في يومها العالمي.. سوريون يروون تجاربهم مع الصداقة الافتراضية

camera iconتعبيرية (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – براءة خطاب

مع ظهور الإنترنت، تشكّل مفهوم جديد للصداقة هو الصداقة الافتراضية التي تعددت أشكالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت تنتشر في شتى المجتمعات، لكن لها قصة مختلفة مع السوريين بعد أن فرقتهم الحرب بين نازح ولاجئ داخل وخارج البلاد.

الصداقة الافتراضية عبر الإنترنت كان لها عديد من الإيجابيات، كإقامة علاقات بسهولة مع الشخصيات الاجتماعية والسياسية وغيرها حول العالم، إذ تختصر هذه الصداقة المسافات والأوقات، ويكتسب الفرد خبرة متنوعة من خلال التعرف إلى أصدقاء من دول مختلفة.

واكتسبت الصداقة الافتراضية في السنوات الأخيرة بعدًا آخر جديدًا، فبعض الأشخاص باتت علاقتهم بصديق لم يقابلوه قط، أقوى وأكثر ارتباطًا من علاقات مع أصدقاء يشاركونهم المكان الذي يعيشون فيه ويتواصلون معهم بشكل فيزيائي.

ومع ذلك، فإن الصداقة الافتراضية تشوبها بعض السلبيات والمخاطر، كصعوبة معرفة حقيقة الشخص ومشاعره الحقيقية، وكذلك انتحال كثيرين شخصيات أخرى، وخداعهم للمجتمع الذي يتواصل معهم افتراضيًا.

حددت الأمم المتحدة 27 من تموز يومًا عالميًا للصداقة، وقالت إنه من خلال الصداقة يمكن تراكم الروابط وتقوية علاقات الثقة والإسهام في التحولات الأساسية الضرورية لتحقيق الاستقرار الدائم، ولنسج شبكة الأمان التي من شأنها أن تحمينا جميعًا، واستشعار العاطفة اللازمة لعالم أفضل يتحد فيه الجميع ويعملون من أجل الخير العام.

“الافتراضية” قد لا تشبه “الواقعية”

الصداقة الافتراضية مفهوم جديد ظهر بظهور الإنترنت والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، وصارت تتوسع باستمرار في المجتمعات، وأصبح مفهوم “صديق في مواقع التواصل الاجتماعي” يعكس عددًا عريضًا من العلاقات (زمالة، معارف، أفراد عائلة).

وتختلف الصداقة الافتراضية عن التقليدية، فالصديق بمفهومه التقليدي هو الذي نلتقي به حسيًا ونتفاعل معه وجوديًا، ونتبادل معه الأفكار والأشياء ماديًا، ونعرف اسمه الحقيقي وهويته الشخصية، غير أن الصداقة الافتراضية ربما تكون من خلال اسم مستعار وصورة رمزية فقط، بحسب مقال رأي لأستاذ الفلسفة ورئيس قسم الفلسفة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة “معسكر” في الجزائر نابي بوعلي.

وبالنسبة لسوريا، ترى الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك أن للحرب دورًا كبيرًا في تحول العلاقات من افتراضية إلى واقعية والعكس، فالحرب بدأت مع “اجتياح عالم الإنترنت والتواصل الاجتماعي حياتنا”.

وساد الاعتقاد ببداية انتشار الإنترنت في سوريا، أن مستخدمي التواصل الاجتماعي هم أشخاص وهميون، بسبب عدم وجود التواصل الحسي، قالت الباحثة لعنب بلدي.

وأضافت أن هذه النظرة بدأت تتغير عندما لجأت أغلب العائلات والأصدقاء للتواصل عبر الإنترنت في ظل الظروف التي فُرضت عليهم في سوريا مع بداية الثورة السورية، وما رافقها من تهجير خارج البلاد.

أصبحت المنصات الاجتماعية على الإنترنت السبيل الوحيد للتواصل لدى بعض الأصدقاء والعائلات، ومنها نشأت علاقات حميمية قوية بين الناس من مختلف الثقافات، وامتد الأمر لعلاقات زواج من خلال برامج التواصل، بحسب عبد الملك.

ووفق الباحثة، لا يمكن اعتبار الصداقة الافتراضية مشابهة للواقعية، بل يوجد اختلاف بينهما، إذ إن الافتراضية تفتقر إلى أهم قاعدة في الصداقة وهي الوجود الحسي بين الأطراف.

ويميل البشر لوجود الشخص بطريقة ملموسة، وفي الصداقة الافتراضية غالبًا ما يشعرون بالنقص.

لا يمكن اعتبار الصداقة الافتراضية مشابهة للواقعية، بل يوجد اختلاف بينهما، إذ إن الافتراضية تفتقر إلى أهم قاعدة في الصداقة وهي الوجود الحسي بين الأطراف.

عائشة عبد الملك – باحثة اجتماعية

فرصة لمزيد من الاختلاف

تعرفت سنا تلجو (26 عامًا) إلى نصف صداقاتها تقريبًا عن طريق الإنترنت، فمنذ عام 2017، بدأت باستخدام الهاتف المحمول، وأصبحت معظم صداقاتها افتراضية، بحسب ما قالته لعنب بلدي.

سنا المقيمة في ولاية غازي عينتاب التركية، وهي خريجة كلية إدارة الأعمال، قالت إنها دخلت إلى عالم التواصل الاجتماعي عن طريق صفحة تهتم بالتنمية البشرية أنشأتها عام 2017.

وتابعت أن محتوى الصفحة دفع الناس للتواصل معها بغرض “النقد أو المدح أو مشاركة الآراء”، ومن هذه الأحاديث بنت عديدًا من الصداقات.

ومنذ إنشاء الصفحة زاد عدد متابعيها، ودارت أحاديث بينها وبين بعض الأشخاص المهتمين في التنمية البشرية، وتشكلت لديها شبكة من العلاقات عن طريق الإنترنت، سمحت لها بالتعرف إلى أشخاص من مختلف الثقافات والبلدان أو حتى على مستوى المحافظات السورية.

قالت الشابة، “من الممكن أن تجد افتراضيًا أشخاصًا يحاكون أفكارك وتنسجم لطريقة كلامهم فتصبح على تواصل معهم بين الفترة والثانية”، بحسب ما رأته من خلال تجربتها الشخصية.

وأشارت سنا إلى أن من إحدى سلبيات الصداقة الافتراضية عدم معرفة الإنسان حقيقة الشخص الآخر بالكامل، ما قد يزيد فرصة التخلي عن هذه العلاقة في أي وقت ولأي سبب بسيط كان.

من جهتها، سيدرة (22 عامًا) قالت لعنب بلدي، إنها تعرفت إلى خطيبها عن طريق “فيس بوك”، وبعد مرور عام على تعارفهما التقت به.

بدأت العلاقة عادية في مقدمتها، تبادل الطرفان فيها معلومات عن سوريا وتركيا، كما قالت سيدرة.

وتابعت أنها عندما “رأته شعرت أن هذا هو الشخص الذي ستتزوجه”، موضحة أنها أحبّت وضوحه وصراحته وطبيعته، بالمقابل، أحب هو شخصيتها وهدوءها، وأخذ الموضوع وقتًا طويلًا من التعارف حتى الاعتراف بالحب، رغم مشكلات عديدة تخللت هذه العلاقة خلال عدة سنوات.

رغم تجربتها التي تعد إيجابية، تعتبر سيدرة أن التواصل مع الأشخاص والحديث معهم عبر الإنترنت فقط “ليس كافيًا”، وقد يوصل الأمور بشكل خاطئ، مشيرة إلى أن من المهم جدًا التواصل الواقعي لفهم الآخر.

زينة سعيد تعرفت إلى زوجها عبر الإنترنت أيضًا، وبدأ التناغم الفكري عبر “فيس بوك”، ولم يلتقيا إلا بعد ثلاثة أشهر، ولم تعتقد أن الأمر سيذهب إلى هذا الاتجاه، إذ أتى حاملًا الورود، وقالت إن ذلك كان له “أثر رائع” في حياتها وأنها سعيدة جدًا ومرتاحة.

وأضافت أنها استطاعت بدعمه وتشجيعه إكمال دراستها بعد أن تركتها لأسباب تتعلق بالزواج والإنجاب، وهي بصدد تحضيرها لحفل تخرجها في الجامعة، وترى أن الإيجابية رفيقتها في هذا الزواج الذي بدأ قبل أربع سنوات.

في البداية، كانت زينة قلقة من فارق العمر، فهو يكبرها بـ12عامًا، لكنهما وجدا أنهما قادران على الحياة معًا.

عيوب قد لا تظهر

يعد اختلاف البيئات من أهم سلبيات العلاقات الافتراضية، فبعد الحرب ونزوح الأشخاص من المحافظات واختلاطهم ببيئات أخرى، وبسبب قلة المعرفة بثقافات مدن وبلدات أخرى من قبل، ظهرت مشكلات عدة، بحسب ما قالته الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك لعنب بلدي.

وفي كثير من الأحيان يحتاج الشخص إلى أن يكون صديقه أمامه، ويريد التحدث معه وجهًا لوجه، إذ إنه قد لا تصل المشاعر التي يحملها الطرفان لبعضهما كما في الصداقة الواقعية.

وأضافت الباحثة أنه في علاقات الزواج المبنية على التواصل الافتراضي، لا يمكن رؤية عيوب الشخص الآخر واختلافه إلا بعد الزواج، ما قد يسبب عديدًا من الخلافات التي قد توصل إلى الانفصال.

إيجابيات أكثر

ترى الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك أن إيجابيات التواصل الافتراضي تعتبر أكثر من سلبياته، “إذ ما زلنا على تواصل مع أصدقائنا وعائلاتنا بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، ونتابع أخبارهم حتى إننا نشاركهم أفراحهم على هذه المواقع”.

يتجه العالم إلى بناء العلاقات الافتراضية، ما يدفع الناس أكثر ليكونوا طبيعيين ويظهروا شخصيتهم الحقيقية على مواقع التواصل.

وبحسب مقال رأي أستاذ الفلسفة نابي بوعلي، فإن الغرض من الصداقة هو السعي لتطوير الذات والرقي بها نحو الأفضل، والصداقة الافتراضية نختارها بأنفسنا بكل حرية، وعند الشعور بأنها انحرفت عن وظيفتها وأهدافها، فإننا سرعان ما نتخلى عنها، إذ ليست هناك قوة تدفع إلى الصداقة إذا لم تكن مرغوبة.

وتبقى إشكالية الصداقة الافتراضية مسألة خلافية غير محسومة، ومهما يكن فإن الإنسان يحتاج إلى الصداقة بحثًا عن المشترك الإنساني.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة