رياضة بناء الأجسام حاضرة في شمال غربي سوريا
لم تمنع سنوات الحرب والظروف المعيشية المتردية في شمال غربي سوريا الشباب من ممارسة رياضة بناء الأجسام، إذ شهدت المنطقة افتتاح عدد من الصالات الرياضية، وسط إقبال كبير من الشباب على هذه الرياضة، التي غابت عن المنطقة في ظل ظروف الحرب.
يرتاد الشاب أحمد المحمد، وهو مهجر من منطقة الحص جنوب حلب إلى مخيم “مريم” شمالي إدلب، أحد النوادي الرياضية في مدينة معرة مصرين، بعد أن نصحه أحد أصدقائه بممارسة الرياضة إثر تردي حالته الصحية.
قال أحمد لعنب بلدي، بدا لي أن الحالة التي أعانيها هي من الضغوط النفسية التي رافقتنا طوال فترة النزوح، فقد تحسنت صحتي النفسية والجسدية بعد ممارسة الرياضة، التي وصفها بأنها “صديق الإنسان”، ويجب أن تكون مرافقة له مدى الحياة، ليكون قادرًا على القيام بمهامه وتأمين احتياجاته دون تعب وكسل.
ينصح أحمد أصدقاءه بارتياد الصالات الرياضية في المنطقة، فهي السبيل للحفاظ على صحة الإنسان ووقايته من الأمراض، في ظل الضغوط المعيشية والنفسية التي يعانيها سكان المنطقة، على حد قوله.
ويتفق الشاب العشريني إبراهيم المصطفى مع أحمد، وهو الآخر مهجر من ريف حلب إلى قرية دير حسان شمالي إدلب، فرغم تردي الوضع المادي، أصر على الالتحاق برياضة بناء الأجسام في إحدى الصالات الرياضية بمدينة الدانا شمال إدلب، رغبة منه في تحسين لياقته للحصول على “جسم متناسق”.
شهدت هذه الرياضة مؤخرًا “إقبالًا” ملحوظًا من قبل الشباب بهدف تحسين لياقتهم البدنية والمعالجة الفيزيائية لمصابي الحرب، كذلك شهدت افتتاح عدد من الصالات الرياضية، بالإضافة إلى وجود صالات خاصة بتدريب النساء والأطفال.
قال طارق المصطفى مدرب في صالة “الملك” الرياضية بمدينة معرة مصرين، إن هناك إقبالًا ملحوظًا على الرياضة في المنطقة من مختلف الأعمار، رجالًا ونساء.
وأضاف أن هناك اهتمامًا من ذوي الأطفال في تعليم أبنائهم رياضات “التايكوندو” (فنون قتالية كورية)، و“الكيك بوكسينغ“ (شكل من أشكال الملاكمة يعتمد على الركل واللكم، ويضم مجموعة من الرياضات القتالية المختلطة التي تشمل “الكيك بوكسينغ” الياباني، و”سافات”، و”ساندا”، و”المواي تاي”)، رغبة منهم بأن تكون صحة أولادهم جيدة بالتوازي مع تفوقهم الدراسي، فهي سبيل النجاح في الحياة، على حد تعبيره.
ونوه إلى أن الأمر لا يتوقف على بناء العضلات فحسب، فهناك تدريبات خاصة بـ”التنشيف” (تنشيف الجسم من الدهون من أجل الرشاقة)، واللياقة البدنية، بالإضافة إلى رفع الأثقال وتحسين مظهر الجسم، بهدف المشاركة ببطولات محلية على مستوى إدلب أو شمال غربي سوريا.
مصابو الحرب
خلّفت العمليات العسكرية التي شنها النظام السوري على شمال غربي سوريا عددًا كبيرًا من مصابي الحرب، ومنهم من أصيب بإعاقة جسدية ترافقه مدى الحياة نتيجة بتر بأحد أطرافه، إضافة إلى أن عمليات التعذيب في السجون تسببت بحدوث إعاقات.
لا يغيب عن الصالات الرياضية أشخاص من مصابي الحرب، ممن ينصحهم الأطباء بممارسة الرياضة لاستعادة لياقتهم، أو تحسين حركة أجسامهم.
لم تمنع الإعاقة مأمون الشون من ممارسة الرياضة، فقد شارك مع عدد من مصابي الحرب بعدة بطولات رياضية، أحدثها بطولة “الشهيد عبد الباسط الساروت” لكرة الطاولة، ورفع الأثقال لذوي الإعاقة من مصابي الحرب، فقد شارك 17 لاعبًا برفع الأثقال في مدينة الأتارب غربي حلب، وهو من ضمن عشرات المصابين الذين نظموا أنفسهم في رابطة أطلقوا عليها “رابطة مصابي الحرب“.
قال مأمون الذي يعاني إعاقة بطرفه السفلي الأيسر لعنب بلدي، إن هناك “أبطالًا“ في الشمال السوري من الرياضيين ذوي الإعاقة، ينتظرون الفرصة لفتح الحدود لهم للمشاركة في بطولات إقليمية وعالمية، سواء في السباحة، أو ألعاب القوى، مثل رمي الرمح ورمي القرص والكرة الحديدية، وفي كرة الطاولة من جلوس ووقوف، إضافة إلى رياضة رفع الأثقال.
ويشير أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عام 2022 إلى أن 28% من السوريين هم من ذوي الإعاقة.
وفي تقرير له عام 2020، ذكرت 36% من النازحين السوريين هم من ذوي الإعاقة، الذين ينحدرون من المناطق التي شهدت قصفًا مكثفًا من قوات النظام وحليفها الروسي، ويتوزعون في شمالي شرقي وشمالي غربي سوريا.
إقبال من الشباب
أسهم الاستقرار النسبي في المنطقة بدفع عجلة الرياضة إلى الأمام، فانتشرت الصالات الرياضية بشكل ملحوظ في المنطقة، بالتوازي مع افتتاح محال لبيع المعدات الرياضية الجديدة منها والمستعملة، التي في غالبها مستوردة إلى الشمال عبر المعابر مع تركيا، إضافة إلى محال بيع المتممات الغذائية التي ترافق اللاعب الرياضي.
قال أحمد شما، وهو مدير صالة “الوليد“ الرياضية في الدانا شمالي إدلب، “نعمل بكل طاقتنا لاستقبال الشباب الراغبين في ممارسة الرياضة في الصالة، من بناء جسم أو تخفيف وزن وتنشيف أو لياقة بدنية، فلدينا أكثر من مدرب محترف يتابع المتدربين في الصالة”.
وأضاف، “استوردنا جميع أجهزة الصالة من تركيا مطلع 2020 بأحدث التجهيزات والتقنيات، بالإضافة إلى وجود قسم خاص للمتممات الغذائية، التي يستعملها المدربون وفق نظام غذائي يوافق المعايير العالمية”.
وعن سبب إقبال الشباب على الرياضة قال شما لعنب بلدي، إن “الرغبة” بالحفاظ على جمالية أجسامهم وزيادة لياقتهم وقوتهم البدنية، هي العامل الأساسي لاتجاههم لممارسة الرياضة، مشيرًا إلى أن ممارسة الرياضة عامل مهم في نجاح أي شخص في حياته والحفاظ على راحته النفسية، في ظل الضغوط الحياتية التي يعيشها الناس في المنطقة.
بطولات محلية
بحسب عدد من مديري الصالات الرياضية، يوجد في محافظة إدلب قرابة 30 ناديًا رياضيًا لبناء الأجسام، يشرف عليها الاتحاد الرياضي العام، الذي يشرف على المسابقات والفعاليات الرياضية، كما يوجد في شمال حلب 12 ناديًا رياضيًا لبناء الأجسام، بالإضافة إلى صالات رياضية خاصة برياضة الجودو (فنون قتالية يابانية) و”التايكوندو” ومختلف ألعاب القوى البدنية.
وفق ما قاله أحمد شما، فإن الاتحاد الرياضي العام أشرف على إطلاق عدة مسابقات محلية على مستوى إدلب، شارك فيها عشرات اللاعبين من مختلف الأندية الرياضية في المنطقة، وسط حضور قوي ولافت، كما لاقت رواجًا واهتمامًا كبيرًا من قبل الشباب الذين تحمسوا للعب هذه الرياضات رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة.
تتراوح أجور التدريب في الصالات الرياضية بين ثمانية دولارات و35 دولارًا أمريكي شهريًا، وتختلف بحسب التجهيزات الرياضية داخل الصالة والخدمات المقدمة، من غرف تبديل ملابس وخزانات خاصة وحمامات وتدفئة مركزية بالإضافة إلى برامج غذائية وتدريب خاص من قبل مدربين مختصين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :