عنب بلدي – هبة عيروط
تسعى المعيلة الوحيدة لأسرتها سحر خالد (48 عامًا) لإعادة تأسيس حياتها المهنية من الصفر، بعدما ذاقت مرار الفقد والنزوح جراء تأثرها بالزلزال الذي ضرب عشر ولايات تركية وأربع محافظات سورية، في 6 من شباط الماضي.
ويجبر الوضع الاقتصادي الصعب، والغياب النسبي للدعم المادي المقدم للمتضررين من الزلزال في تركيا، النساء على البحث عن عمل، بهدف تغطية الاحتياجات الأساسية لعائلاتهن.
نزحت سحر مع أسرتها المكوّنة من ستة أفراد من أنطاكيا إلى مدينة طرابزون التركية، واضطرتها ظروف النزوح مجددًا إلى اقتراض المال من ذويها، لتغطية علاج ابنها المصاب، واحتياجات أبنائها الأساسية، وتكاليف دراستهم.
بعد تحسن حالتها الصحية من إصاباتها الجسدية جراء الزلزال، عملت خلال شهر رمضان الماضي بالطبخ لمتضرري الزلزال بمساعدة منظمات إنسانية، وتعمل الآن بساعات عمل قصيرة دون عقود في وظيفة مرافق صحي لمصابي الزلزال في المستشفيات الخاصة.
استقرت سحر خالد لمدة ست سنوات في مدينة أنطاكيا، بعد لجوئها إليها في 2017، عقب مقتل زوجها وابنها نتيجة المعارك في سوريا، وعملت خلال السنوات الماضية في كل ما هو متاح من مهن، واضطرت في بعض الأوقات للعمل بدوام ليلي جزئيًا.
وبعد أن شعرت بالاستقرار النسبي في المدينة، أسست سحر، عام 2019، مشروعها الخاص ببيع المؤونة المنزلية لسكان منطقة أنطاكيا.
لسنوات نجحت السيدة عبر مشروعها في تدبير أمورها وإعالة الأسرة، لكن وقوع الزلزال نسف عمل أربع سنوات، إذ تعرض مقر عملها للدمار.
لا استقرار
تركية (42 عامًا)، وهي أم معيلة وناجية من الزلزال بمدينة أنطاكيا، ونازحة تقيم مؤقتًا في اسطنبول، أنشأت مشروعها الخاص في 2020 أيضًا، وأطلقت عليه اسم “يا مال الشام” للطبخ المنزلي.
رغم ضعف الإمكانيات، والظروف المادية الصعبة، وبتشجيع من أهلها ومن حولها، بدأ المشروع بالنمو والازدهار، وروّجت السيدة لأطباقها من المعجنات و”المناسف” والطبخ بأنواعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونجحت خلال فترة قصيرة في تحقيق أرباح من هذا المشروع.
فرض النزوح الجديد على السيدة ظروفًا منعتها من إتمام مشروعها، نتيجة عدم الاستقرار في ولاية اسطنبول، وسط خوفها من ترحيلها لولايتها “التي لم تعد صالحة للعيش”، حيث تعرض منزلها هناك للدمار، وفق ما قالته تركية، إضافة إلى عدم إمكانية حصولها على “إذن سفر” بسهولة.
عقبات أمام النهوض من جديد
ترى السيدتان اللتان قابلتهما عنب بلدي، أن عملهما في مدينة أنطاكيا كان أكثر سهولة وسلاسة، فمساحة المدينة صغيرة، وهي تقع على الحدود مع سوريا، ويتحدث معظم أهلها اللغة العربية، وكانت قبلة استقرار لنسبة كبيرة من اللاجئين السوريين.
واعتبرت السيدتان أن المدينة تعد الأنسب معيشيًا للاجئين، بسبب إيجاراتها “الرخيصة”، وتكلفة المعيشة المعقولة، وقرب المسافات مقارنة ببقية الولايات، وسهولة الوصول وسلاسة التعامل مع المواطنين الناطقين بالعربية.
تحديات بعد النزوح
الاستقرار في منزل كان التحدي الأصعب، لارتفاع الطلب على استئجار المنازل، واستغلال أصحاب العقارات وضع النازحين من مناطق الزلزال، وطلبهم مبالغ مرتفعة بعقود طويلة بلغت ستة أشهر أو سنة كاملة، بحسب ما قالت سحر وتركية.
وأضافت السيدتان أن هناك تحديًا إضافيًا يتمثل بإيجاد منطقة استقرار مناسبة، والانخراط في مجتمع جديد لاكتساب معارف وتكوين علاقات اجتماعية، والتأقلم مع بيئة عمل جديدة.
وقد تمنع بعض العوامل استمرار عمل السيدة السورية في تركيا، كتصريح “إذن السفر” غير القابل للتمديد حاليًا، ما يسبب مشكلة في الاستقرار.
وباعتبار أن الولايات التركية التي ضربها الزلزال ذات نطاق جغرافي ضيق مقارنة ببقية الولايات، فقد تواجه السيدات مشكلة في تأمين المواصلات، وصعوبة في الوصول داخل المدن الكبرى.
الزلزال يفاقم الحاجة
أرجعت عدد من الدراسات البحثية تردد المرأة السورية اللاجئة في تركيا بالانخراط في بيئة العمل إلى عدة أسباب، أبرزها المخاوف النفسية وقلة الدعم المادي والمعنوي.
اعتبرت المنظمة الدنماركية للاجئين (DRC)، بتقرير لها في 26 من تموز الحالي، أن النساء المعيلات لأسرهن المتضررات من الزلزال، دائمًا ما واجهن صعوبات إضافية لتلبية الاحتياجات، وقد تفاقمت المشكلات لأن عديدًا من هذه الأسر لم تكن لديها مدخرات مالية لسد احتياجاتها بعد الزلزال.
ولفتت المنظمة إلى أن النساء الأرامل يواجهن كثيرًا من التحديات لإعالة أنفسهن وأسرهن.
وفي سياق متصل، خلصت ورشة أقامها مركز “حرمون للدراسات” ومقره اسطنبول، حول “واقع المرأة السورية في تركيا”، إلى أن أبرز التحديات التي تواجهها المرأة السورية في تركيا على صعيد العمل والاستقلال المادي تتمثل بطبيعة الوضع القانوني، والتخوف من العنصرية تجاه السوريين في بيئة العمل التركية، والأعباء المترتبة على المرأة السورية بسبب دورها في الأسرة، بالإضافة إلى ضعف المعرفة بتخطيط وإدارة المشاريع الشخصية.