نحو 600 حالة جديدة شمالي سوريا منذ زلزال شباط
بانتظار موافقة تركيا.. مرضى السرطان يواجهون المصير الأسوأ
عنب بلدي – يامن مغربي
يعاني مرضى السرطان في مناطق شمالي سوريا إغلاق الباب أمام العلاج وتدني أعداد المرضى الذين تستقبلهم المستشفيات في تركيا، منذ كارثة الزلزال في 6 من شباط الماضي، مع عدم وجود مراكز كافية لمساعدتهم في الداخل، وسط اكتشاف ثلاث حالات يومية وفق أرقام رسمية، ومئات الحالات منذ الزلزال وحتى لحظة كتابة هذا التقرير.
آلاف السوريين من مرضى السرطان وغيره من الأمراض يعيشون مع آلامهم الجسدية اليومية، وينتظرون قرارًا من تركيا للسماح لهم بالدخول واستقبالهم للعلاج في مستشفياتها الحكومية.
وفي محاولة للفت الأنظار إلى معاناتهم، قرر العشرات من مرضى السرطان تنظيم اعتصام مفتوح قرب معبر “باب الهوى” الحدودي، بدأ في 22 من تموز الحالي، وسط تفاعل كبير من ناشطين ومنظمات مجتمع مدني عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
آلاف الحالات الطبية تواجه مصيرها
“بعت كل شيء، بقي بيتي فقط، ووضعت إعلانًا بالفعل لبيعه في أقرب وقت ممكن لإجراء العملية لابني”، قال والد الطفل محمد هيثم صطوف لعنب بلدي.
يعاني محمد “الساركوم” في اللثة، وهو أحد أنواع السرطانات التي تصيب العظام والعضلات، ويحتاج إلى مبالغ كبيرة لعلاجه.
محمد واحد من ثلاثة آلاف مريض سرطان في الشمال السوري، بينهم 65% من الأطفال والنساء، في حين يتم تشخيص ثلاث حالات يومية بمرض السرطان هناك، بحسب مدير المكتب الإعلامي لمديرية صحة إدلب، عماد زهران، الذي قال لعنب بلدي، إن 600 حالة تم تشخيصها بعد زلزال 6 من شباط الماضي، منها 150 طفلًا و200 امرأة.
وفق زهران، فإن هذه الإصابات بحاجة للدخول إلى تركيا لتلقي العلاج، وتحديدًا الإشعاعي منه.
مع الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي وشمالي سوريا، في 6 من شباط الماضي، أوقفت تركيا استقبال المرضى بعد الانهيار الذي أصاب القطاع الصحي والمستشفيات في تلك المناطق، واستمر القرار حتى إعلان معبر “باب الهوى” الحدودي، في 1 من حزيران الماضي، عن استئناف حركة العبور.
وقال زهران، إن عدم امتلاك المرضى بطاقات “الحماية المؤقتة” (الكملك) سبب ثانٍ لعدم استقبال الحالات.
في حين قال عضو المكتب الإعلامي في معبر “باب الهوى” مصطفى حلاق، لعنب بلدي، إن عدد المرضى الكلي ممن تم تحويلهم من المراكز الطبية المختصة في إدلب إلى تركيا، منذ 3 من أيار الماضي وحتى 17 من تموز الحالي، بلغ ألفًا و650 مريضًا، منهم 867 مصابًا بالسرطان، بينهم حالات قديمة وأخرى شُخّصت حديثًا، و783 لأمراض أخرى، دخل منهم 323 مريضًا فقط.
حاليًا هناك 608 حالات إصابة بالسرطان جديدة لم تتلقَّ أي علاج بحاجة للدخول إلى تركيا، بينها 91 طفلة وطفلًا، و282 أنثى، و235 رجلًا، بحسب حلاق.
وتسمح السلطات التركية فقط بدخول الحالات الإسعافية الضرورية بأعداد قليلة، بعد التنسيق المباشر بين المستشفى المحوّل إليه المريض والنقطة الإسعافية، أما الحالات “الباردة” (غير المستعجلة) فتدخل بعد الحصول على إحالة طبية جديدة من قبل الاختصاصي المعتمد، وفق مكتب التنسيق الطبي بمعبر “باب الهوى”.
ويعد حل الموضوع بالكامل بيد السلطات التركية، وسط تراكم حالات عدد كبير من مرضى السرطان في شمالي سوريا ممن يحتاجون إلى العلاج الكيماوي والإشعاعي في تركيا، وفق ما أوضحه مدير مكتب تركيا وشمالي سوريا لدى “الجمعية الطبية السورية- الأمريكية” (سامز)، مازن كوارة، لعنب بلدي.
وبحسب كوارة، تواصلت “سامز” مع منظمة الصحة العالمية وقطاع الصحة في مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) للغرض نفسه.
مدير القسم الاستشاري لمكتب “سامز” في تركيا، الدكتور عبد الرحمن العمر، قال لعنب بلدي، إن حزيران الماضي شهد تحويل 400 مريض إلى المستشفيات التركية، دخل 100 منهم فقط، مع تسجيل يومي لحالات جديدة، بينما شهد عام 2022 تشخيص ألف و400 حالة جديدة لمرضى السرطان.
الإعلامي علاء الدين إسماعيل المقيم في إدلب، وهو أحد المصابين بالسرطان (لديه كتلة في الجفن العلوي للعين اليمنى)، قال لعنب بلدي، إن المبالغ المطلوبة لعلاجه بشكل كامل (عمليات الاستئصال والتجميل والجرعات الإشعاعية)، تصل إلى 20 ألف دولار أمريكي.
إسماعيل قال لعنب بلدي، إن الحالات التي سمحت الدولة التركية بدخولها للعلاج هي فقط الحالات التي تملك بطاقات “الحماية المؤقتة” (كملك)، وهناك حالات تحتاج شهريًا إلى ألفي دولار أمريكي تكلفة علاجها، بالإضافة إلى الصعوبات المتعلقة بالحصول على أذون السفر للتنقل بين الولايات التركية لدى تحويلهم إلى مستشفيات أخرى داخل تركيا، والمواعيد المتفاوتة بين الجرعات.
“من الضروري جدًا تسهيل دخول الحالات بأسرع وقت، مرضى السرطان لا يمكن تأخير علاجهم، وهناك حالات توفيت بسبب التأخير”، قال إسماعيل.
اعتصام مفتوح حتى الدخول للعلاج
مع ازدياد معاناة مرضى السرطان وانتظار دخولهم إلى تركيا، قرروا تنظيم اعتصام مفتوح حتى تنفيذ مطالبهم، ضمن حملة ينظمها ناشطون ومنظمات مجتمع مدني حملت شعار “أنقذوا مرضى السرطان”، تهدف لدخول 608 مرضى، مع مرافق واحد على الأقل، اكتشفت حالاتهم بعد الزلزال.
المنسق الإعلامي في الحملة، أحمد رحال، قال لعنب بلدي، إن حالة المرضى الصحية لا تنتظر التأخير، وفكرة وإدارة الحملة جاءت من المرضى أنفسهم، وتحاول منظمات مجتمع مدني وناشطون مساعدتهم.
ولا يوجد أي تنسيق بين المرضى وأي جهة رسمية، سواء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، أو في تركيا، وفق رحال.
وأصدرت الحملة، في 21 من تموز الحالي، بيانًا اطلعت عليه عنب بلدي، طالبت فيه السلطات التركية بتسهيل الدخول الفوري للمرضى إلى المستشفيات التركية، وإيجاد آلية مستدامة تكفل هذا الأمر، كما طالبت المجتمع الدولي بالإسراع في إيجاد آلية جديدة لتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود، ومنها المساعدات الطبية الخاصة بمرضى السرطان والأمراض المستعصية الأخرى، أو إنشاء مراكز علاج متنقلة، وتقديم هذه المساعدات دون الحصول على موافقة النظام السوري.
“ندرك مشكلات تركيا الحالية بعد الزلزال، لكنها دولة كبيرة وبإمكانها إيجاد الحلول، لأن السرطان لا ينتظر”، قال رحال لعنب بلدي.
معوقات العلاج في الشمال السوري
يوجد في مناطق الشمال السوري، حاليًا، أربعة مراكز لعلاج أمراض الدم والأورام، أكبرها الموجود في مستشفى “المحافظة” بإدلب، ويضم ثلاث عيادات للبالغين وعيادتين للأطفال، ومركز في مستشفى “باب الهوى”، بالإضافة إلى المراكز الموجودة في مستشفى “الباب”، ومستشفى “جرابلس” في ريف محافظة حلب.
أحد أبرز معوقات العلاج في شمالي سوريا تتعلق بغياب العلاج الإشعاعي والعلاج المناعي والأدوية للسرطانات غير المدعومة، وهي ذات أسعار مرتفعة للغاية.
مدير القسم الاستشاري لمكتب “سامز” في تركيا، الدكتور عبد الرحمن العمر، أوضح لعنب بلدي أن “سامز” تدعم حاليًا ستة أنواع من جرعات أدوية السرطان بشكل كامل، وهي سرطانات الثدي و”الليمفوما الهوتشكين” و”الليمفوما لا هوتشكين” والقولون والمبيض والخصية، كما تدعم ابيضاض الدم لدى الأطفال، وخدمة تسريب الدم ومشتقاته والتشريح المرضي (استحدث مؤخرًا)، بإشراف اختصاصيين من الولايات المتحدة الأمريكية، وخدمة الكشف المبكر لسرطان الثدي.
وبالإضافة إلى معوقات الأدوية، تعد قوانين دخول المرضى إلى تركيا أبرز معوقات العلاج، كما أن مناطق الشمال السوري تشهد قصورًا بدعم الجهود الحالية، وتصدير الدواء من تركيا إلى سوريا.
ازداد حجم الجرعات المطلوبة للمرضى من الأطفال إلى 260% و50% للبالغين، وهذا “عبء كبير جدًا يحتاج إلى إمكانيات دولة”، بحسب العمر.
وتشير إحصائيات مركز الأورام في مستشفى “المحافظة” بإدلب إلى استفادة ألفين و63 مريض أورام من العلاج خلال أيار وحزيران الماضيين.
فيما بلغ عدد المستفيدين من الجرعات الكيماوية 909 أشخاص، ومن الأطفال 85 مستفيدًا.
ووفق العمر، أحالت “سامز” 362 مريضًا فوق 18 عامًا للعلاج في تركيا خلال حزيران الماضي، بالإضافة إلى 61 طفلًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :