موظفو تخمين التبغ باللاذقية.. الرشوة “عينك كنت عينك”

  • 2023/08/06
  • 1:33 م

محصول التبغ في قرية الدالية بريف جبلة في اللاذقية شمال غربي سوريا- تموز 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

اللاذقية – ليندا علي

اضطر علي (48 عامًا) من ريف جبلة إلى سقاية محصول التبغ خاصته لينتج موسمًا جديدًا يدعى “الزغفة”، كي يقدمه إلى مؤسسة التبغ عوضًا عن محصول التبغ الأساسي، الذي قرر أن يبيعه لأشخاص يدفعون أكثر من سعر المؤسسة بعدة أضعاف.

المُخمن وهو الشخص الذي ترسله مؤسسة التبغ (الريجة) إلى فلاحي التبغ، لتخمين كمية إنتاج مواسمهم ووضع رقم محدد بالكيلو، خمّن محصول علي بمئة كيلوغرام، وخفضها إلى 70 كيلوغرامًا، بعد أن قدم له رشوة بقيمة 30 ألف ليرة سورية.

يضطر مزارعو التبغ في اللاذقية وريفها إلى زراعة أصناف “رديئة” وأقل جودة لتسليمها لمؤسسة التبغ، وبيع إنتاجهم الأساسي إلى من يدفع أكثر، ويدفعون رشى إلى بعض موظفي المؤسسة للتقليل من تقديراتهم لكمية إنتاج الأرض.

نهاية آذار الماضي، حددت حكومة النظام أسعار شراء التبغ من المزارعين بـ7500 ليرة لكيلو “التنباك”، و7300 ليرة لـ”البرلي”، و”الفرجينيا” بـ8300، و”البصما” بـ10500، و”البرليب” و”شك البنت” و”الكاتريني” بـ9500 ليرة، في حين يدفع أشخاص وتجار أسعارًا تتجاوز الـ70 ألف ليرة سورية للكيلو، (كل دولار أمريكي يعادل 11800 ليرة سورية).

“الزغفة” للحكومة.. أسعار “غير عادلة”

فشلت كل محاولات علي بإقناع المُخمن بتخفيض كمية تخمينه للإنتاج، حتى طلب الأخير مبلغ ألف ليرة سورية عن كل كيلو يقوم بتخفيضه، ولم يكن يملك المزارع سوى 30 ألف ليرة فمنحها له مقابل التخفيض.

وقرر علي سقاية الموسم والعناية بـ”الزغفة” التي تنتج موسمًا أقل جودة ليبيعها إلى “الريجة”، ويترك محصوله الأساسي ليبيعه لأشخاص آخرين يشترون الكيلو الواحد منه بأكثر من 70 ألف ليرة، تبعًا لكيفية بيعه سواء ورق (فرط) أم تبغ جاهز للشرب أو كما هو “يابس وبالخيطان”، حسب وصف المزارع.

أسعار شراء محصول التبغ من قبل حكومة النظام زادت على عام 2022 بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة سورية، وهي زيادة غير كافية حتى لمستلزمات إنتاج المحصول، وفق علي.

وصف المزارع الأسعار بأنها غير عادلة وسرقة “عينك كنت عينك” (تعبير شعبي يعني أخذ الشيء دون حرج)، مضيفًا أن الأسعار المحددة تُحسب للنوع الأول، وكي تُحسب كذلك، عليهم كفلاحين دفع رشوة لشخص يدعى الخبير، وهو من يحدد النوع في مؤسسة التبغ (الريجة)، وتتراوح الرشوة بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة لكل طرد من التبغ (الطرد نحو 20 كيلوغرامًا).

“مع كل هالرشاوي، يا دوب يتبقى لنا شي بسيط من الموسم، لذلك نلجأ لبيع التبغ لأشخاص آخرين يشترونه من منزلنا، بأسعار مضاعفة، دون الحاجة لإحضار وسيلة نقل، لنقل المحصول إلى (الريجة)”، أضاف علي.

محصول التبغ في قرية الدالية بريف جبلة في اللاذقية شمال غربي سوريا- تموز 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

الرشوة “حق”

يدافع “إسماعيل” (اسم مستعار)، وهو أحد الموظفين في لجان التخمين، عن الرشوة، قائلًا، إنها “حق لهم” (للمخمنين)، مضيفًا، “بالتأكيد الدولة تعرف أننا لن نستطيع إطعام أولادنا من الرواتب التي لا تتجاوز التسعة دولارات”.

وأكد “إسماعيل” أن الرشى أمر يتم الاتفاق عليه بينهم كلجان وبين المديرين المسؤولين عنهم، إذ إن لكل شخص فيهم حصته منها، موضحًا أن “قيمة الرشوة تمامًا مثل السعر، يتم تحديدها من قبل المديرين بعد أن تحدد الحكومة سعر شراء التبغ”.

يؤيد كلام “إسماعيل” أحد الخبراء في “الريجة” (طلب عدم ذكر اسمه)، قائلًا، “على سبيل المثال، يُحضر الفلاح موسمه غير الجيد، نصنفه كنوع أول ليباع بسعر 7500 ليرة، بينما سعره كنوع ثالث أو رابع لا يتجاوز ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف ليرة، وبالتالي إن أخذنا ألف ليرة أو ألفين على الكيلو، يبقى هو الرابح”.

ويُتهم المخمنون وخبراء تحديد نوع التبغ بـ”الفساد”، وتداولت صفحات محلية تسجيلات مصورة عام 2022 في مدينة طرطوس، مرفقة بمنشورات بأن خبير التبغ لا يعطي المزارعين حقهم، وأن الإنتاج الجيد من النوع الأول يصنفه نوعًا ثالثًا.

مستلزمات وتكاليف عالية

خولة (52 عامًا)، وهي أرملة تعيش في ريف اللاذقية، اعتادت زراعة أرضها بمحصول التبغ، لتغطي احتياجات عائلتها، إلا أن تكاليف الإنتاج جعلت موسمها أقل إنتاجية عما كان عليه في السابق، إذ لم تستطع شراء السماد اللازم بعد وصول سعر الكيس الواحد (50 كيلوغرامًا) إلى أكثر من 400 ألف ليرة، بينما تحتاج أرضها إلى ثلاثة أكياس منه، اختصرتها إلى كيس واحد كونها لم تمتلك المال الكافي حينها.

وتحتاج الأرض إلى حراثة مرتين، وتبلغ تكلفة حراثة الدونم الواحد 75 ألف ليرة، وفق خولة، وقالت إن أجور العمال تشكّل عبئًا إضافيًا، فالأجرة اليومية للعامل لا تقل عن 30 ألف ليرة.

لا تريد خولة أن تبيع محصولها بـ”بلاش”، ولن تسمح لمؤسسة التبغ بسرقة جهدها، حسب قولها، خصوصًا أن موسم التبغ يعتبر من أكثر المواسم التي تتطلب عملًا مستمرًا.

يبدأ عمل مزارع التبغ من لحظة غرس الشتلات بين شباط وآذار، ثم تليها مرحلة الحفر حولها، وبعد ذلك تشذيب الرأس، ومن ثم قطاف الأوراق السفلية، ثم قطاف الشتلات كاملة، وصولًا إلى شكها في خيطان مخصصة، وتجفيفها تحت الشمس، ثم إعادتها إلى المنزل لتتم عملية تفتيح الأوراق وفرز الموسم، ووضعه في طرود زنة الواحد نحو 20 كيلوغرامًا.

وفي نيسان الماضي، قال مدير الزراعة والبحث العلمي في المؤسسة العامة للتبغ، المهندس أيمن قره فلاح، لجريدة “الوطن” المحلية، إن كمية الإنتاج التقديرية لهذا الموسم تبلغ حوالي 4.5 مليون كيلوغرام من التبغ بمختلف الأنواع.

ولم يخفِ قره فلاح الصعوبات التي تواجه المزارعين، الذين لا يحصلون على المازوت الكافي لتأمين حراثة الأرض وسقايتها، ووصف الكميات الممنوحة للفلاحين بالخجولة جدًا، مضيفًا أن مزارعي التبغ لا يحصلون على الأسمدة من المصرف الزراعي.

وذكر قره فلاح أن مؤسسة التبغ تنقل المحصول من مناطق الإنتاج على نفقتها إلى مستودعات التخزين، في حين نفى المزارعون ذلك.

أحدث الإحصائيات عن محصول التبغ في مناطق سيطرة النظام كانت لعام 2022، وبلغت المساحة المزروعة 6594 هكتارًا، وبلغت كمية الإنتاج 9597 طنًا وفق رئاسة مجلس الوزراء، في حين كانت أحدث إحصائية عن التبغ في اللاذقية عام 2021، وبلغت المساحة المزروعة 21.5 ألف دونم، ووصل الإنتاج حينها إلى 3387 طنًا.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع