يخشون من الاحتفاظ بالليرة.. سوريون يبحثون عن الدولار في حمص
أمام إحدى المزارع في ريف حمص الشمالي، تتجمع السيارات، ويجلس الناس في مضافة كبيرة، كل منهم بجانبه صناديق كرتونية أو أكياس سوداء تحوي مبالغ مالية من الليرة السورية، يدخل أصحابها واحدًا تلو الآخر لمكتب “أبو جواد” لشراء دولارات أمريكية بقيمتها.
بعد تحويل صناديق الليرة إلى رزمة من الدولارات، يخرج الرجال مبتسمون من المضافة، التي تحولت إلى مكتب لتصريف العملة، يديرها تاجر في المنطقة يلقب نفسه بـ”أبو جواد”.
تفاصيل تحويل العملة التي تحدث داخل المضافة غير مهمة بالنسبة للمنتظرين، فمخاطر امتلاك عملة أجنبية في سوريا من الناحية القانونية تدفع بالناس لغض الطرف عن فرق سعر التصريف بين اليوم والآخر، وعدم السؤال عن مرجعية السعر المحدد.
ويشهد سعر صرف الليرة السورية تذبذبًا حادًا، ما دفع بالتجار والمزارعين للتعامل بالدولار الأمريكي بدل الليرة، رغم المسؤولية القانونية التي سيتحملونها عقب قرار أصدرته حكومة النظام في العام 2021 يجرّم التعامل بغير الليرة.
وأصبح الحصول على الدولار في سوريا عملية صعبة في ظل الانهيار المتسارع لسعر صرف الليرة أمام الدولار، إذ توقف أغلب الصرافين عن التصريف لحسابهم، وتحول عملهم إلى الوساطة بين الراغبين بتحويل العملة، وتجار يبيعون الدولار مقابل هامش ربح.
عملية تحويل الأموال إلى الدولار صارت يومية بالنسبة لتجار ريف حمص، بحسب ما رصدت عنب بلدي، إذ يميل المزارعون والتجار لشراء الدولار بشكل يومي، خشية الخسائر المتلاحقة التي تلحق بالليرة السورية.
وبلغ سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، لحظة تحرير هذا التقرير، 12 ألفًا و600 ليرة مقابل كل دولار للمبيع، و12 ألفًا و470 ليرة سورية للشراء، بحسب موقع “الليرة اليوم” المختص برصد حركة العملات.
أسعار متفاوتة
يتقلب سعر الصرف بشكل يومي صعودًا وهبوطًا، والمنصات المخصصة لتحديد الأسعار صارت تظهر أسعارًا مختلفة بين يوم وآخر، وأحيانًا كل ساعة، وبينما توقفت بعض مكاتب الصرافة عن العمل في حمص، عمد بعض الصرافين لتسعيرة خاصة، كل منهم على حدة.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي، بصفة عميل، من تاجر العملة “أبو جواد” وهو أحد أكبر الصرافين في حمص، فإن سعر الصرف غير المستقر دفع بتجار العملة إلى فرض تسعيرة خاصة تؤمن لهم هامش ربح جيد، رغم أنها غير متوافقة مع سعر السوق السوداء، أو السعر الحكومي.
ويمكن أن يصل فرق السعر بين صراف وآخر، وأسعار منصات التسعير إلى 400 ليرة سورية لكل دولار واحد، في حين يفضل التجار التعامل مع صراف محدد على التنقل بين عدة مكاتب، وهو ما يدفعهم إلى الاستمرار بتبديل العملة حتى مع عدم استقرار سعر الصرف.
وحول آلية صرف العملة، قال “أبو جواد” إن سعر الصرف يثبته مع زبائنه عبر تطبيق “واتساب”، بالنظر إلى سعر الصرف لحظة المحادثة المكتوبة، ثم يتم تبديل العملة في وقت لاحق بناءً على السعر المتفق عليه في المحادثة نفسها.
وأضاف التاجر أن العمل في الصرافة اليوم يقتصر في غالبيته على الوسطاء، أو السماسرة كما يطلق عليهم محليًا، إذ يقوم الصرافون بتأمين الزبائن، ثم يربطونهم مع تجار العملة، مقابل أرباح يتقاضونها بعد إتمام الصفقات.
وأشار “أبو جواد” إلى أن العمل في هذا القطاع له مخاطره القانونية، لكنه مسؤول عن تأمين العملة الأجنبية لمجموعة كبيرة من الزبائن، ولا يمكنه التوقف عن تقديم هذه الخدمة.
يعمل مروان مزارعًا ريف حمص الشمالي، ويعمد إلى تبديل أمواله بشكل مستمر بالدولار، تجنبًا لخسارة فادحة قد تصيبه مع التغير المفاجئ لسعر الصرف، فأسعار المنتجات الزراعية مرتبط بشكل قوي بأسعار الصرف.
مروان قال لعنب بلدي إنه قبض مؤخرًا ثمن محصوله من القمح، واتجه مباشرة لشراء الدولار للحفاظ على ما جناه خلال الموسم الزراعي.
وأضاف أن أسعار الصرف كانت صادمة، موضحًا أن منصات أسعار الصرف عبر الإنترنت تظهر قيمة أعلى من تلك التي يعرضها السوق، لكنه في نهاية الأمر مضطر لتجنب الاحتفاظ بالليرة السورية، ما يجعل تصريفها خيارًا لا مفر منه.
أسعار “قياسية”
سجلت قيمة الليرة السورية انخفاضًا قياسيًا جديدًا، رغم تعهد حكومة النظام بإجراءات لضبط سعر صرف الليرة.
وتجاوز سعر مبيع الدولار الأمريكي 13200 ليرة سورية، وسعر شرائه 13 ألف ليرة، بينما وصل مبيع اليورو إلى 14610 ليرة، وسعر شرائه إلى 14384 ليرة، منتصف الأسبوع الماضي.
وفي 11 من تموز الحالي، كسر الدولار الأمريكي للمرة الأولى في تاريخ الليرة السورية حاجز عشرة آلاف ليرة، لتبدأ مسيرة التدهور المتسارع.
ورغم الانخفاض الكبير في قيمة الليرة، لم يعدل مصرف سوريا المركزي، منذ 18 من تموز الحالي، أسعار العملات الأجنبية مقابل الليرة في نشرة “الحوالات والصرافة” الصادرة عنه، وأبقاها عند 9900 ليرة للدولار، بينما حدد سعر اليورو بـ10938 ليرة لليورو الواحد.
وينعكس انخفاض قيمة الليرة على المقيمين في مناطق سيطرة النظام بشكل مباشر، لما يرافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأساسية، ما يفاقم من ضعف القوة الشرائية لديهم، وهو ما تقابله الحكومة بوعود بضبط سعر الصرف لا تنعكس على الواقع.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في حمص عروة المنذر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :