عنب بلدي – محمد فنصة
بعد الزيارة الأولى لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى سوريا، ولقائه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، صدرت تصريحات عراقية رسمية تؤكد جاهزية الأخير لمناقشة إحياء خط نفط العراق- بانياس، وسط سعي العراق لإيجاد منافذ جديدة للتصدير، ما يثير التساؤل حول إمكانية تحقيق هذه الخطوة.
وفي تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية (واع)، في 17 من تموز الحالي، قال الناطق باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، “إن العراق يبحث عن منافذ جديدة لتصدير النفط العراقي”.
وأضاف، “العراق جاهز لأن يناقش مع سوريا ملف إعادة إحياء خط نفط العراق إلى البحر الأبيض المتوسط في حال تحسن ظروف سوريا، ما سيوفر للعراق أيضًا فرصًا جديدة لتصدير نفطه وإيصاله بصورة سريعة الى البحر الأبيض المتوسط والدول المشترية”.
وأكد أن “سوريا لديها موانٍ كبيرة جدًا ومعروفة على البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي إذا ما اقتنعت أن تنضم لخريطة طريق التنمية للربط البري والسكك من موانيها إلى المثلث العراقي- السوري- التركي، فأنا أعتقد أن هذا أيضًا سيوفر موارد مالية كبيرة”.
وفي 16 من تموز الحالي، تحدث الأسد والسوداني خلال زيارة الأخير إلى دمشق في ملفات مكافحة الإرهاب والمخدرات والمياه، بحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك.
عدة عراقيل
يعود تاريخ تأسيس أنبوب تصدير النفط العراقي- السوري كركوك – بانياس إلى عام 1952، بطول 800 كيلومتر، ونفذته شركة “بريتيش بتروليوم” البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية، إذ كانت لها استثمارات نفطية واسعة في البلدين.
وجرى تشغيل الخط لفترات متقطعة تاريخيًا، متأثرا بالتطورات التي حصلت في المنطقة عمومًا، والتغيرات الداخلية في سوريا والعراق.
واستمر العمل بالأنبوب بشكل متواصل منذ تأسيسه حتى عام 1980، حيث توقف لحقبة طويلة منذ أوائل الثمانينيات مع اندلاع حرب الخليج الأولى، ليعود إلى العمل عام 1997، قبل أن يتوقف مجددًا بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، قال لعنب بلدي، إن أول المعوقات يتعلق بالتكلفة، فعلى الرغم من إمكانية تحمل العراقيين تكلفة إعادة إحياء الخط من الجانب العراقي، ليس لدى النظام القدرة المالية على إعادة إحياء هذا الخط.
ولا يتوقع الباحث أن يدعم الروس حكومة النظام بمبالغ تصل إلى مليارات الدولارات، لإعادة إحياء الخط وتجهيز الميناء، على الرغم من مصلحتهم الاقتصادية في تفعيله.
وتمتلك شركات النفط الروسية الخاصة والمدعومة من الحكومة عديدًا من الاستثمارات في المشاريع النفطية من حفر وتطوير حقول وبناء خطوط أنابيب، مثل شركتي “روسنفت غاز” و”روسنفت“، اللتين تمتلكان 60% من خط أنابيب تصدير النفط الرئيس في منطقة إقليم كردستان العراق.
ويمنع قانون “قيصر” الأمريكي أي تعامل مع حكومة النظام في مجال النفط، بالإضافة إلى العقوبات الأوروبية، وفق شيخ علي.
وهو ما اتفق معه أيضًا الباحث العراقي في الشأن السياسي والاقتصادي نبيل جبار التميمي، الذي يرى أن إمكانية إعادة إحياء الخط النفطي مرهون بحالة الأنبوب الحالية، ومستوى الأمن المتحقق في الأراضي التي يمر بها الأنبوب، ومدى قدرة البلدين على تفعيل هذا الخط النفطي، وإمكانية أن يتعامل مشتري النفط مع النفط العراقي المصدّر عبر موانٍ سورية بسبب وجود العقوبات.
وبحسب شيخ علي، فإنه في حال تفعيل هذا الخط فإن النظام السوري سيصبح مكتفيًا ذاتيًا من الموارد النفطية، كما سيزيد من قدرة روسيا في السيطرة على أسواق النفط بالأسواق العالمية، كونها تتحكم بالمواني السورية، وهو ما ترفضه الدول الأوروبية والأمريكية.
ويمتد هذا الخط عبر مناطق البادية، حيث تشهد عمليات أمنية ومناوشات ضد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، ما يجعله هدفًا سهلًا للتنظيم، وفق الباحث السوري.
وتوقع شيخ علي استغلال الميليشيات الإيرانية الخط النفطي في حال تفعيله، عبر تعاقدها مع النظام بحجة حماية أنابيب النفط، وهو ما سيقوي “جذورها” بالمنطقة ويهدد القوات الأمريكية الموجودة شمال شرقي سوريا.
انغلاق الباب التركي
في 4 من أيار الماضي، قال وزير التجارة العراقي، أثير الغريري، إنه خلال اجتماع عقده مع وزير النفط في حكومة النظام السوري، فراس قدور، جرى تبادل وجهات النظر حول إطلاق الاستثمارات في مجال النفط والطاقة بكلا البلدين، من خلال تقديم التسهيلات للشركات العراقية الراغبة في الاستثمار بمجال النفط في سوريا، التي بدورها ستضمن إعادة العمل بأنبوب نفط كركوك – بانياس.
وصرح الوزير العراقي بأن الأنبوب النفطي السوري- العراقي يتخذ أهمية استثنائية بالنسبة للعراق، نظرا إلى التكلفة “الباهظة” التي تترتب على تصدير نفطه للخارج حاليًا، موضحًا أن السيناريوهات المرجحة لإعادة الضخ عبر أنبوب كركوك – بانياس تتركز حول إسناد عمليات الإصلاح لكل طرف في أراضيه.
وأشار الوزير إلى أن التقديرات الأولية لإعادة تشغيل خط الأنابيب تحتاج إلى عمليات صيانة بتكلفة مالية “كبيرة”، نظرًا إلى الأضرار “الكبيرة” التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة سواء في القسم العراقي أو في سوريا.
الباحث العراقي في الشأن السياسي والاقتصادي نبيل جبار التميمي، قال لعنب بلدي، إن الحكومة العراقية تدرس استراتيجية تنويع وتعدد منافذ التصدير النفطية من العراق، وفي نية الحكومة إعادة إحياء وإنشاء خطوط جديدة عدة، ومنها خط البصرة- حديثة- العقبة المار إلى الأردن، وخط كركوك- بانياس المار عبر الأراضي السورية، وكذلك خطوط أخرى عبر الأراضي السعودية مطلة على البحر الأحمر.
الأحداث الأخيرة بين العراق وإقليم كردستان العراق وتركيا، وما أسفر عنها من نتائج قرارات محكمة التحكيم الدولية لمصلحة حكومة العراق، وردود الفعل التركية بإيقاف خطوط التصدير المارة من كركوك باتجاه ميناء جيهان التركي عبر الأراضي التركية، دفعت العراق إلى أن يتعجل بالتفكير في مسألة تنويع منافذ تصدير النفط العراقي، وفق التميمي.
وأوقفت تركيا استيراد النفط من إقليم كردستان العراق منذ آذار الماضي، بعدما حكمت هيئة تحكيم دولية لمصلحة العراق في نزاع حول قضية متعلقة بتصدير نفط الإقليم بين بغداد وأنقرة، وفق وزارة النفط العراقية.
ويعود هذا النزاع إلى العام 2014، حين رفعت بغداد دعوى ضد جارتها تركيا أمام هيئة التحكيم اعتراضًا على إعلان أنقرة تصدير نفط إقليم كردستان العراقي إلى الأسواق العالمية من دون إذن الحكومة العراقية، حيث كانت تصدّر نحو 450 ألف برميل يوميًا.
ضغط روسي على تركيا
منذ توقف خط نفط كركوك- جيهان، تجري مفاوضات بين الحكومتين العراقية والتركية لإعادة تفعيله، وتعترض تركيا لوجود مبلغ تعويضي عليها دفعه بحسب قرار محكمة التحكيم الدولية يقدّر بمليار دولار، لإعادة التصدير.
الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، يرى أن روسيا تحاول منذ العام الماضي مع العراق لإعادة إحياء خط النفط مع سوريا، لعدة أسباب، أهمها وجود ضغط كبير على النظام السوري من ناحية الحاجة الكبيرة إلى الموارد النفطية لوجود منابع النفط شمال شرقي سوريا خارج سيطرة النظام.
وحول توقيت هذه الخطوة، يرى شيخ علي أن إعادة الحديث عن هذا الموضوع في هذا الوقت يمكن أن يكون وسيلة ضغط روسية على الأتراك بعد ظهور بوادر توتر بالعلاقات الدبلوماسية نتيجة موافقة تركيا على انضمام السويد لـ”الناتو”، وإعلان روسيا إيقاف العمل باتفاقية الحبوب التي رعتها تركيا.
ويشكّل إنشاء بديل لخط النفط العراقي- التركي، مثل خط العراق- بانياس، نوعًا من التهديد للمصالح التركية، وفق الباحث السوري.