تضامن مع شعب “المحرر”

  • 2023/07/30
  • 12:09 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

أخبار ما يُعرف باسم “الشتات السوري”، خلال الأسبوع الماضي، كانت مثيرة، وتفتح الشهية على أسئلة طالما سكت عنها السوريون، بسبب الجهل أو التجاهل.

فجأة، ودون سابق إنذار، صرنا نرى ناشطين ثوريين غاضبين، يلومون كل مَن يقع في مرمى خطاباتهم من دول، وأشخاص معارضين وموالين، ومنظمات إنسانية محلية ودولية، فهم يرون أن هؤلاء، جميعهم، مسؤولون أمام الله، والشعب، والتاريخ، عن معالجة 3300 سوري مصابين بالسرطان في الشمال السوري، أي في الأماكن التي اصطلح على تسميتها مناطق المعارضة، أو “المحرر”، وقد تطور هذا الغضب، حتى أصبحنا نرى أناسًا يحلقون شعر رؤوسهم، على الهواء مباشرة، تضامنًا مع هؤلاء المساكين.

ولأنه لا يوجد مصدر رسمي موثوق للأخبار، فقد تضاربت الأقوال، فأكد بعض الناشطين أن المصابين كلهم أطفال! وهذا أمر عجيب، فنسبة إصابة الأطفال بالسرطانات لا يمكن أن تكون بهذه الضخامة، وهناك مَن تسلح بالوحدة الوطنية، فقال إن المصابين بالسرطان يستحقون التدخل والمساعدة، سواء أكانوا في مناطق النظام أم المعارضة، ويبدو أن مليونيرًا عربيًا تحدث عن مساعدات مادية، فانبرى له ناشطون يقولون إن السوريين “مو بحاجة فلوسك!”، لأن الهدف هو طرح القضية إعلاميًا أمام الرأي العام العالمي، فقط، وهناك سوريون يعيشون في دولة أوروبية، أرادوا أن يعبروا عن تضامنهم مع مرضى السرطان السوريين، فتظاهروا في عاصمة تلك الدولة، ولفوا أجسادهم بعلم الثورة، وراحوا يرددون أناشيد 2011 نفسها، “يلا ارحل يا بشار”، و”سكابا يا دموع العين سكابا، على شهدا سوريا وشبابا”، ومجموعة منهم انفردت بأنشودة تحكي عن سيوفنا التي ستجز رؤوس المجرمين الذين حرمونا من الحرية. وأجمل ما في الأمر أن الجموع الثائرة تفرقت، على نحو فجائي، إذ ظهر أحد نجوم “تيك توك”، فصاروا يركضون وراءه لكي يأخذوا معه صورًا تذكارية، وكأن تضامنهم مع مرضى السرطان لم يكن.

لا يمكن لإنسان، مهما كان عنيدًا، وصبورًا، وذا معلاق كبير، أن يقنع شعوبنا العظيمة بأن عصر السيف قد ولى، ولو ألقيت قنبلة واحدة على مئة من الفرسان الصناديد المتمنطقين بالسيوف والخناجر والرماح، لجعلت أشلاءهم تلتصق بالحيطان، وأن العنتريات الكلامية، والتهديدات الفارغة لا يمكن أن تقتل ذبابة، على حد تعبير شاعرنا نزار قباني. ومهما تكن أنت متضامنًا ومتعاطفًا مع مرضى السرطان، وداعمًا لقضيتهم، لا تجرؤ على توجيه سؤال إلى من يهمه الأمر، عن السبب الذي يجعلهم يقتصرون على التضامن مع مرضى السرطان، ويتجاهلون وجود عشرات الألوف من الأطفال، في هذا “المحرر” المسكين، بلا مدارس، أو لماذا لا تحتجون على فرض “الجولاني” وطغمته نوعًا معينًا من الألبسة على نسائنا، حتى أصبحت الواحدة منهن تمشي في الشارع كما لو أنها كيس أسود مقفل؟ أو لماذا تمنعون الناس من العزف على الآلات الموسيقية، والغناء، والرقص؟ وما الحكمة في أنكم أغلقتم هذه البلاد في وجه العلوي والشيعي والإسماعيلي والمسيحي؟ ولماذا تعاملون الدروز الباقين في المحافظة وكأنهم رعايا من الدرجة الثانية؟

ومع كل هذا أقول: إنني متضامن مع مرضى السرطان، حيثما كانوا.

 

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي