“سجن كبير يحتوي على زنازين مختلفة، داخل كل زنزانة شخص، ولكن السجناء لم يدركوا يومًا بأن أبواب السجن كانت مفتوحة، وبإمكانهم الفرار، حتى قرر أحدهم يومًا أن يتجرأ ويدفع الباب قليلًا لينفرج ويدخل بصيص من النور، نور التعافي”.
هكذا استهل الكاتب والطبيب المصري عماد رشاد عثمان كتابه “أبي الذي أكره”، الذي يتحدث فيه عن التعافي النفسي من اضطرابات الطفولة وأهميته والوعي به.
في الكتاب الصادر عن دار “الرواق للنشر والتوزيع”، وعبر 295 صفحة، يبدأ الكاتب بشرح الخوف الصغير الذي يصاحب الطفل بعد ولادته من عالم غريب يهدده، فيكون الوطن والمساحة الآمنة له هي بيئة احتضانه، دائرة قطرها الأيمن ذراع الأب، والأيسر حضن أمومي، ومحيطها هو حالة الاحتضان الشعوري والجسدي، لحين اكتمال نموه بشكل سليم وفعّال، وفق الكتاب.
غياب تلك البيئة يتسبب بإيقاف عملية النمو السليم، ويعطل من نمو أدوات التعامل مع الذات والعالم.
الإساءة تقوم بتجميد النمو في مراحله النفسية الأولى، وتحرم الناشئ من تكوين جعبة أدواته لمواجهة العالم، لذا يخرج مع شعوره بتهديد مركب من تهديد الوجود الأصلي مضافًا إليه تهديد البيئة الحاضنة.
يبدأ الناشئ بالبحث عن بيئات أخرى تكون عبارة عن مسكنات لذلك التهديد، وينخرط بالانعزال المفرط حينًا وفي الشهرة أو السلطة حينًا آخر، وفي أحيان كثيرة يميل إلى الإدمان بكل أنواعه.
وصف الكاتب الإساءة بأنها “جرح هجر” قائلًا، إنها وإن لم تحتوِ في حقيقتها على لفظ أو نبذ أو ابتعاد مكاني، ولكنها نزع للمرء من تربة أمانه وبيئته الحاضنة، لذا فإن كل إساءة هي نوع من الهجر، حيث تحمل البيئة الشعورية الحاضنة نفسها وترحل عنا.
كل من تعرض لتلك الأنواع من الإساءة والإيذاء يحمل جرحًا غائرًا في تكوينه، وهناك في البقعة العميقة التي قرر بها أن يخبئ الألم، يسكن الوحش الأكثر تمردًا.
يلفت الكاتب إلى وجود حلقة مفرغة من تحول الضحايا إلى مسيئين وجُناة، وأنه ينبغي للشخص الذي تعرض للإساءة فهم مصدر غضبه واستيائه والأسباب الحقيقية وراء ذلك.
يناقش الكاتب أنواع الإساءات النفسية، والجسدية، والروحية، وما تتسبب به من شعور بالخزي والعار واحتقار الذات، وتشكيلها لعلاقات مضطربة، وألاعيب تتم ممارستها بالعلاقات.
ويربط عثمان الحب بالألم حينما يقول أحد الأبوين، “أقوم بضربك لمصلحتك”، فيتشكل ما سماه الكاتب “متلازمة الحب الخشن”، ويصبح هناك ربط غير واعٍ بشعور الحب من خلال التسبب بالألم.
احتوى الكتاب على 37 فصلًا، وفي الفصول النهائية تحدث الكاتب عن خطوات للتعامل مع الإساءة والتوقف عن السماح بها، ووضع الحدود واستعادة الذات، انتهاء بالتجاوز الذي يُكلل عملية التعافي بالخروج من باب الزنزانة المفتوح.
من عماد رشاد عثمان؟
عماد رشاد عثمان كاتب وطبيب من مواليد الإسكندرية بمصر، باحث ملتحق بدرجة ماجستير أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي بكلية الطب في جامعة “الإسكندرية”.
نشر كتابه الأول عام 2018، بعنوان” أحببت وغدًا”، ويناقش فيه التعافي من العلاقات المؤذية مع النرجسيين.
احتل الكتاب قائمة الأكثر مبيعًا منذ صدوره حسب دار “الرواق للنشر والتوزيع” التي صدر عنها.
وفي عام 2020، نشر عثمان كتابه الثاني “أبي الذي أكره”.