضخها.
قالت يارا، إنها وعائلتها قرروا شراء خزان ووضعه في قبو البناء ليستفيدوا من المياه لحظة قدومها، ثم ينقلونها إلى خزانهم فوق السطح حين تأتي الكهرباء، لكن كلفة هذه العملية فاقت 700 ألف ليرة، وهو مبلغ من المستحيل أن يحصلوا عليه، لذا قرروا الاستمرار بشراء البراميل بالتشارك مع جيرانهم بمعدل لسبعة آلاف ليرة للبرميل الواحد.
في الريف المشكلة أكبر
تتفاقم المشكلة أكثر في الأرياف، كما في بلدة رأس العين التي لا تبعد عن جبلة أكثر من سبعة كيلومترات، ولا تأتيها المياه أكثر من ربع ساعة كل أسبوع.
رندة (اسم مستعار) مهندسة زراعية تقيم في القرية، قالت إنها وجيرانها قدموا شكاوى العام الماضي، وكانت النتيجة حضور بعض الأشخاص من مؤسسة المياه وكتابة الضبوط والمخالفات، بذريعة التعدي على مياه الشبكة، لذلك توقف الأهالي عن تقديم الشكاوى.
ويتراوح ثمن الصهريج الواحد بين 50 و100 ألف ليرة بحجة ارتفاع سعر المحروقات.
في اللاذقية المشكلة مستمرة
في مدينة اللاذقية، تبرز المعاناة بشكل أكبر في الضواحي، كما في حي بسنادا، إذ يشتري الأهالي الصهريج سعة خمسة براميل بـ50 ألف ليرة، والصهريج سعة عشرة براميل بين 70 إلى 80 ألف ليرة، والمبلغ قابل للزيادة بحسب أزمة المحروقات.
وقال صاحب صهريج مياه، تحفظ على ذكر اسمه، إن موسم الصيف يعتبر فرصة له، لجمع المال وادخاره لإطعام أطفاله، ولا يرى أن المبالغ التي يطلبها كبيرة، إذ أنه لا يحصل سوى على ثلث المبلغ، والثلث الثاني للمحروقات والثالث للمياه.
المشكلة الأخرى التي تواجه الأهالي في اللاذقية، هي انتشار سرقة “محرك ضخ المياه المنزلي”، فوضعه في مدخل البناء يجعله عرضة للسرقة، كما حدث مع شادي (45 عامًا)، والذي يعيش في حي الزراعة، إذ سرق محرك ضخ المياه الخاص به وبكل جيرانه في البناء، وحتى اليوم لم يستطع شراء بديل بعد وصول سعره لأكثر من 300 ألف ليرة، دون أن يستبعد أن يسرق مجددًا.
الكهرباء سببًا
قال مصدر خاص في شركة كهرباء اللاذقية لعنب بلدي، إن تراجع حصة المحافظة من الكهرباء ينعكس سلبًا على المياه، مضيفًا أن قوة الكهرباء لم تعد كالسابق نتيجة الأحمال وقلة الكميات المخصصة، وهو ما يمنع الضخ بكثافة كبيرة.
ويرى المصدر أنه وبمجرد تحسن الكهرباء بعد إقلاع محطة “الرستين” لتوليد (الكهرباء) التي لم يحدد موعد إقلاعها، فإن أزمة المياه ستحل بالكامل، ولا سبيل إلا للانتظار، على حد تعبيره.
وتكثر الينابيع في المحافظة، وأغزرها نبع “السن” الذي يؤمن 85% من احتياجات المياه في اللاذقية، إضافة لتأمن مياه جزء من محافظة طرطوس عبر مدينة بانياس وريفها.
وتساهم ينابيع البهلولية والجنديرية وجورين والصفصاف، بنحو الـ15% المتبقية، في حين تعتمد بعض القرى مثل الدالية وجوفين بريف جبلة، على ينابيع محلية.
اقرأ أيضًا: اللاذقية.. آلاف التعديات وحيتان فوق القانون
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :