بات إيهاب (37 عامًا) ليلته يوم الجمعة 21 من تموز، جائعًا لأول مرة في حياته، حيث لم يقبل جاره صاحب “البقالية”، منحه أي منتج بالدَين، بحجة أن “الأسعار مولعة وكل ساعة شكل”.
قال إيهاب وهو من سكان ريف اللاذقية، ويعمل موظفًا في دائرة رسمية بالمدينة، إنه بات ليلته حتى دون أن يستطيع تناول كأس شاي، فكيلو السكر تجاوز 12 ألف ليرة سورية، أي نحو 12% من راتبه البالغ 100 ألف ليرة.
وأضاف أنه من المستحيل أن يكون قادرًا على شراء أي نوع طعام في الوقت الحالي، رغم أنه يعمل بالزراعة والبناء وأي عمل آخر يتوفر له إلى جانب وظيفته الحكومية.
تشهد الأسعار في سوريا ارتفاعًا مستمرًا على مدار الساعة، نتيجة انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار، والتي تجاوزت 12 ألف ليرة لكل دولار واحد، في حين لا تزيد رواتب الموظفين الحكوميين عن ثمانية دولارات بالحد الأعلى شهريًا.
غلاء الأسعار أخرج معظم المواد الغذائية الأساسية من قائمة احتياجات الأهالي، دون تحركات لضبطها، وانخفاض الليرة دفع بعض التجار لحساب تصريفها بأعلى من السعر الرسمي والسوق “السوداء” لضمان الربح.
الأرز والبرغل خارج المعادلة
مع وصول كيلو الأرز من النوعية “الرديئة” إلى 13 ألف ليرة للكيلو، والبرغل إلى 8500 ليرة، فإن هاتين المادتين اللتين كانتا تشكلان عماد موائد الفقراء، قد خرجتا من المائدة، على الأقل حتى تتحسن المعيشة قليلًا.
وكان سعر الأرز مع نهاية حزيران الماضي لا يتجاوز 7500 ليرة، والبرغل 6 آلاف ليرة، وكذلك السكر الذي كان 7000 بات يتراوح اليوم بين 11700 إلى 13 ألف ليرة، وليتر الزيت النباتي ارتفع من 14500 إلى 18500 ليرة، والعدس الحب من 18 إلى 23 ألف ليرة.
تاجر في المدينة، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال إن كبرى الشركات في دمشق طلبت منهم التوقف عن البيع، مخافة استمرار الارتفاع وكي لا تتكبد خسائر أكبر، مضيفًا أنه يعرض اليوم المنتجات التي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، ويفعل مثله أغلبية تجار المدينة.
مصدر خاص في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في اللاذقية، قال لعنب بلدي إن ضبط الأسواق بات مستحيلًا في ظل الظرف الحالي.
وأضاف أن “القسوة على التجار حاليًا ربما تولد نوعًا من الانفجار الذي لا تحمد عقباه”، لذلك فإنهم اكتفوا “بالمراقبة من بعيد”، مع تسجيل بعض الضبوط بحق المخالفين من تجار البقاليات والمفرق، ريثما تصلهم تعليمات جديدة.
الخضار تُحلق و”الدولة فرطت”
“الناس جاعت والدولة فرطت وما بقا في أمل بشي، هدول المسؤولين لو عمياكلوا نفايات الخضرة يمكن كانوا حلوها”، بهذه الكلمات لخصت سميّة (46 عامًا) حالة العجز التي وصل إليها الأهالي، خلال محاولتها شراء بعض الخضراوات في السوق بمدينة اللاذقية.
كان بحوزة سميّة (46 عامًا) مبلغ لا يتجاوز 17 ألف ليرة، ومن المفترض أنه سيكفيها حتى آخر الشهر، واختارت أن تشتري كيلو بطاطا ونصف كيلو بندورة، من النوعيات الرديئة والتي غالبًا ما يكون ثمنها أقل بنحو 500 ليرة عن السعر.
بالقرب منها أنهى حسين (48 عامًا) جولته في السوق، دون أن يخرج بأي طبخة، وقال إن “اليقطين” على سوء طعمه، تجاوز سعر الكيلو الواحد منه ثلاثة آلاف ليرة ويحتاج معه إلى كيلو بندورة بسعر مشابه، مضيفًا، “حتى اليقطين صار حلمًا، الله لا يسامحهم جوعونا وجوعوا ولادنا، وكرمال شو؟”.
وإن كانت الحبوب مستوردة وتخضع لسعر الصرف ما يبرر ارتفاع سعرها، فإن أسعار الخضراوات ارتفعت بشكل كبير ومنها الموسمية مثل الفاصولياء التي تجاوز سعر الكيلو الواحد منها 12 ألف ليرة، رغم أنها في “عز الموسم”.
وكذلك يتراوح سعر كيلو الطماطم (البندورة) بين 3500 إلى 4500 ليرة، والبامية بسعر 9000 ليرة، والبطاطا 3700 ليرة، وهذه الأسعار قابلة للزيادة.
ويتداول السوريون عبارات مثل “الدولة فرطت”، “جوعونا الله لا يوفقهم”، وانتقلت من الخفاء إلى العلن، نتيجة الظروف المعيشية المتدهورة واستمرار العجز الحكومي عن القيام بأي خطوة تضمن للسوريين حياة معقولة بالحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.
التسعير على دولار الـ15 ألف ليرة
مصدر في غرفة تجارة وصناعة دمشق، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن التسعير اليوم لكل المنتجات والسلع يتم على سعر دولار بـ15 ألف ليرة سورية، وليس على 9900 وهو السعر الرسمي، أو 12500 ليرة وهو سعر السوق “السوداء”.
وأضاف المصدر أنه مع كل ارتفاع جديد للدولار سواء في “السوداء” أو المركزي، فإن “دولار التسعير” يرتفع بذات المقدار، وذلك لضمان عدم خسارة التاجر، الذي سيبيع اليوم بسعر ويشتري غدًا بسعر آخر، “ويحق له ضمان عدم خسارة رأس ماله”.
نهاية حزيران الماضي وخلال جلسة لمجلس الأمن، حذّر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث من أن الصراع المستمر منذ 12 عامًا في سوريا دفع 90% من سكانها إلى العيش تحت خط الفقر، منبهًا إلى أن الملايين سيواجهون تقليصًا في المساعدات الغذائية في تموز الحالي بسبب نقص التمويل.
اقرأ أيضًا: الليتر بثلث الراتب.. أهالي اللاذقية يقتصدون في زيت الزيتون