اللاجئون السوريون في الأردن ولبنان.. “كبش فداء”

  • 2023/07/30
  • 12:09 م

اللاجئون السوريون في لبنان والأردن ضحايا نقص المساعدات (تعديل عنب بلدي)

محمد فنصة | يامن مغربي

أصبح للأزمة الإنسانية في سوريا وجه سياسي امتد للدول المجاورة، حيث توافقت المصالح الإقليمية المنادية بعودة اللاجئين السوريين، بحجة أنهم باتوا “عبئًا” على هذه الدول، بينما تتجه المصالح الدولية نحو حشد الإمكانيات المادية في صد الغزو الروسي، وتوظيف ما تبقى في حل أزمة اللجوء.

أسهم طول الأزمة السورية، مع انعدام أفق الحل السياسي في سوريا، في تضاؤل الدعم الإنساني بشكل سنوي، بموازاة تزايد الحاجة للمساعدات وخصوصًا بعد كارثة الزلزال، ليبلغ تقليص الدعم مرحلة حرجة أدت إلى تراجع حجم المساعدات واحتمال انقطاعها عن ملايين النازحين واللاجئين السوريين، كما حصل في لبنان والأردن مؤخرًا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف أسباب تضاؤل المساعدات الإنسانية للسوريين، وأثره على النازحين واللاجئين، كما تحاول أن تفسر مع باحثين ومحللين كيف تعاملت الدول المضيفة والمانحين والنظام السوري مع هذه الأزمة، وخلفيات سياسات الأردن ولبنان وانخراطهما بمباحثات مع النظام في سوريا فيما يخص إعادة اللاجئين.

تأثر أكثر من أربعة ملايين سوري في ثلاثة بلدان

طالت موجة غير مسبوقة من تقليص المساعدات نحو أكثر من ثلاثة ملايين نازح ولاجئ سوري، في حين تشتد الحاجة إلى المساعدات، وتسجل المنظمات الدولية أرقامًا قياسية في مستويات الفقر العام الحالي، بالإضافة إلى إغلاق المعبر الأساسي لدخول المساعدات إلى الشمال السوري.

بدأ أول إعلانات تقليص المساعدات في سوريا حين أعلن برنامج الأغذية العالمي (WFP)، في 13 من حزيران الماضي، عن تخفيض مساعداته الغذائية لحوالي 2.5 مليون شخص بدءًا من تموز الحالي، بعد أن كان يقدمها لحوالي 5.5 مليون يعتمدون على المساعدات في سوريا، مرجعًا أسباب ذلك لأزمة في التمويل.

ويحتاج برنامج الأغذية العالمي في سوريا إلى 180 مليون دولار أمريكي كحد أدنى لتجنب هذه التخفيضات، والاستمرار بتقديم المساعدات الغذائية بمستواها الحالي حتى نهاية العام.

وتزامن بيان المنظمة الأممية مع عقد مؤتمر “بروكسل” لدعم سوريا، في 15 من حزيران الماضي، حيث تعهدت خلاله الدول والمؤسسات الدولية المانحة بتقديم 9.6 مليار يورو، على شكل منح وقروض للسوريين في الداخل والدول المجاورة.

وحتى نهاية تموز الحالي، ما زالت نسبة 77% من خطة الاستجابة الأممية للعام الحالي من الدول والمؤسسات المانحة غير ممولة، وفق البيانات الأممية، كما أن نسبة 27.4% فقط ممولة من خطة الاستجابة الأممية للزلزال في سوريا وتركيا.

أطفال سوريون يقفون في مخيم للاجئين في بلدة بر الياس في سهل البقاع بلبنان – 13 من تموز 2023 (AP)

في لبنان تأثر اللاجئون السوريون بالانخفاض الحاد بقيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار وهو ما أدى لانخفاض قيمة المساعدات، لتطالب الأمم المتحدة بصرف المساعدات النقدية بالدولار للاجئين، وهو ما رفضته حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بحسب ما أوردته الأمم المتحدة في بيان لها أيار الماضي.

وكان اللاجئون السوريون يحصلون على المساعدات الأممية في لبنان بالليرة اللبنانية، حتى طالبت الأمم المتحدة بـ”دولرة” المساعدات (تسليم الأموال بالدولار) للاجئين، بسبب صعوبة تأمين كميات كبيرة من السيولة النقدية اللبنانية في ماكينات البنوك، جراء الانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية.

وبررت الحكومة اللبنانية رفضها طلب المفوضية “دولرة” المساعدات، بأن هذه الخطوة من شأنها “مفاقمة الأزمة” بين السوريين واللبنانيين، لتحصل نحو 230 ألف عائلة سورية على مليونين ونصف المليون ليرة لبنانية للعائلة، ولكل فرد مليون و100 ألف ليرة لبنانية، حتى خمسة أشخاص، كمبلغ ثابت بالليرة اللبنانية بالرغم من ارتفاع الأسعار المستمر المتوازي مع انخفاض قيمة الليرة.

أما في الأردن، فتزداد المخاوف بعد إعلان برنامج الأغذية العالمي، في منتصف تموز الحالي، تقليص مساعداته الغذائية الشهرية لـ465 ألف لاجئ، واستثناء حوالي 50 ألف شخص آخرين من المساعدة الشهرية ابتداء من آب المقبل، بحجة النقص في التمويل البالغ 41 مليون دولار حتى نهاية 2023.

تواصلت عنب بلدي عبر البريد الإلكتروني مع مكتب برنامج الأغذية العالمي في الأردن، الذي أوضح أن أسر اللاجئين “الأكثر احتياجًا” للمساعدة الغذائية سيحصلون على 21 دولارًا للفرد شهريًا، بينما العائلات “المتوسطة الاحتياج” ستتسلم 14 دولارًا للفرد شهريًا.

وفي بيان لاحق، أعلن “WFP” تخفيض الدعم بمقدار الثلث لجميع اللاجئين السوريين في مخيمي “الزعتري” و”الأزرق” البالغ عددهم 119 ألف لاجئ، أيضًا اعتبارًا من آب المقبل، حيث سيحصل اللاجئون على تحويل نقدي قدره 21 دولارًا أمريكيًا للفرد شهريًا، بانخفاض عن المبلغ السابق البالغ 32 دولارًا.

ويعمل 30% من البالغين في المخيمين بوظائف معظمها مؤقتة أو موسمية، وتشكل المساعدات النقدية مصدر الدخل الوحيد لـ57% من سكان المخيمات.

أطفال سوريون على تلة فوق مخيم للاجئين في بلدة بر الياس في سهل البقاع اللبناني ، 13 يونيو AP) 2023)

سياسة نقص التمويل

وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، في كلمة ألقاها بالمؤتمر الإقليمي تحت عنوان “موجات الهجرة بين سواحل المتوسط الجنوبية والشمالية”، في 23 من تموز الحالي، قال إن نسبة الدعم المالي المقدم ضمن خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية تبلغ 7.5% من نسبة التمويل المطلوبة للنصف الأول من العام الحالي.

وتوقع الفراية، حسب المعلومات الواردة له من البرنامج الأممي، وقف المساعدات المالية عن اللاجئين المقيمين خارج المخيمات اعتبارًا من مطلع أيلول المقبل، إضافة إلى وقف المساعدات المالية عن اللاجئين المقيمين داخل المخيمات اعتبارًا من تشرين الأول المقبل.

تواصلت عنب بلدي مع مكتب برنامج الأغذية العالمي في الأردن، لتوضيح أسباب نقص التمويل المقدّر بـ41 مليون دولار.

وأفاد مكتب البرنامج أنه يعتمد بشكل كامل على التبرعات الطوعية في تمويل مشاريعه الإنسانية والإنمائية، وأن تخفيض قيمة المساعدات الغذائية التي يقدمها البرنامج غير مرتبط بالخدمات التي تقدمها المنظمات الإنسانية الأخرى، التي لديها برامجها ومعاييرها وتمويلها الخاص بها لتقديم المساعدة.

وفي حالات نقص التمويل مثل الوضع الراهن، يضطر برنامج الأغذية العالمي إلى توجيه الموارد المحدودة لمحاولة استمرار المساعدة للأسر الأكثر احتياجًا لأطول فترة زمنية ممكنة.

ويواصل البرنامج العمل مع الحكومة الأردنية والدول المانحة ووكالات الأمم المتحدة لجمع التمويل اللازم من خلال عديد من المبادرات المحلية والإقليمية والدولية، وفق ما قاله المكتب لعنب بلدي.

وأوضح تقرير سابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، في مقاربتها لتقييم مشكلات تمويل المانحين لملف التعليم السوري ببلاد اللجوء عام 2017، أن أهم أسباب نقص التمويل، هو نقص الشفافية من قبل الجهات المانحة والدول المضيفة، ونقص المعلومات حول المشاريع التي يمولها المانحون وتوقيتها، والاختلاف بين البيانات المقدمة من المانحين بما يخص حجم التمويل المقدم، والمعلَن عنها من قبل الدول المضيفة أو الأمم المتحدة.

ولا يعد نقص التمويل وليد اللحظة أو خاصًا بالعام الحالي فقط، ففي عام 2018 كانت نسبة العجز 37.2% من إجمالي 3.36 مليار دولار متعهد بها، وفي عام 2019، وصلت نسبة العجز إلى 36.3%، وفي 2020 ارتفعت نسبة العجز إلى 41.9%، وكذلك الأمر في عام 2021، حين بلغت نسبة العجز من إجمالي 4.22 مليار دولار 45.7%، وأخيرًا في العام الماضي، بلغت نسبة العجز 52.5% من إجمالي 4.44 مليار دولار تم التعهد بها من قبل المانحين.

ما آثار نقص الدعم؟

مطلع تموز الحالي، نشر مجلس محافظة درعا جنوبي سوريا تعميمًا عبر صفحته الرسمية في “فيس بوك“، يقضي بتأخير فترات تسليم السلة الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، لفترة قد تصل إلى ستة أشهر في بعض الوحدات الإدارية بالمحافظة.

وأثار هذا القرار مخاوف السكان في ظل اعتمادهم على مكونات السلة لتخفيف عبء مالي يجنبهم شراءها من السوق لفترة محدودة.

وتحتوي السلة على خمسة ليترات من الزيت النباتي، الذي يصل سعره حاليًا إلى 20 ألف ليرة سورية، و15 كيلوغرامًا من الطحين، وثلاثة كيلوغرامات من السكر، وأربعة كيلوغرامات من الحمص، وخمسة كيلوغرامات من الأرز.

محمد المفعلاني، من سكان ريف درعا الشرقي، قال لعنب بلدي، إن تباعد فترات التسليم يضاعف من معاناة السكان وخاصة في ظل حالة الفقر وزيادة البطالة، مضيفًا أن السكان في الوقت الحالي بحاجة إلى زيادة في المساعدات لأن هناك عائلات تنتظرها “بفارغ الصبر”، على حد تعبيره.

اللاجئ السوري عبد الحميد أصلان، المقيم في الأردن خارج المخيمات، هو أب لسبعة أولاد، قال لعنب بلدي، إنه تفاجأ بمدى التخفيض في المساعدة التي يتلقاها من 207 دنانير إلى 90 دينارًا أردنيًا، وهو ما أثر بشكل “قوي” على حالته المادية.

ويتخوف عبد الحميد من حدوث توقف نهائي للمساعدات، في ظل إصابته في سوريا خلال السنوات الماضية بشكل يمنعه من العمل، والوصول إلى وضع “مزرٍ”، دون وجود حل أو بديل يغطي هذه المساعدات.

وقابلت عنب بلدي عدة لاجئين سوريين مقيمين في مخيمات دول الجوار، لديهم مخاوف مشابهة من خطورة تخفيض المساعدات على وضعهم المعيشي في ظل قلة فرص العمل الموجودة، التي بمعظمها عبارة عن وظائف مياومة غير مستدامة.

بدورها، اللاجئة السورية فاطمة المفعلاني المقيمة في لبنان، ذكرت لعنب بلدي أن قطع المساعدات عن عائلتها سيدفعها للعودة إلى سوريا، وخاصة في ظل التشديد الأمني الذي يعيشه السوريون في لبنان، ما يحرم زوجها وأبناءها من حرية الحركة لإيجاد عمل يؤمّن مصروف العائلة.

تخفيض المساعدات يرتبط بتحركات سياسية إقليمية

أدت تعقيدات الملف السوري وارتباطه منذ سنوات بالمحيط الإقليمي والدول الفاعلة إلى ارتباط الملف الإنساني بالسياسي.

يبدو هذا الأمر واضحًا من خلال “الفيتو” الروسي المتكرر في مجلس الأمن لدى تجديد موعد دخول المساعدات الأممية عبر المعابر البرية السورية مع تركيا، وكذلك مع تركيز الأردن ولبنان وقرارات اجتماعات قمة الدول العربية في مدينة جدة السعودية على ملف عودة اللاجئين في أعقاب التقارب مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وعودته إلى جامعة الدول العربية.

ومنذ هذه العودة، عقد مسؤولون من الأردن ولبنان اجتماعات متكررة مع مسؤولين من النظام السوري، بمن فيهم الأسد نفسه، وكان عنوان هذه الاجتماعات مكافحة المخدرات وعودة اللاجئين.

وتزامنت هذه اللقاءات مع إعلان برنامج الأغذية العالمي تخفيض أو وقف مساعداته للاجئين السوريين في الأردن ولبنان، ويبدو أن كلا البلدين قد يستفيد من هذا الإعلان للضغط في ملف اللاجئين وعودتهم على الصعيدين السياسي والاقتصادي، سواء تجاه النظام أو تجاه اللاجئين السوريين، أو على الصعيد الدولي.

وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بتغريدة عبر “تويتر” مستبقًا صدور بيان منظمة “WFP”، في 13 من تموز الحالي، إن الأردن “لن يتحمل العبء وحده”، محملًا من يقطع الدعم مسؤولية معاناة اللاجئين، معتبرًا أن “توفير حياة كريمة للاجئين مسؤولية عالمية ويجب على الأمم المتحدة أن تعمل على تمكين العودة الطوعية”.

“إن حكومتي الأردن ولبنان ستستخدمان قرار تقليص المساعدات الدولية لزيادة الضغوط على اللاجئين السوريين لمغادرة بلادهم واستخدامهم (كبش فداء) لشرح الصعوبات الاقتصادية لديهما، وهو ما أعلن عنه لبنان عدة مرات، لذا يمكن توقع مزيد من التضييق على اللاجئين”.

جوزيف ضاهر – باحث في الاقتصاد السياسي

في 24 من تموز الحالي، قال وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، إن الأردن ملتزم بتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مشيرًا في الوقت نفسه إلى توجيهات ملك الأردن بتقديم التسهيلات للاجئين بما يتناسب والمساعدات المقدمة إلى الأردن.

ويوجد في الأردن، وفق أرقام وزارة الداخلية الأردنية، مليون و300 ألف لاجئ سوري.

الفراية ذكر كذلك أن موجات اللجوء “أثرت سلبًا” على الصعيد الاقتصادي في بلاده، مطالبًا بزيادة الدعم الدولي.

ويشمل هذا التضييق كذلك دول الاتحاد الأوروبي التي يبدو واضحًا أنها تحاول خفض عدد اللاجئين القادمين بشكل كبير، سواء من سوريا أو غيرها، وفق الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، الذي أشار في حديث لعنب بلدي إلى توقيع الاتحاد الأوروبي وتونس اتفاقًا في هذا الصدد بمنع تدفق اللاجئين مقابل الحصول على المال بغض النظر عن كيفية إيقاف هذا التدفق.

ومع انتهاء كل زيارة لمسؤول لبناني أو أردني، يتم التصريح عن تناول ملف اللاجئين السوريين ضمن المباحثات مع النظام السوري، والتحضير لعودتهم.

في حزيران الماضي، التقى وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في دمشق، وخرج بعدها بتصريحات حول استعداد النظام لاستقبال 180 ألف لاجئ سوري كمرحلة أولى، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.

الباحث السياسي السوري فراس فحام، يرى أن كلًا من الأردن ولبنان يتفاوضان مع النظام السوري بالفعل على عودة اللاجئين السوريين ضمن الوضع الحالي، لكن النظام السوري لن يتعاون على اعتبار أنه يريد الحصول على تمويل مالي مباشر بما يرتبط بعودة اللاجئين، خاصة أن الأزمات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في ملف أوكرانيا تدفع هذه الدول للتخوف من تحول ملف اللاجئين إلى عبء عليها وحدها في ظل تراجع المساعدات الدولية.

قافلة مساغدات أممية تدخل إلى الشمال السوري من معبر باب الهوى – 11شباط 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

دفع إقليمي للعودة يقابله رفض من النظام

يعد ملف عودة اللاجئين بالنسبة للدول الجارة لسوريا والتي تستضيف العدد الأكبر منهم، من أولويات كل حكومة فيها، وهو ما يظهر بشكل خطط أو إعلانات صادرة عن الحكومات، أو تصريحات المسؤولين الحكوميين ضد اللاجئين السوريين.

في 12 من تموز الحالي، صوّت البرلمان الأوروبي على قرار يدعو لاستمرار تقديم المساعدات للاجئين في لبنان، وهو ما أثار حفيظة المسؤولين اللبنانيين، على رأسهم رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، خلال تصريحات صحفية على هامش مؤتمر “روما” لمناقشة الهجرة عبر المتوسط، معتبرًا القرار “انتهاكًا لسيادة لبنان”.

فيما حمّل المنسق العام لـ”الحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين”، مارون خولي، بمؤتمر صحفي في 13 من تموز الحالي، مسؤولية الأزمة الاقتصادية في لبنان للاجئين و”التضحيات التي قدمها لبنان”، معتبرًا أن قرار البرلمان الأوروبي غير عادل، و”تدخل سافر في الشؤون الداخلية للبنان”.

ورغم اختلاف الخطاب في الأردن، فإن التحركات والتصريحات الحكومية في هذا الصدد تمشي في الاتجاه نفسه، وصدرت خلال الأسابيع الماضية قرارات حكومية تقيّد عمل السوريين في المملكة.

وانتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في 23 من تموز الحالي، تعميم داخلي صدر عن وزارة العمل الأردنية، بتكثيف الزيارات على جميع القطاعات والأنشطة التي تعمل بها العمالة غير الأردنية وتحديدًا الجنسية السورية.

وفي نيسان الماضي، أصدرت الحكومة الأردنية قرارًا نشر في الجريدة الرسمية، بحظر عدة مهن حرفية على غير الأردنيين، بما في ذلك الحلاقة الرجالية، ومصانع الحلويات والمعجنات، والنجارة والحدادة والتطريز وصياغة الذهب، وتعبئة المياه، وإنتاج المكسرات وتحميص القهوة، والمنتجات الخزفية والفخارية، وخدمات غسل وكي الملابس.

الباحثة الأولى المختصة بقضايا سوريا والأردن في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، هبة زيادين، ترى أن قرارات تقليص أو وقف المساعدات بإمكانها أن تسهم في قرارات اللاجئين السوريين بالعودة على الرغم من المخاطر.

وأشارت إلى أن أبحاث المنظمة الحقوقية المتتالية على قضايا اللاجئين، وخصوصًا السوريين، تظهر أن الأشخاص الذين يعودون طوعيًا أعدادهم قليلة جدًا على الرغم من الأوضاع الصعبة في الدول المجاورة، وأن الذين يعودون يكون سبب عودتهم وقوعهم تحت “ضغط هائل”.

“على الرغم من الانتهاكات المستمرة والظروف الاقتصادية والإنسانية المدمرة داخل سوريا، تواصل دول المنطقة وخارجها الترويج لرواية (العودة ما بعد الصراع)”.

هبة زيادين – باحثة في قضايا سوريا والأردن بمنظمة “هيومن رايتس ووتش”

عين النظام على التمويل

يكرر النظام مطالبته بالإسهام اقتصاديًا في سوريا تمهيدًا لعودة اللاجئين السوريين، وخلال الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في أيار الماضي، طالبت معاونة وزير الاقتصاد في حكومة النظام السوري، رانية أحمد، الدول العربية بالاستثمار في المشاريع المتوسطة والصغيرة في سوريا، وهو ما كرره عدة مسؤولين في حكومة النظام لاحقًا.

الباحث السياسي السوري فراس فحام ذكر في حديثه لعنب بلدي، أن النظام السوري لن يتعاون مع الأردن ولبنان في ملف عودة اللاجئين السوريين، حتى لو أظهرت تصريحاته عكس ذلك، فهو يريد الحصول على تمويل دولي مباشر في هذا الملف، ويصل عدم استعداده لعودة اللاجئين إلى حد اعتقال من عاد منهم.

وسبق لـ20 منظمة محلية ودولية، منها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أن أصدرت، في 11 من أيار الماضي، بيانًا مشتركًا، طالبت فيه بوقف ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان إلى مناطق النظام السوري، حيث يواجهون خطر الاضطهاد أو التعذيب.

ويرجع فحام رفض النظام لهذه العودة إلى تحقيق طلبات معينة يصر عليها، أبرزها إلى جانب الحصول على التمويل الدولي، أن يتولى ملف المساعدات الإنسانية بشكل مباشر، وكذلك ملف إعادة الإعمار، ورفع العقوبات الدولية عنه، لدعم لاستثمار الاقتصادي الذي تراجع بشكل كبير.

من جهته، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، أن النظام السوري سيستخدم الضغوط المتزايدة من الدول الجارة لسوريا في ملف اللاجئين لزيادة التطبيع معه ومع دول أخرى على الصعيد الإقليمي.

وأظهرت تسريبات “المبادرة الأردنية” تجاه النظام السوري، التي نشرتها مجلة “المجلة” السعودية في 25 من حزيران الماضي، تركيز الدول العربية على عودة اللاجئين السوريين ضمن مرحلتها الأولى، وطالبت بتسهيلات رسمية من النظام السوري، مقابل الاستثمار في مناطق يتوقع أن يعود إليها اللاجئون السوريون وفق “مشروع تجريبي” يبدأ من الجنوب السوري على الحدود مع الأردن.

وسبق للأسد أن ربط خلال لقائه مع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في 3 من تموز الحالي، مسألة عودة اللاجئين بالظروف المتردية في مناطق سيطرته، مشددًا على أن العودة الآمنة للاجئين أولوية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بجميع أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر.

أطفال سوريون يلعبون كرة القدم بجوار خيامهم في مخيم للاجئين في بلدة بر الياس في سهل البقاع، لبنان – 7 تموز 2022 (AP)

الضغط بأوكرانيا ينعكس سلبًا في سوريا

يأتي إعلان برنامج الأغذية العالمي عن تخفيض مخصصات اللاجئين السوريين بسبب أزمة التمويل لديه، رغم التعهدات الدولية بتقديم أكثر من عشرة مليارات دولار خلال مؤتمر “بروكسل 7” الذي عقد في حزيران الماضي.

وتعهدت الدول حينها بمواصلة مساعدة السوريين داخل سوريا وفي دول الجوار، على أن تقسم المنح المالية بين 4.6 مليار يورو لعام 2023، ومليار يورو لعام 2024 وما بعده، في حين أعلنت المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة عن أربعة مليارات يورو على شكل قروض، على أن يساعد التمويل السوريين في سوريا ودول الجوار المضيفة للاجئين السوريين.

نقص المبالغ التي أعلن عنها برنامج الأغذية العالمي يبدو أنه يرتبط بعاملين أساسيين، هما غياب حل سياسي واضح في سوريا بعد 12 عامًا من انطلاق الثورة السورية، والغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ شباط 2022، والذي شكّل بدوره أزمة عالمية غذائية وأمنية على الصعيد القاري الأوروبي، ما دفع أكبر نسبة من المانحين للالتفات إلى مشكلاتهم وتخفيض المساعدات، وفق ما قاله المحللون.

وسعى النظام عبر المسارات السياسية المتعددة، بما في ذلك اللجنة الدستورية، إلى تعطيل أي حل سياسي يفضي لإنهاء الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها سوريا، وعمليًا فإن هذا التعطيل وغياب أفق الحل يفضي إلى تخفيض المساعدات للاجئين السوريين.

هذه النقطة وضحها لعنب بلدي الباحث والمحلل السياسي أسامة الحافظ، معتبرًا أن أزمة تخفيض تمويل برنامج الأغذية العالمي والمنح المقدمة للاجئين “أمر متوقع”، لعدم وجود عمليات تمويل للاجئين تستمر لمدة طويلة.

عملية التخفيض ترتبط بشقين سياسي واقتصادي، وفق الحافظ، إذ إن غياب أمل بحل سياسي مستدام ينهي الأزمات في سوريا ويوفر شكلًا من أشكال الاستقرار الطويل الأمد، يعني أنه لن يكون هناك التزام بتقديم المساعدات لفترة أطول.

ويأتي هذا الأمر لمخاوف من تحول أزمة اللاجئين من طارئة إلى دائمة، وهو ما لا يمكن لدولة أو منظمات دولية أن تتحمله لفترة طويلة، وخاصة مع الأزمات الاقتصادية في أوروبا، وفق الحافظ، الذي يرى أن حل هذه الأزمة يرتبط بالملف السياسي.

“إيجاد حل سياسي طويل الأمد يشجع الأمم المتحدة والجهات المانحة على تقديم الدعم اللازم لأن هناك أفقًا والوضع لن يستمر إلى الأبد، بينما إن كانت التسوية عرجاء، يفقد المانحون الأمل بحل مناسب، وبعلمهم أن الحل الذي سيبقي الأسد في الحكم ليس حلًا مثاليًا، وبالتالي ستبقى المنطقة غير مستقرة”

أسامة الحافظ – باحث ومحلل سياسي

من جهة أخرى، يبدو أن تدفق اللاجئين الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية في أعقاب الغزو الروسي، وتركيز الدول الأوروبية جهودها على الحرب هناك، أثر بشكل مباشر على ملف اللاجئين السوريين، ويرى الباحث السياسي فراس فحام، أن لدى أوروبا مخاوفها من أزمة لجوء كبيرة في محيطها، ومن معالجة أضرار الحرب في أوكرانيا، وهذه كلها تحتاج إلى تكلفة مالية عالية.

وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إعادة توجيه المساعدات الخارجية الدولية وفق الأولويات السياسية للمانحين، فيما أشار الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، إلى أن رفع “المساعدة الإنمائية الرسمية” مساعداتها من 186 مليارًا إلى 204 مليارات دولار، يعني وجود زيادة كبيرة في المخصصات المتعلقة بمعالجة واستضافة اللاجئين داخل البلدان المانحة، وتوسيع “المساعدة الإنمائية الرسمية” لأوكرانيا بعد الغزو الروسي.

وتعد “المساعدة الإنمائية الرسمية” إحدى لجان منظمة “التعاون الاقتصادي والتنمية”، التي تعمل كمنتدى يضم 31 مانحًا وهيئة مراقبة، وتُعرّف بأنها تدفقات تمويلية بشروط ميسرة لتعزيز التنمية الاقتصادية و”رفاهية” البلدان النامية.

وارتفعت المساعدات الخارجية من المانحين الرسميين في هيئة “المساعدة الإنمائية الرسمية” عام 2022 إلى أعلى مستوى لها عند 204 مليارات دولار أمريكي، مقارنة بـ186 مليار دولار أمريكي في عام 2021، حيث زادت الدول المتقدمة إنفاقها على معالجة واستضافة اللاجئين وعلى المساعدات لأوكرانيا، وفقًا لبيان صادر عن الهيئة في نيسان الماضي.

مقالات متعلقة

  1. اللاجئون السوريون في مخيمات دول الجوار.. هل تم التخلي عنهم؟
  2. "مبادرة" مشروطة أم توجهات فردية.. باب عربي "موارب" أمام الأسد
  3. بعد المخدرات.. النظام يبتز دول الجوار باللاجئين
  4. خلال لقائها بوتين.. ميركل تحذر من كارثة إنسانية في إدلب

تحقيقات

المزيد من تحقيقات