عنب بلدي – خالد الجرعتلي
تصدر بين وقت وآخر تصريحات لمسؤولي الصف الأول في “الإدارة الذاتية”، أو “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يخالفها قسم من التيار نفسه تارة، ويتفقون عليها تارة أخرى.
الاختلاف والتناقض، والاتفاق في بعض الأحيان، يفسره باحثون بأنه دليل واضح على تشكل تيارين داخل “قسد”، يفصل بينهما الحليف الأمريكي معبرًا عن دعمه لتوجه معيّن.
أبرز هذه التصريحات كانت نفي القائد العام لـ”قسد” علاقة فصيله بحزب “العمال الكردستاني”، في حديث إلى موقع “المونيتور” الأمريكي، في كانون الثاني الماضي، لتخرج بعدها الرئيسة المشتركة لـ”مسد” (المظلة السياسية لـ”قسد”)، إلهام أحمد، في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط”، مؤكدة أن هناك علاقة تجمع “مسد” بالأحزاب الكردية، ومن بينها “العمال الكردستاني”، بما يناسب “مصلحة الشعب الكردي”.
مسألة “العمال الكردستاني”
لا تزال مسألة “العمال الكردستاني” من المشكلات التي تواجه “قسد” في كل شأن يخص علاقاتها الخارجية والمحلية.
تعتبر هذه العلاقة مسوغًا للتدخل العسكري التركي في سوريا، كما أنها تشكّل عائقًا أمام توطيد العلاقة بين التيارات الكردية السورية نفسها، التي يختلف بعضها مع توجهات “العمال الكردستاني”.
وبينما تخفف “قسد” من وتيرة حديثها عن علاقتها بـ”PKK” بين الحين والآخر، تنظم “الإدارة الذاتية” (الجناح الخدمي والإداري) مسيرات في شوارع مدن ذات أغلبية عربية مثل منبج والرقة، يرفع فيها المشاركون صور مؤسس “العمال الكردستاني” المسجون في تركيا، عبد الله أوجلان.
الكاتب والباحث في الشأن الكردي هوشنك أوسي، قال لعنب بلدي، إن مظلوم عبدي اعترف سابقًا خلال حوار نظمته “مجموعة الأزمات الدولية” (منظمة غير حكومية) في بلجيكا، بوجود شخصيات غير سورية مدربة من قبل حزب “العمال الكردستاني” في شمال شرقي سوريا، و”أعرب عن رغبته بخفض التصعيد مع تركيا بوساطة أمريكية”.
وأضاف أن المقصود بالعناصر الأجانب داخل “قسد” هم العناصر الأتراك أو الإيرانيون من “العمال الكردستاني”، أو بشكل أوضح الكرد غير السوريين.
واعتبر أن هؤلاء العناصر جيء بهم إلى المنطقة مع بداية تأسيس “قسد”، وهو ما ذكره عبدي خلال المقابلة نفسها، في حين أشار الباحث إلى أن العناصر الأجانب سيطروا على العصب الأمني والاقتصادي بعد قدومهم إلى شمال شرقي سوريا.
ومع أن الحديث تكرر عن سحب عناصر “العمال الكردستاني” من “قسد” في ظل القصف التركي المستمر على المنطقة، يرى أوسي أن مظلوم عبدي غير قادر على إحداث تغيير في هذا الصدد حتى ولو أراد ذلك.
وأضاف أوسي أن عبدي يشكّل حاليًا مجرد واجهة لـ”قسد”، أي أنه غير قادر على التأثير بانتشار حزب “العمال الكردستاني” داخل التشكيل العسكري، وفي الوقت نفسه، لا قدرة للحزب على إزاحة عبدي عن رأس “قسد” لأنه محمي أمريكيًا، وله شبكة علاقات وصلت ربما إلى دول الخليج.
أمريكا توازن الخلاف
هوشنك أوسي قال، إن حالة التنافس الموجودة بين التيارين في “قسد” يضبطها الدعم الأمريكي لتيار مظلوم عبدي، الذي لا يشكّل نفوذه أي ثقل في المنطقة، ويعتبر “العمال الكردستاني” أكثر نفوذًا منه داخل “قسد”، وهو ما يعكس تضارب الأوامر، أو تضارب التصريحات، أو حتى تضارب السلوك، بحسب أوسي.
أوسي يرى أن “قسد” تحت سيطرة “العمال الكردستاني” بالكامل، بينما لدى مظلوم عبدي نفوذه على جيب صغير داخل الفصيل، وربما لا تتجاوز هذه المجموعة عناصر الحماية الشخصية التابعين له.
وتابع أن الدعم الأمريكي لمظلوم عبدي جنّبه استهداف كوادر “العمال الكردستاني” له، وحتى الاستهداف التركي الذي قد يكون في مصلحة “العمال” إن حدث.
أُسس حزب “العمال الكردستاني” (PKK) في تركيا خلال سبعينيات القرن الماضي، كجماعة يسارية مسلحة، وصبغت نفسها كحركة انفصالية بمزيج فكري بين القومية الكردية والثورية الاشتراكية.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، دخلت بمواجهات عسكرية مع الجيش التركي، بغية نيل حقوق سياسية وثقافية، وتحقيق مصير كرد تركيا. وفي التسعينيات، اعتقلت السلطات التركية مؤسس الحزب، عبد الله أوجلان، الذي كان مقيمًا في سوريا، ويُعتقد أن النظام السوري سلّمه في صفقة سياسية، وأودعته تركيا أحد سجونها الذي لا يزال يمكث فيه حتى اليوم. ويرتبط “العمال الكردستاني” بمجموعة أحزاب كردية تشبهه من حيث المبادئ والعقيدة القومية، مثل حزب “الاتحاد الديمقراطي” في سوريا، وحزب “الحياة الحرة” في إيران. |
الباحث في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، يرى من جانبه أن أمريكا ركّزت اهتمامها على الاستقرار في المنطقة، ولا يهمها ما دون ذلك.
وأضاف أنه لا يمكن الحديث عن وجود رغبة أمريكية في إحداث صراع مسلح قد يخلّف حالة من عدم الاستقرار بالمنطقة.
وفيما يتعلق بالحديث عن احتمالية التصعيد في المنطقة، يرى شيخ علي أن تيار مظلوم مثلًا أو تيار قنديل، لا يملكان رغبة بالصدام فيما بينهما.
وأضاف أنه لا يمكن للجانبين فعليًا رفع مستوى التوتر إلى نقطة اللاعودة، وتعريض جميع مكتسباتهما على مدار السنوات الماضية للتهديد مجددًا.
سيطرة قنديل أقوى من رغبات عبدي
الباحث شيخ علي اعتبر أن المواجهات الأخيرة التي حصلت في دير الزور، مثال على حالة الشقاق الحاصلة في “قسد”، إذ امتنع بعض القادة الميدانيين لدى “قسد” عن تنفيذ أوامر مظلوم عبدي، وهو ما ظهر بتسجيل صوتي لقائد “مجلس دير الزور العسكري”، أحمد الخبيل، خلال مواجهات قواته مع مجموعات من “قسد” التي ينتمي لها “المجلس”.
شيخ علي قال لعنب بلدي، إن ملامح تشكّل تيارين في “قسد” لا يمكن اعتبارها شقاقًا بالمعنى الحرفي، وهي أقرب إلى “خلاف في وجهات النظر”، لكن في حال تطورت فلا فرصة لتيار مظلوم عبدي لإحداث تغيير.
ويرى الباحث أن ما يمكن تسميته انقسامًا في القيادة أو اختلافًا بوجهات النظر، أو اختلاف الرؤى حول إدارة المنطقة، عاد للظهور حديثًا بعد أحداث دير الزور والأحداث الأمنية التي تبعتها.
وبحسب التسجيلات الصوتية التي خرجت من الغرف المغلقة لـ”مجلس دير الزور العسكري” على لسان أحمد الخبيل، ذكر الأخير أنه توصل لاتفاق مع “قسد”، في وقت كانت لا تزال فيه الاشتباكات قائمة.
وأضاف أن سيطرة قنديل أقوى من رغبات مظلوم عبدي وإلهام أحمد وآخرين، إذ يشكّل قياديو قنديل القوة الضاربة في “قسد”، ويتحكمون بمفاصل “الإدارة الذاتية” التي تأخذ أوامرها من قنديل، وقد تلتزم “قسد” أحيانًا بقرارات عبدي باعتباره عضوًا في “العمال الكردستاني” وليس لأنه قائد “قسد” العام.
خلاف توجهات
تباينت وجهات النظر خلال الحديث عن أسباب الخلاف بين تيارات “قسد” شمال شرقي سوريا، إذ يرى الكاتب والباحث في الشأن الكردي هوشنك أوسي أن الخلاف متعلق بمكتسبات اقتصادية، وأخرى متعلقة بالهيمنة على المنطقة أمنيًا، بينما يعتقد أسامة شيخ علي أنه مرتبط باختلاف وجهات النظر حول إدارة المنطقة.
ويرى شيخ علي أن التيار المدعوم أمريكيًا المتمثل بمظلوم عبدي، يميل إلى الحفاظ على مكتسبات الكرد السوريين شرق الفرات، وإدارة المنطقة على الصعيد الداخلي.
وعن التيار الثاني، قال الباحث، إن الشق المتمثل بـ”العمال الكردستاني” يحاول استغلال مكتسبات “قسد” شمال شرقي سوريا، في حربه ضد تركيا.
وبينما يدعم الأمريكيون الشق الأول، يصنف الثاني على قوائم الإرهاب لديه منذ عشرات السنوات.
وخلال حديثه إلى موقع “المونيتور” الأمريكي، قال مظلوم عبدي، إن “قسد” لا تشكّل أي تهديد لتركيا أو حدودها أو أمنها القومي، مشيرًا إلى أن قواته مكوّنة من كرد سوريين، ويريدون “علاقة سلمية مع تركيا”.
ولم يسبق لـ”قسد” أن هاجمت تركيا من داخل الأراضي السورية، بحسب عبدي، ولم تتصرف أبدًا في “الدفاع الشرعي عن النفس” إلا عندما استهدفت تركيا مناطق نفوذها، ودائمًا ما تتركز ردود “قسد” داخل حدود سوريا فقط.
عبدي أضاف أيضًا، “ليست لدينا نيات عدائية تجاه تركيا، سواء الآن أو في المستقبل”.
تصريحات عبدي سبقها، وتبعها أيضًا، قصف صاروخي مصدره نقاط عسكرية تسيطر عليها “قسد” شمالي سوريا، استهدف الأراضي التركية خلال فترات زمنية متفرقة.
وفي حزيران الماضي، قالت وسائل إعلام تركية، إن قصفًا صاروخيًا مصدره حزب “العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب” (PYD) في سوريا استهدف محيط ولاية كلّس جنوبي تركيا، في إشارة منها إلى “قسد”.
وبحسب ما نشره موقع “sondakika“، فإن خمسة صواريخ قادمة من الشمال السوري سقطت على الجانب التركي من معبر “باب السلامة” خلّفت جرحى.