نشرت دار “الرواد” في دمشق، عام 1955، كتاب “الحياة الحزبية في سوريا” للمؤلف محمد حرب فرزات، وبعد عقود، أعاد “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” نشره في طبعة ثانية عام 2019.
يقدم الكتاب دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية في سوريا بين عامي 1908 و1955، وهي سنوات مهمة للغاية في تاريخ البلاد.
شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة العثمانية، التي كانت سوريا تتبع لها قبل الحرب العالمية الثانية، ظهور حركات سياسية عديدة، اتخذ بعضها طابعًا قوميًا تركيًا، وكذلك الأمر في البلاد العربية التابعة للعثمانيين، ومنها سوريا، التي نشأ فيها بعد إعلان الدستور الثاني (يسمى أيضًا “المشروطية”) جمعية “الإخاء العربي- العثماني”، و”المنتدى الأدبي” وحزب “اللامركزية”، والأخير بحسب الكتاب هو أوسع حركة سياسية قام بها العرب في العهد التركي.
وبشرح الكتاب لهذه التفاصيل التاريخية التي تسبق نشوء المملكة السورية في عام 1918، يمكن فهم طبيعة الحركات السياسية التالية التي ظهرت في سوريا، وكان لها الدور المؤثر في الصراع مع العسكر والانقلابات، والديمقراطية السورية في الخمسينيات.
كما يشرح الكتاب تاريخ الحركات السياسية السرية في أيام الدولة العثمانية، وموقفها من الحرب العالمية الأولى، قبل أن يخصص فصلًا كاملًا للحياة الحزبية في عهد المملكة السورية التي استمرت عامين فقط (1918- 1920).
من خلال ثمانية فصول و261 صفحة من القطع الكبير، يشكّل الكتاب مرجعًا مهمًا في التاريخ السياسي السوري، إلى جانب كتب أخرى لا تقل أهمية، مثل “مذكرات خالد بك العظم” (رئيس وزراء سوريا الأسبق)، و”أوراق هاشم الأتاسي” (الرئيس السوري الأسبق)، و”أوراق جميل مردم بك” (سياسي سوري ويعتبر تاريخيًا من الآباء المؤسسين للجمهورية السورية)، وهي كتب يوصي بها المؤلف نفسه في الكتاب، للاطلاع بشكل أكبر على تلك الفترة التاريخية.
وعلى عكس كتب التاريخ السياسي السوري، التي ركزت على الأحداث السياسية ومواقف الشخصيات السياسية السورية ما قبل وصول حزب “البعث العربي الاشتراكي” إلى سدة الحكم عام 1963، ثم حافظ الأسد في عام 1971، يشرح الكتاب تاريخ وظروف نشأة الأحزاب السياسية، ما يعني اطلاع القارئ على التجربة السياسية والاجتماعية في سوريا من زاوية مختلفة بعيدة عن الصورة النمطية لمرحلة الخمسينيات، لأن الصراعات السياسية بين هذه الأحزاب لم تقتصر على أسباب سياسية معتادة، بل شملت أفكارًا عقائدية واجتماعية ودينية في بعض الأحيان، وعليه يمكن تحليل طبيعة الحياة السياسية بشكلها الاجتماعي وتأثيراتها على مستقبل سوريا.
وكمثال على هذا الأمر، ومن خلال عودة الكتاب للحديث عن بداية العمل السياسي في السنوات الأخيرة لانهيار الدولة العثمانية، يمكن فهم أسباب انتشار المد القومي العربي في سوريا، وتأييد شرائح اجتماعية من السوريين للوحدة مع مصر بين عامي 1958 و1961.
من محمد حرب فرزات؟
ولد محمد حرب فرزات في دمشق عام 1933، وهو وفق موقعه الرسمي على الإنترنت، أستاذ جامعي ومؤرخ وباحث مختص في حضارة ما بين الرافدين في سوريا والعراق.
حصل حرب على إجازة في التاريخ وفي التربية من جامعة “دمشق” عام 1954، ثم على دكتوراه من جامعة “السوربون” الفرنسية عام 1972، بعد إيفاده من جامعة “دمشق” إلى باريس للتخصص في التاريخ القديم، كما كان عضوًا في لجنة كتابة تاريخ العرب وهيئة الإشراف على مجلة دراسات تاريخية في جامعة “دمشق”.
إضافة إلى المقالات والأبحاث التاريخية، وعمله في قطاع التدريس في عدد من الجامعات بين قطر وفرنسا، ألّف فرزات ثلاثة كتب، “الحياة الحزبية في سوريا”، و”قطر على بحر الخليج العربي”، و”نظام حضري في المشرق العربي القديم قبل الإسكندر”.