عنب بلدي – حسن إبراهيم
لقب عكرمة بات المحبب لدى الشاب يوسف منذ أطلقه عليه والده قبل خمس سنوات، على الرغم من صعوبة إقناع أصدقائه ومعارفه باللقب.
يستجيب الشاب لرغبة والده الذي أطلق عليه اللقب عندما كان يخوض ضمن فصائل المعارضة معارك في مطار “أبو الظهور العسكري” بريف إدلب الجنوبي الشرقي.
وأوضح الشاب (19 عامًا) أنه كان يجد لقب عكرمة غريبًا وثقيلًا حين كان عمره (14 عامًا)، ولم يكن يفضّل مناداته به، لكن إصرار والده على مناداته به عزز ذكر الاسم وحضوره في العائلة، ولم يكن ذلك طفرة حينها بعد إطلاق والده لقب “أبو حوراء” على شقيقه الأكبر مالك (17 عامًا)، الذي كان يحب ذلك اللقب.
“أبو معاوية” والد الشابين، والقيادي في “هيئة تحرير الشام” بإدلب (رفض الكشف عن اسمه) قال لعنب بلدي، إن السبب في اختيار لقب عكرمة كان نسبة إلى الصحابي عكرمة بن عمرو بن هشام الذي عُرف عنه شجاعته وفروسيته وإقدامه، أما “أبو حوراء” فكان حبًا بصديق وهو “جهادي سعودي” كان يحمل اللقب واستشهد في معارك “أبو الظهور”.
ألقاب بعضها يرتبط بشخصيات من التاريخ الإسلامي، وبعضها الآخر له دلالة على حادثة معيّنة أو سلاح أو اختصاص، أُطلقت على أطفال دون سن الـ18 عامًا، ورافقتهم لسنوات، تبدو عادية بمناطق شمال غربي سوريا ذات الطبيعة المحافظة دينيًا والمعقدة عسكريًا، لكنها تشكّل عبئًا على الأطفال، وقد يدفعون ثمنًا اجتماعيًا وأمنيًا باهظًا مقابلها مستقبلًا.
دوافع وأسباب متعددة خلف كل لقب، سواء اختاره الطفل أو العائلة، أو فرضته البيئة المحيطة، فتحت الباب أمام تساؤلات عن أثر الألقاب على شخصية الطفل وسلوكه ونفسيته، وآثارها في حالات عدم توافق رغبة الأب وطموح الابن، ومدى ارتباط الألقاب بثقافة المجتمع وطبيعة الأحداث الحاصلة فيه.
لكل لقب قصته
يشعر “أبو معاوية” بالفخر والمباهاة حين ينادي الناس ولديه باللقبين اللذين اختارهما، إذ يرى فيهما “قوة وجسارة”، معتبرًا أن معنى الألقاب ينعكس على الشخصية والسلوك.
محمد (19 عامًا)، يقيم في ريف إدلب الشرقي، ويطلق على نفسه لقب “قسورة”، قال إنه اختاره لإعجابه به، ولأنه “متداول ودارج”، ولا يلقى اللقب قبولًا من عائلته، في حين يواصل رفاقه مناداته به منذ ثلاث سنوات.
ورافق لقب “بتار الشامي” الشاب عبد الرحمن (21 عامًا) لمدة خمس سنوات، قبل مقتله في ريف حلب الشرقي، بقصف مصدره مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عام 2022، وكان عنصرًا في “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
صديق الشاب أوضح لعنب بلدي أن عبد الرحمن اختار لقب “بتار الشامي” لأنه كان يرى فيه “قوة وشجاعة”، ولا يعلم ما إذا كانت هناك دوافع أخرى وراء اللقب.
ارتبطت بعض الألقاب بحوادث بقيت عالقة في أذهان أصحابها والمقربين منهم، كما في حالة الشاب “أبو عبدو ميج” (22 عامًا)، المنحدر من داريا بريف دمشق، وسبب التسمية أنه خرج حيًا من استهداف بغارة جوية لطائرة من نوع “ميج” بريف دمشق قبل سبع سنوات تقريبًا.
وبات “أبو عبدو ميج” اللقب الذي ينادى به إلى اليوم ويتعايش معه، ويشتهر به بين معارفه وأصدقائه حيث يقطن في الشمال السوري بعد تهجيره من ريف دمشق عام 2016، ومعظم من يعرفونه نسوا اسمه السابق.
تنطبق الحال على “أبو نبيل عبوات” الذي أُطلق عليه اللقب منذ عام 2013، وكان عمره حينها (18 عامًا)، وهو مهجر من ريف دمشق، كان يعمل بتصليح الأجهزة الكهربائية، ولديه خبرة بالأسلاك والبطاريات، وتقاطع عمله مع نظام عمل العبوات الناسفة التي كانت تُصنع محليًا، ولا يزال اللقب يرافقه.
لبعض الألقاب التي تعرفنا إلى أصحابها ارتباط بأسماء الصحابة أو مقاتلين عبر التاريخ، مضافًا إليها اسم المنطقة التي ينحدر منها الشخص أو اسم الفصيل التابع له، مثل “أبو الدرداء أحرار” (21 عامًا) من مدينة الباب بريف حلب الشرقي، ويحمل اللقب منذ خمس سنوات، و”خطاب السراقبي” (17 عامًا)، واسمه علاء وينحدر من سراقب شرقي إدلب، ويحمل اللقب منذ ثلاث سنوات.
ضغط نفسي وفجوة بين الطفل والأب
منسق الحماية وبناء القدرات في منظمة “حراس الطفولة”، محمد زياد اليسوف، اعتبر أن إطلاق الألقاب يؤثر على الأطفال بشكل مباشر وغير مباشر، لافتًا إلى أنها سلاح ذو حدين، لها سلبياتها الكثيرة، ولها إيجابياتها في حال تمت وفق نهج وفهم لشخصية الطفل وقدراته.
وأوضح اليسوف في حديثه لعنب بلدي، أن إطلاق الألقاب يؤثر على ثقة الأطفال بأنفسهم، ويقلل من نسبة التعاون، ويخلق عند بعضهم شعور العدائية والحقد والعنف، وينعكس سلبًا على تفاعلهم وعلاقاتهم الاجتماعية.
وعن إطلاق بعض الآباء ألقابًا على أطفالهم للفخر، وبهدف إظهار القوة والشجاعة لدى الأبناء، يرى اليسوف أن من المهم معرفة قدرات الطفل، لأن مثل هذه الألقاب تدفعه إلى الشعور بالضغط حتى يحقق توقعات الأب، والشعور بالقلق من أن قدراته لا تمكنه من مواكبة ما يطمح له الأب.
وتابع اليسوف أن هذا الضغط لدى الطفل يخلق لديه الشعور بالذنب وعدم الرضا، وانخفاض التقدير للذات، ويزيد التوتر، ويمكن أن يخلق صراعًا في العلاقة بينه وبين الأب، وبالتالي تخلق هذه الألقاب فجوة بين رغبة الأب وطموح الابن.
ومن جانب آخر، اعتبر اليسوف أنه في حال تعامل الأب بحذر ووعي ومعرفة لقدرات الطفل بشكل جيد، فيمكن أن تشجع بعض الألقاب على تطوير قدرات الطفل واكتشاف أماكن ونقاط القوة لديه واستيعابها بشكل ملائم، دون الضغط عليه مع تجنب خلق آثار سلبية، وبالتالي الوصول إلى شعور الفخر وتقوية العلاقة والتفاعل.
وتختلف الألقاب من مجتمع لآخر وبين منطقة جغرافية وأخرى، وترتبط بالواقع المعاش، وهي جزء أساسي من ثقافة المجتمع المرتبطة بالعادات والتقاليد والقيم، ويمكن أحيانًا أن تعزز بعض الألقاب المتداولة بكثرة شعور الطفل بالانتماء إلى مجتمعه، وتزيد من فرصه في الاندماج والتواصل والتفاعل، وفق اليسوف.
ويرى اليسوف أن استخدام الألقاب ذو تأثير سلبي في الغالب، وينعكس على صحة الطفل النفسية، لافتًا إلى ضرورة انتباه الأهل والبيئة المحيطة من أقارب ومعلمين إلى أضرار الألقاب، والعمل على تعزيز الانتماء والإيجابية لدى الطفل، وتقوية ثقته واعتزازه بنفسه.
أرقام تستحضر مآسي الأطفال
انعكس واقع النزاع في سوريا على الأطفال فكانوا أول الضحايا منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، وتركت الحرب آثارها على أجسادهم وشخصياتهم وسلوكهم ونفسيتهم.
تقارير لمنظمات معنية بالأطفال وأخرى إنسانية، تؤكد بشكل دوري أن ظروف الحرب في سوريا من قتل وقصف وتهجير، دمرت شعور الأطفال بالأمان، وحملت تهديدات كبيرة لصحتهم النفسية ونموهم، خاصة أن معظمهم كانوا شهودًا أو سمعوا أو عاشوا على الأقل حدثًا صادمًا واحدًا.
في 4 من حزيران الماضي، الموافق لليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء، وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 30 ألفًا و34 طفلًا بينهم 198 بسبب التعذيب في سوريا، 71% من الحصيلة على يد النظام، منذ آذار 2011 حتى تاريخ البيان.
وقالت “الشبكة”، إنه لا يكاد يمر انتهاك يتعرض له المجتمع السوري دون أن يسجل ضمنه أطفال، وقد تراكم حجم هائل من العدوان على الأطفال على مدى السنوات الـ12 الماضية.
وأصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تقريرًا، في آذار 2022، قالت فيه إن ثلث الأطفال السوريين يُظهرون علامات الضيق النفسي كالقلق والحزن والتعب واضطرابات النوم المتكررة.