حشود على ضفتي الفرات.. من يشعل الفتيل

  • 2023/07/23
  • 11:50 ص

مقاتلون من أمريكا ورسيا وإيران (تعديل عنب بلدي)

خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم

 منذ انتهاء السيطرة الجغرافية لتنظيم “الدولة الإسلامية” شمال شرقي سوريا، تحولت المنطقة إلى نموذج مصغر لتداخل القوى المتصارعة دوليًا، بأدوات محلية متعددة بينها فصائل مدعومة إيرانيًا، غرب نهر الفرات، وأخرى تدعمها أمريكا شرق النهر.

وبينما تشهد المنطقة توترًا مستمرًا بين روسيا والولايات المتحدة، بسبب خروقات لبروتوكول التنسيق الجوي بين الطرفين، يجري التحشيد عسكريًا لحلفاء أمريكا على ضفة الفرات الشرقية، ولحلفاء إيران على الضفة الغربية، وسط حديث محلي عن عملية عسكرية محتملة ليس هناك ما يؤكدها، مع تسريبات صحفية غربية تشير إلى تحضير إيراني لمهاجمة القواعد الأمريكية في المنطقة.

بالمقابل، وبالتزامن مع توتر العلاقة بين قوى محلية في منطقة النفوذ الأمريكي، يعود الحديث عن مشروع “الحزام العشائري” إلى الواجهة، وهو ما تتباين آراء المحللين بشأن إمكانية تطبيقه.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع باحثين ومتخصصين، تداعيات التحشيد العسكري على جانبي الفرات، واحتمال تصادم الأطراف، وسط حديث عن تغييرات أمريكية في الهيكلية العسكرية بالمنطقة.

تحركات تنذر بتصعيد

على مدار الأيام الماضية، أرسلت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تعزيزات عسكرية إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات شرقي محافظة دير الزور، مؤلفة من مدرعات تابعة لقوات “المهام الخاصة” (الكوماندوز) وأخرى من فصيل “الصناديد”.

وتزامنًا مع التغييرات العسكرية التي أجرتها “قسد” شرقي المحافظة، أثير الحديث عن مواجهات مقبلة بين الفصيل المدعوم أمريكيًا والميليشيات الإيرانية التي تسيطر على غرب النهر.

وبينما نفى المركز الإعلامي لـ”قسد” نية الفصيل الكردي شن عمل عسكري ضد قوات النظام والميليشيات الإيرانية الحليفة لها، تحدث قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لـ”قسد” عن عملية عسكرية تستهدف قرى دير الزور غرب النهر، وهي الحسينية والصالحية وحطلة ومراط وطابية جزيرة ومظلوم وخشام، وتقع جميعها شرق نهر الفرات.

الباحث بالشأن الكردي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، قال لعنب بلدي، إن الحشود العسكرية شرق الفرات بدأت بعد تقارير صحفية أمريكية تتحدث عن أن الميليشيات الإيرانية تستعد للهجوم على القواعد الأمريكية هناك.

ولم تقتصر الحشود العسكرية على جانب واحد، إنما بدأ الجانب الإيراني بالحشد أيضًا على الضفة المقابلة للنهر، وأيضًا دفع النظام السوري بقواته إلى المنطقة نفسها، مصحوبًا بأسلحة ثقيلة.

وأضاف الباحث أن لقاءات واجتماعات عُقدت بين بعض الفصائل شمال شرقي سوريا والقوات العسكرية الموجودة في قاعدة “التنف” بإشراف أمريكي، لتشكيل فصيل عسكري من أهالي المنطقة الشرقية.

الحديث عن التشكيل العسكري المحلي الذي قد تدعمه واشنطن شرقي سوريا، جاء، بحسب الباحث، بعد زيارة قادة أمريكيين إلى مناطق “قوات الصناديد” شرقي الحسكة (من أبناء قبيلة شمر).

وتابع شيخ علي أن الخطة الأمريكية التي تتمحور حول تشكيل الفصيل الجديد، تعمل على إحداث حزام عشائري عربي لقطع الطريق على الميليشيات الإيرانية، انطلاقًا من شرق الفرات، مرورًا بمدينة البوكمال شرقي دير الزور، ووصولًا إلى قاعدة “التنف” شرقي حمص.
ومطلع حزيران الماضي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريرًا تضمّن وثائق “سرية” تتحدث عن خطة إيرانية لمهاجمة أمريكيين في سوريا.

وأشار التقرير إلى أن الخطة الإيرانية ليست إلا جزءًا من استراتيجية تدعمها موسكو مؤخرًا في سوريا.

عناصر من مجلس دير الزور العسكري في بلدة جديد عكيدات شرقي در الزور (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

 خلافات داخلية

مع استمرار توافد التعزيزات العسكرية من جانب “قسد” إلى ريف دير الزور الشرقي، وتحديدًا إلى خطوط التماس مع النظام السوري على ضفة نهر الفرات الغربية، انتشر تسجيل صوتي لقائد “مجلس دير الزور العسكري”، أحمد الخبيل، سلّط فيه الضوء على خلاف داخلي بين فصيله والقيادة المركزية بـ”قسد”.

وإلى جانب الخلافات الداخلية التي أشار إليها الخبيل، تحدث عن خلافات بين عشائر المنطقة من بينها عشيرته “البكير”، بحسب تسجيل مسرب منفصل سبق الأول بأيام.

وعبّر الخبيل عن رفضه لوجود “مندوب سامٍ” من “قسد” في دير الزور، وشبّه سياسة “قسد” في المنطقة بسياسة “الاحتلال الفرنسي”، وأشار إلى أن المحافظة ذات الطبيعة العشائرية لا يحكمها إلا أبناء عشائرها.

وورد في التسجيلات، أن “مجلس دير الزور العسكري” يواجه عدوين، الأول داخلي يتمثل ببعض القياديين في “قسد” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، والآخر خارجي هو تركيا والنظام السوري.

وأشار إلى أن قواته في كامل استنفارها لمواجهة أعدائه الداخليين والخارجيين على الصعيد العسكري.

حاولت عنب بلدي التواصل مع المركز الإعلامي لـ”مجلس دير الزور العسكري” للحصول على معلومات حول هذه التطورات، لكنه رفض الإدلاء بأي تصريحات.

الناطق الإعلامي السابق باسم “قوة المهام المشتركة” المشكّلة من قبل التحالف الدولي، مزاحم السلوم، علّق عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك” على الأنباء التي تتحدث عن عمل عسكري، معتبرًا أن الحديث عن تعزيزات لتحرير أجزاء جديدة من محافظة دير الزور من النظام السوري هو ادعاءات كاذبة.

وأضاف أن الأرتال العسكرية جُمعت في المنطقة لشن حملة تستهدف ميليشيات محلية مسلحة، ومجموعات عشائرية أخرى في محافظة دير الزور.

السلوم أشار إلى أن الهدف الرئيس من هذه التحركات، هو رغبة “قسد” بالسيطرة على ثروات دير الزور ومواردها.

قوات التحالف الأمريكية خلال تدريبات في سوريا عام 2020 (الجيش الأمريكي)

توتر أمريكي- روسي- إيراني

في 14 من تموز الحالي، نقلت شبكة “CNN” الأمريكية عن مسؤول أمريكي رفيع، لم تسمِّه، أن طائرة استطلاع روسية حلّقت فوق قاعدة أمريكية في سوريا “لفترة طويلة” بمهمة جمع معلومات استخبارية.

وفي تقرير أعده موقع “المينتور“، قال مسؤول عسكري أمريكي “كبير”، لم يسمِّه، إنه رأى مؤشرات على أن القادة العسكريين الروس في سوريا ينسقون بهدوء مع “الحرس الثوري الإيراني” بشأن خطط طويلة الأجل للضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد.

الباحث السياسي الروسي ديميتري بريجع، يرى أن لروسيا تفاهمات مع إسرائيل ودول عربية أخرى في المنطقة، تقوم على لجم الميليشيات التي شكّلتها إيران في سوريا، وهو ما يقلل من فرص الصدام بين القوى الكبرى في سوريا.

من جهته، اعتبر الباحث أسامة شيخ علي، أن إيران تحاول كسر فترة الهدوء الطويلة التي خيّمت على عدة ملفات تهمها.

وأضاف أن ملف المفاوضات النووية الإيرانية، وملف التدخل الأمريكي في العراق والاستعصاء السياسي فيه، إلى جانب توقف خط الغاز من إيران إلى العراق، تحولت تسوياتها إلى الساحة السورية، حيث يمكن إيصال الرسائل بين الأطراف.

التوتر الإيراني- الأمريكي ليس بجديد على المنطقة، إذ تتكرر حالات القصف المتبادل بين ميليشيات موالية لإيران والقواعد العسكرية الأمريكية في الشرق السوري، لكن التوتر الأمريكي- الروسي أضيف إليها مؤخرًا، على خلفية خروقات جوية يتبادل الطرفان الاتهامات فيها.

في حديث سابق لعنب بلدي، قالت مديرة الشؤون العامة للقوات الجوية الأمريكية الوسطى (AFCENT)، تيريزا سوليفان، إن لدى قوات التحالف والقوات الروسية في سوريا “بروتوكولات راسخة” ومتفقًا عليها لمنع تعارض عمليات الجانبين.

وأضافت أن الطائرات الروسية في سوريا تعمل منذ مدة بطريقة “غير آمنة وغير مهنية”، بحسب سوليفان، التي اعتبرت أن روسيا تتقصد تنفيذ “مناورات عدوانية” وارتكاب عمليات توغل غير متفق عليها في مناطق العمليات الأمريكية بوتيرة متزايدة.

ومن جانب آخر، تكرر حديث روسيا رسميًا عن أن طياري القوات الجوية الأمريكية “ينتهكون بروتوكولات عدم الصدام في سوريا”، بحسب ما قاله نائب رئيس “المركز الروسي للمصالحة” في سوريا، الأدميرال أوليغ غورينوف.

وذكر غورينوف أن الطيارين الأمريكيين ينشّطون أنظمة الأسلحة عند اقترابهم من طائرات القوات الجوية الروسية في سوريا، بحسب ما نشرته قناة “روسيا اليوم” الروسية نهاية أيار الماضي.

هل تصطدم الأطراف؟

لا تزال الحشود العسكرية مستمرة على ضفتي نهر الفرات، وبدأت بالتزامن مع تدريبات عسكرية أمريكية مع حلفاء محليين شمال شرقي سوريا.

في 4 من تموز الحالي، أعلنت قوة المهام المشتركة الأمريكية في سوريا عن البدء بمناورات عسكرية مشتركة مع “شركائها المحليين” شمال شرقي سوريا، بعد يوم واحد من انتهاء مناورات مماثلة في قاعدة “التنف” الأمريكية على الحدود العراقية- الأردنية- السورية، شرقي سوريا.

وفي اليوم نفسه، أعلنت “المهام المشتركة” عن عمليات تفجير “مسيطر عليها” للذخائر غير المنفجرة شرق الفرات في محافظة دير الزور أو بالقرب منها، وأضافت أن العملية تهدف لـ”حماية التحالف والسكان المحليين”.

يرى الباحث الروسي ديميتري بريجع، أن احتمال الصدام العسكري بين الأطراف غير وارد، حتى لو كانت المؤشرات الميدانية تقول عكس ذلك، ومن المرجح أن تقتصر الأوضاع على التنافس والمناوشات.

الباحث والمحلل السياسي التركي عمر أوزكيزيلجيك، استبعد حدوث صدام بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، إذ يرى أن لا مصلحة لأي من الطرفين بتصعيد الأمور في سوريا.

وأضاف أوزكيزيلجيك أن روسيا مشغولة بأوكرانيا، والولايات المتحدة ليست لديها سياسة واضحة تجاه سوريا، باستثناء الحفاظ على الوضع الراهن، وبالتالي لن يحدث صدام.

هذا الأمر لو حصل سينقطع الطريق البري الذي يربط طهران ببيروت مرورًا بسوريا والعراق، هذا يعني انقطاع شريان الحياة الذي يغذي ميليشيات إيران في كل من سوريا ولبنان، بحسب ما قاله الباحث التركي.

من جهته، يرى الكاتب والمحلل في الشأن الإيراني مروان فرزات، أن احتمال الصدام مستبعد خصوصًا مع الوعي الإيراني أن المنطقة الشرقية في سوريا هي “خاصرتها الرخوة”، مع أنها سعت منذ سنوات لتعزيز قدرات أذرعها العسكرية في سوريا ولبنان بعدد كبير من الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيّرة، وحتى إنها نقلت لأذرعها جزءًا من تقنيات تصنيع بعض هذه الأسلحة لكي يكونوا قادرين على المحافظة على وجودهم حتى في حال انقطع الدعم الإيراني عنهم.

ولم تجِب القيادة المركزية الأمريكية عن أسئلة وجهتها عنب بلدي حول التحركات العسكرية الحاصلة في المنطقة.

تدريبات عسكرية لجنود أمريكيون على الأسلحة المضادة للطيران- 3 من كانون الثاني 2022 (العزم الصلب)

 مشروع “الحزام العشائري”

الحديث عن مشروع “الحزام العشائري”، ورغبة أمريكية بتغيير الأوضاع بما يتماشى مع احتياجات شمال شرقي سوريا، منها تعزيز التمثيل العربي، دونه عوائق كما يرى الباحث في الشأن الكردي أسامة شيخ علي.

ويعتقد الباحث أن دعم المكوّن العربي في المنطقة، أو تشكيل فصيل عربي على حساب الإدارة الكردية شرق الفرات، أمر “بعيد عن التطبيق”، إذ لا رغبة أمريكية للاستثمار بفصيل عسكري جديد، خصوصًا أن واشنطن ترى تجربة “قسد” ناجحة.

لكن خيار ممارسة ضغوط على “قسد” لتوسيع المشاركة العربية هو احتمال وارد، والمقصود هنا هو دعم بعض الفصائل العربية داخل “قسد” وتحت مظلتها، لا إنشاء فصيل عسكري جديد خارج إطار الفصيل المسيطر على المنطقة ككل.

حركت المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الأمريكية و”شركائها المحليين” شمال شرقي سوريا، المياه الراكدة لمشروع أمريكي يتمثل بتسليح عدد من العشائر والقوى والفصائل العربية، بدءًا من محاذاة المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق جنوبي سوريا، وصولًا إلى الحدود العراقية- السورية وامتداد البادية، ويُعرف المشروع بـ”حزام عشائري” شرقي سوريا.

مشروع أمريكي لم يؤكده أي مصدر رسمي، يتكرر طرحه مع أي حراك سياسي أو زيارات أو اجتماعات لشخصيات أمريكية مع المكوّن العشائري أو فصائل عربية قديمة لإعادة إحياء دورها وتنفيذ “الحزام”.

الحديث عن المشروع عاد إلى التداول والواجهة الإعلامية مؤخرًا عبر بحث قدّمه القيادي السابق المنشق عن “هيئة تحرير الشام” في إدلب صالح الحموي، معتبرًا أنه وصل إلى مرحلة التنفيذ، في حين كانت شرارة المشروع الأولى بعد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في آذار 2020، انتقد إقصاء المكوّن العربي عن مفاصل اتخاذ القرارات داخل المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”.

ومنذ 2020، طُرح المشروع إعلاميًا مع كل تحرك أمريكي في المنطقة، أحدثها في كانون الثاني الماضي بعد زيارة وفد أمريكي إلى “لواء ثوار الرقة” في مقر “الفرقة 17″، ولقائه بقائده أحمد علوش (أبو عيسى)، مع تداول أنباء عن إرسال أسلحة ومعدات أمريكية إلى مقر “الفرقة”.

ما المشروع؟

لا توجد صياغة موحدة أو مسودة واضحة للمشروع الأمريكي، لكن الخطوط العريضة المتداولة بشكل غير رسمي تركز على عدد من النقاط وهي:

– تشكيل قوة عشائرية عربية سنّية من التشكيلات العربية المكوّنة مع “قسد”.

– إضافة تشكيلات عشائرية جديدة.

– تغيير بعض القيادات التي اعتمدتها أمريكا في ريف دير الزور.

– تغيير بعض المسميات كـ”مجلس دير الزور العسكري”، وإمكانية دمجه مع التشكيلات الجديدة.

– الربط والتنسيق بين القوات وبين قاعدة “التنف”.

ولم تجِب القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) عن أسئلة وجهتها عنب بلدي حول المشروع.

قوات “جيش سورية الحرة” وقوات أمريكية في منطقة التنف جنوبي سوريا – 4 من تموز 2023 (جيش سورة الحرة)

“حزام” يصطدم بالممر الإيراني

رغم وضوح بنود المشروع الذي لم يبصر النور بشكل رسمي من واشنطن، فإنه يستهدف رقعة جغرافية معقدة تتقاسم السيطرة عليها روسيا وإيران وأمريكا وحتى تركيا، وهذه القوى لها أهدافها المعلَنة والمبطنة، وتطبيق مثل هذا المشروع يمكن أن يغير خارطة النفوذ في سوريا.

في الحديث عن قوى النفوذ شرقي سوريا، تتصدر إيران المشهد، وتعد مدينتا البوكمال والميادين شرقي دير الزور بمنزلة الثقل العسكري لقوات وميليشيات تابعة لإيران موجودة في المنطقة منذ سيطرة النظام السوري بدعم إيراني- روسي عليها عام 2017.

وجود إيران في المنطقة الشرقية هو جزء من هدفها بإنشاء ممر “طهران إلى البحر المتوسط“، إذ كانت تخطط سابقًا للوصول عبر منطقة التنف جنوبي سوريا، لكن دخول قوات التحالف خلط الأوراق، وجعل أنظارها تتجه نحو البوكمال لتجنب الاقتراب من مواقع القوات الأمريكية.

في المقابل، تنتشر عدة قواعد أمريكية شرقي سوريا، وتمتد على الشريط الحدودي المحاذي للعراق، وشهدت الأشهر الماضية تصعيدًا بين الطرفين وصل إلى استهداف متبادل في آذار الماضي، وبتوجيه من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أذن وزير الدفاع الأمريكي، أوستن تايس، لقوات القيادة المركزية بشن ضربات دقيقة ضد المنشآت التي تستخدمها الجماعات التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني”.

وجاءت التوترات الأمنية حينها ردًا على مقتل متعاقد أمريكي وإصابة ستة آخرين بهجوم بطائرة دون طيار استهدف منشأة صيانة في قاعدة للتحالف بالقرب من محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية، واتهمت ميليشيات مدعومة من إيران بالاستهداف، في حين لم تعلن إيران مسؤوليتها حينها.

الكاتب والمحلل في الشأن الإيراني مروان فرزات، قال لعنب بلدي، إن إيران لن تتخلى بسهولة عن هذه المنطقة الاستراتيجية من سوريا، إذ توجد فيها قاعدة “الإمام علي”، وهي من أكبر وأهم القواعد الإيرانية في المنطقة، وغيرها من القواعد المهمة الأخرى.

وأضاف فرزات أن إيران زوّدت خلال الأشهر الماضية قواعدها وميليشياتها بعدد كبير من الطائرات المسيّرة الانتحارية، وبعدد من الصواريخ القصيرة المدى.

“الأذرع الإيرانية تستطيع ضرب القواعد الأمريكية بسهولة وإيقاع خسائر بالجنود، وتراهن إيران بذلك على إحراج إدارة بايدن أمام الرأي العام والشارع الأمريكي”.

مروان فرزات

كاتب ومحلل في الشأن الإيراني

الباحث في الشأن السوري عرابي عرابي، اعتبر أن فكرة المشروع الأمريكي لا تزال قائمة لكنها لم تنضج، ويمكن اعتبارها خطة بديلة “ب” و”ج”، لافتًا إلى أن المشروع الأساس شرقي سوريا يهدف إلى تمكين “قسد” إداريًا وعسكريًا.

وقال عرابي لعنب بلدي، إن مشروع “الحزام” يلزمه سياق داخلي وخارجي وإقليمي حتى يتحقق، مستبعدًا انسحاب وتراجع إيران من المنطقة الشرقية، ومرجّحًا إمكانية وجود حالة تفاهم وهدنة طويلة الأمد بين إيران وأمريكا، مع ترجيحات بعدم التزام إيران بهذا الأمر.

معسكران على ضفتي الفرات

المشروع “يتعثر” بـ”قسد”

يقابل مشروع “الحزام العشائري” وإعادة إحياء دور العشائر المهمّش شرقي سوريا، مشروع آخر تحمله “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قسد” بإقامة كيان مستقل أو حكم ذاتي، ومع عودة هذا الملف إلى الواجهة، تتجه الأنظار نحو “قسد” وموقفها.

الباحث والمحلل السياسي التركي عمر أوزكيزيلجيك، قال إن الاستثمار في عرب الشرق السوري يعتبر مشروعًا “ميمونًا وسهلًا”، وأكثر من ممكن من الناحية النظرية، لكن فريق بريت ماكغورك والقيادة المركزية الأمريكية هم من يتخذون قرارات السياسة الأمريكية في سوريا، وهذا الفريق يرى في و”حدات حماية الشعب” (“YPG” وهي نواة “قسد”) شريكهم.

وأضاف أوزكيزيلجيك لعنب بلدي، أن فكرة المشروع جاءت من الزاوية التي دفعت أمريكا نفسها إليها، إذ أدت الشراكة مع “وحدات حماية الشعب” إلى عزل الولايات المتحدة في سوريا، وإذا استمرت هذه السياسة، فستنسحب الولايات المتحدة في النهاية من سوريا وستمنح إيران وروسيا النصر.

“إذا لم تقرر الولايات المتحدة الأمريكية الانفصال عن (وحدات حماية الشعب)، فإن أي مشروع للاستثمار في العرب أو الكيانات الكردية السورية البديلة سيفشل”.

عمر أوزكيزيلجيك

باحث ومحلل سياسي تركي

ومن منظور الديناميكيات المحلية، يرى أوزكيزيلجيك أن “وحدات حماية الشعب” لا تسمح ببديل، إذ سبق وحلّت “لواء ثوار الرقة” العربي، الذي كان حليفًا لها في حربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، ويُنظر إلى هيكل الحكم الذي تفرضه “الوحدات” على العرب السنّة القبليين المحليين على أنهم “غرباء”.

بحاجة إلى “مقاربة” مع تركيا

لا تتوافق السياسة الأمريكية في سوريا مع عدة أطراف وقوى حاضرة في المنطقة، أبرزها تركيا التي تكنّ العداء لـ”قسد”، وسبق أن شنت ضد الأخيرة ثلاث عمليات عسكرية مع “الجيش الوطني السوري” شمالي وشمال شرقي سوريا، وتتاخم حدود نفوذها مع مناطق سيطرة “قسد”، وهي متأثرة بأي مشروع يحدث في المنطقة.

الباحث أوزكيزيلجيك قال، إن إقامة هيكل مسلح من العرب السنّة القبليين المحليين في مناطق سيطرة “قسد”، يحتاج إلى قوة تصد “وحدات حماية الشعب”، وهذه القوة لا يمكن إلا أن تكون تركيا و”الجيش الوطني السوري”، وفي حال عدم تعاون أمريكا مع تركيا في إنشاء نهج مشترك تجاه سوريا فلا يمكن لهذه المحاولات أن تنجح.

مركز الأبحاث الأمريكي “Hudson Institute” نشر تقريرًا أعده أوزكيزيلجيك مع الزميل في المركز مايكل دوران، وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط، تضمن ست خطوات للنجاح في توحيد مجالات النفوذ التركية والأمريكية في سوريا، وإعادة تنشيط الشراكة في العلاقات بينهما.

أبرز الخطوات الست كانت إخلاء “الوحدات” من مناطق دير الزور شمال شرقي سوريا، من خلال فصل “مجلس دير الزور العسكري” عن “قسد”، وإخلاء “الوحدات” من محافظة الحسكة، وإشراك روسيا وتجنب المواجهة معها، وقطع ممر الإمداد الإيراني.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات