صناعة القرار الصحفي

  • 2023/07/30
  • 12:55 م
الصحفي السوري علي عيد

الصحفي السوري علي عيد

علي عيد

يصل الصحفيون صباحًا إلى قاعة التحرير، كل منهم يفكر فيما ينتج، بعضهم جهّز أفكارًا مسبقة، وآخرون لديهم ما يستكملونه من أمس أو من أيام مضت، ويبدأ العمل على مدار ساعات، داخل القاعة وفي الميدان، وعندما ينتهي يوم العمل يبدأ الأثر الفعلي، إذ ينظر كل منهم خلفه ليرى ما أنتج، وما حجم تفاعل الجمهور ونوعه، وماذا عن النتائج والتبعات.

وقد لا نعني بقاعة التحرير المكان الفيزيائي دائمًا، لأن التكنولوجيا الحديثة وفرت إمكانية عقد اجتماعات افتراضية لفريق العمل حتى ولو كانوا يتوزعون في مدن أو دول أو حتى قارات مختلفة.

خلف كل ما سبق هناك قرار ثمة من يقف خلفه، وصناعة القرار الصحفي تقوم على أسس علمية، ولها أساليب ومدارس مختلفة، وغالبًا ما تتماشى مع الهيكلية والنمط الإداري المعتمد، ونوع الوسيلة الإعلامية وتبعيتها ومالكها ومفهوم إدارتها للعمل الصحفي.

ينقسم يوم العمل في وسائل الإعلام إلى ثلاث مراحل، الأولى التفكير وصناعة القرار، والثانية مرحلة التنفيذ، والثالثة تقييم الأداء وقراءة النتائج.

تعتبر صناعة القرار أهم تلك المراحل، إذ كل ما يأتي بعدها يكون منسجمًا معها، ويمكن قياس صحة القرار بما يحققه من نتائج.

قد لا تبدأ مرحلة صناعة القرار الصحفي من غرفة التحرير صباحًا، لكن اجتماع التحرير هو الذي يكشف عن طبيعة القرار ومتخذه.

هناك ثلاثة أنواع معروفة لاتخاذ القرار الصحفي هي:

– القرار باتجاه هابط، وغالبًا ما يكون رئيس التحرير ومدير التحرير هما المسؤولَين عن هذا القرار، ويعتبر هذا النوع سائدًا في الصحافة الرسمية، أو التي تمثل سياسات حكومة أو دولة، وغالبًا ما يقتل هذا النوع بيئة العمل الصحفي، ويتسبب بضمور المواهب والابتكار في المعالجات، فرئيس التحرير أو مدير التحرير يجري تعيينهما بقرار من المالك، وهما يمثلان مصالحه وسياساته، وهما ليسا معنيين بإنتاج مستقل وإعلام مساءلة ورقابة، بل يكاد يكون دور الإعلام في هذا النمط شبيهًا بدور مكتب علاقات عامة وترويج للجهة العليا المتحكمة.

– القرار التشاركي، ويقوم على مناقشة مفتوحة بين الصحفيين وإدارتهم التحريرية حول مختلف القضايا التي يجري تداولها، إذ ينفتح النقاش على آخره لاستطلاع آراء فريق العمل، وتبيان مبررات وأهمية طرح القضية، والزوايا التي تجب معالجتها، وحتى النمط أو النوع (تقرير، تحقيق، تحقيق معمق، استطلاع)، ويتسم هذا النوع من صناعة القرار بفسح المجال لتحفيز الصحفي ومشاركته في التفكير واتخاذ القرار قبل الإنتاج، وهو يشجع الابتكار من خلال أسلوب “العصف الذهني” وتبادل الآراء وحتى نقد الطروحات، وهذا النوع له أيضًا شروطه الصحية، منها الحفاظ على الانضباط والوقت في إدارة النقاش، ومنع الخروج عن الأهداف الرئيسة لاجتماع التحرير، وهو ما يضمنه وجود رئيس أو مدير التحرير ضمن اجتماع التحرير.

– القرار الكيفي، بحيث تترك إدارة الوسيلة الإعلامية للصحفي نفسه حرية اتخاذ القرار فيما سينتجه، والنوع الأخير محفوف بالمخاطر، ومشروط بالتخصص والتنسيق المسبق حول مهمة كل صحفي في جسم الوسيلة الإعلامية، وغالبًا ما يتسبب هذا النوع بتعدد أقطاب القوة داخل الوسيلة الإعلامية، ويغذي النزعة الفردية لدى الصحفي، كما يقلل من فرص تطوير الأفكار والمعالجات.

خلال السنوات الأخيرة، ومع تحديات التكنولوجيا الرقمية، ومنافسة وسائل التواصل الاجتماعي للمؤسسات الصحفية والإعلامية، نشأ مفهوم جديد لصناعة القرار، وهو قرار الجمهور.

مبررات إدخال الجمهور كشريك في صناعة القرار تقوم على مبدأ أن الصحافة ملك للجمهور أساسًا، وأن الاحتفاظ به يستوجب ابتكار أدوات تشعره بأنه جزء من العملية، بل وصار له قرار فيها، ولهذا الغرض، بدأت وسائل الإعلام بابتكار أساليب وأدوات تعزز من حضور الجمهور في المحتوى، وفسحت له المجال لنقده أو تصحيحه أو اقتراح محتوى يراه مهمًّا.

ترتبط صناعة القرار بهيكلية المؤسسة وحجمها وتخصصها، ففي المؤسسات الكبرى التي تضم عددًا كبيرًا من الصحفيين والكوادر الإدارية، تكون هناك مستويات متعددة لصناعة القرار الصحفي، فالصحفي بذاته هو أو صانع قرار في المؤسسة، عندما يحمل أفكاره إلى اجتماع التحرير المصغر داخل قسمه، يتدرج القرار إلى مجموعة الصحفيين داخل القسم الواحد، ثم ينتقل إلى مرحلة اجتماع التحرير العام والذي يضم ممثلًا عن كل قسم (سياسة، اقتصاد، فن، رياضة)، أما هيئة أو مجلس التحرير، مع اختلاف التسميات، فقد تضم رئيس ومديري التحرير والمستشارين والأقسام الفنية، بما فيها التصميم أو الترويج أو الإعلان، وغالبًا ما يُعنى هذا الفريق بمناقشة وصناعة السياسات العامة للوسيلة الإعلامية.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي