رفع البنك المركزي التركي، أسعار الفائدة في تركيا، للمرة الثانية على التوالي، منذ تسلم رئيسة البنك المركزي التركي، حفيظة غاية أركان، عقب تعهدها باتباع سياسة نقدية مغايرة وأكثر تقليدية من تلك المتبعة في تركيا منذ سنوات.
وفي 20 من تموز الحالي، رفع المصرف أسعار الفائدة إلى 17.5% على عمليات إعادة الشراء (الريبو) لأجل أسبوع، وذلك بعد أن رفعها في حزيران الماضي إلى 15% بدلًا من 8.5%.
عقب الرفع الأول لأسعار الفائدة، تأثرت قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية هبوطًا بنسبة كبيرة، إذ كان سعر صرف الدولار قبل القرار يعادل نحو 23.5 ليرة تركية، وانخفضت خلال شهر واحد لتسجل نحو 26.7 ليرة، فيما لا تعتبر نسبة انخفاض الليرة بعد قرار رفع الفائدة الثاني كبيرًا، إذ وصلت لنحو 26.9 ليرة للدولار الواحد.
ومنذ تعيين وزير المالية الجديد، محمد شيمشك، في 3 من حزيران الحالي، ورئيسة البنك المركزي التركي، حفيظة غاية أركان، في 9 من الشهر نفسه، بدأ العمل على سياسة نقدية مغايرة وأكثر تقليدية من تلك المتبعة في تركيا منذ سنوات.
وترافق تعيين الشخصيتين الاقتصاديتين البارزتين في البلاد مع توقعات بإدارة اقتصادية مختلفة، تتضمن مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، والاستقرار المالي، عبر العمل على السياسات المالية التقليدية المصممة لجذب رؤوس الأموال العالمية إلى البلاد، الأمر الذي لم يتحقق للآن.
وفي 5 من تموز الحالي، أعلن معهد الإحصاء التركي الحكومي (TUIK) عن تسجيل معدل التضخم في تركيا ارتفاعًا خلال حزيران الماضي بنسبة 3.92% على أساس شهري، بالمقابل، انخفاض المعدل السنوي إلى 38.21%، بينما سجل 39.59% في أيار الماضي.
ما الهدف؟
في 6 من تموز الحالي، قال وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، إن برنامجه الاقتصادي الجديد في تركيا يضم ثلاثة مكوّنات رئيسة، وإن الهدف الأول من السياسة الاقتصادية الجديدة التي سيمضي بها، استعادة الانضباط المالي، أي تخفيض عجز الميزانية إلى مستوى يتوافق مع معايير “ماسترخت“، مع استثناء تأثير الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 من شباط الماضي.
ويتمثل المكوّن الثاني لبرنامج شيمشك بالتشدد التدريجي بالسياسة النقدية وسياسة الدخل، بما يتماشى مع هدف التضخم، بهدف خفضه إلى خانة الآحاد على المستوى المتوسط.
وأخيرًا، سيعمل الوزير على عديد من الإصلاحات الهيكلية (دون أن يحددها) التي ستجعل الاستقرار المالي الكلي والمكاسب الأخرى دائمة، وفق قوله.
سنتين على الأقل
الباحث في مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى “أيام”، الحاصل على ماجستير في الاقتصاد الدولي، حسن الشاغل، قال إن نتائج السياسة الاقتصادية الجديدة المتبعة في تركيا تعتمد على عدة سيناريوهات، والتي لا يمكن أن تظهر قبل سنتين، لأن السياسة النقدية المتبعة سابقًا كانت سياسة “مضرة جدًا” بالاقتصاد التركي، وأثرت بشكل سلبي كبير عليه.
وأوضح الشاغل، في حديث إلى عنب بلدي، أن الفريق الاقتصادي الجديد يحتاج إلى ما لايقل عن سنتين لإعادة استقرار الاقتصاد، وليس لتحقيق التنمية، المرحلة التي تحتاج لوقت أطول.
رفع تدريجي
قبل رفع أسعار الفائدة الأول بمقدار 650 نقطة أساس، كان من المتوقع رفع أسعار الفائدة أكثر من ذلك، فسر محللون متخصصون ذلك، بأن هذه الخطوة لرئيسة البنك المركزي التركي، حفيظة غاية أركان، ربما تشير إلى وجود مجال محدود لديها للتصدي لقوة التضخم تحت إشراف الرئيس التركي، وفق ما نقلته وكالة “رويترز“.
الباحث الاقتصادي، حسن الشاغل، يعتقد من جهته، أن الحكومة التركية لا تقوم برفع أسعار الفائدة بشكل يساوي نسب التضخم، لأن ذلك سيؤدي بشكل مباشر إلى ركود لن يكون بصالح الاقتصاد أو الحزب الحاكم، وذلك لوجود انتخابات البلديات المحلية في تركيا بعد عدة أشهر.
وفي ظل المعطيات الاقتصادية الحالية، يعد التدرج برفع أسعار الفائدة التوجه المنطقي للحكومة، وفق الشاغل.
وفي البيان الصادر عن المصرف المركزي التركي، تعهدت لجنة السياسة النقدية بتعزيز التشدد النقدي “بقدر ما هو مطلوب” في الوقت المناسب وبطريقة تدريجية، لتحقيق تحسن في توقعات التضخم، مشيرة إلى أنها ستحدد سعر الفائدة بطريقة تخلق الظروف النقدية والمالية اللازمة لضمان تراجع التضخم والوصول إلى هدف التضخم البالغ 5% على المدى المتوسط.
مرحلة تحتاج توجهات موازية
تشير العديد من الآراء الاقتصادية إلى أن تطبيق سياسة رفع سعر الفائدة ليس الحل الأمثل لتحقيق استقرار الأسعار خاصة في الاقتصادات الناشئة، فربما ينجح نسبيًا في الاقتصادات الكبرى لكنه ذو آثار سلبية علي الاستثمار والاستهلاك لا يمكن تجاهلها.
وبالتالي تحتاج تركيا إلى حزم من السياسات النقدية والمالية تعمل بالتوازي على فتح شهية الأسواق وتحفيزها وليس تحجيمها، كما سيفعل رفع الفائدة.
الباحث حسن الشاغل، يرى أنه في هذه المراحل من سوء الأوضاع الاقتصادية، يعتبر الشعب الأكثر تأثرًا، إذ ستعود السياسات التقشفية في الضرائب على الشعب بشكل مباشر، مع الإشارة إلى حجم الآثار السلبية أيضًا على الاقتصاد.
ولخفض الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية المتبعة حاليًا، أوضح الشاغل، أنه يجب أن تعمل الحكومة في هذه المرحلة على جذب استثمارات أكبر للدولة، خاصة الاستثمارات المباشرة التي تدخل في العملية والدورة الاقتصادية التي يمكن أن تحقق نوع من الاستقرار الاقتصادي، ونوع من عدم ارتفاع نسبة البطالة.
وقد يكون الاعتماد أيضًا على الخدمات والسياحة جزء مهم في الاقتصاد التركي، لكن سياسة الحكومة التركية المتبعة مؤخرًا في تعاملها مع اللاجئين والعرب في تركيا، قد تؤثر بدرجة كبيرة على نسبة السياحة، وفق الباحث.