تسرع “أم محمد” المقيمة في مدينة إدلب شمال غربي سوريا ملهوفة إلى جارتها الناشطة الحقوقية حلا إبراهيم، بعد أن علمت أن زوجها ينوي نقل أملاكه لأبنائه وحرمان بناته من الميراث، بهدف استشارتها لثنيه عن هذا القرار.
قالت السيدة التي تحفظت على التعريف عن اسمها الصريح لأسباب اجتماعية، لعنب بلدي، إن والد زوجها حرم أخوات زوجها من الميراث، وعلى نفس المنوال سار زوجها الذي حاول حرمان بناته من الميراث، “حتى لا تنتقل الأموال لرجل غريب خارج العائلة، وحتى يبقى أبناؤه الذكور متحكمين بمصير أخواتهم البنات”، وفق تبريره.
أضافت السيدة أن هذه الظاهرة سيئة وظالمة تخالف الشريعة الإسلامية والقوانين وجميع الأعراف والعادات والأخلاق السليمة، ويجب العمل على الحد منها ومكافحتها، مشيرة إلى أنها فور علمها بنية زوجها، توجهت للحقوقية حلا إبراهيم لعلمها بأنها ناشطة في مجال حماية حقوق المرأة، واستطاعت بدورها إقناع زوج السيدة بالعدول عن قراره، وتسجيل بعض أملاكه لبناته في السجل العقاري.
خلافات لعقود
“أم حسين” سيدة أخرى تقيم في مدينة إدلب أيضًا، رفضت التعريف باسمها الصريح لأسباب اجتماعية، قالت لعنب بلدي، إنها حُرمت وأخواتها من ميراث والدها الذي نقل جميع أملاكه لإخوتها الذكور قبل وفاته.
أوضحت السيدة أن والدها توفي قبل 12 عامًا، وبعد انتهاء مراسم العزاء اكتشفت أنه نقل جميع أملاكه لإخوتها الذكور، الذين بدورهم رفضوا إعادة حقوق أخواتهم، وفق قولها، لتبدأ منذ ذلك الوقت الخلافات بين الطرفين، وتصل إلى حد المقاطعة حتى يومنا هذا.
هيام صالحة مقيمة في مدينة إدلب، قالت لعنب بلدي، إن إخوتها الذكور رفضوا أيضًا بعد وفاة والدها قبل تسعة أعوام توزيع الميراث حسب الشرع، و”رفضوا منحنا حقوقنا أنا وأخواتي البنات لاعتقادهم أن هذه الأموال هي ثمرة جهدهم وعملهم مع والدي في الزراعة، وهي حق لهم وحدهم”، وفق تعبيرها.
“بعد رفضهم منحنا مستحقاتنا وحقوقنا توجهنا للقضاء” بحسب ما قالته هيام صالحة، مشيرة إلى أن ذلك أدى لخلافات شديدة في العائلة، ما استدعى تدخل الأقارب لحل المشكلة، التي انتهت بتنازل السيدة عن بعض حقوقها بناء على رغبتها بعدم استمرار القطيعة بينها وبين إخوتها، بحسب تعبيرها.
“ظاهرة”
حلا إبراهيم، ناشطة حقوقية تعمل لدى “رابطة المحامين السوريين الأحرار” في إدلب، قالت لعنب بلدي، إن عادة حرمان المرأة من الميراث “ظاهرة متفشية” في مجتمعنا، معتبرة أن تأخير تقسيم التركة وضعف المرأة وخجلها من المطالبة بحقوقها، وحبها لإخوتها الذكور ورفضها الدخول معهم في خلافات من الأسباب الرئيسة لتفشي هذه الظاهرة.
المحامي ماهر السطوف، قال لعنب بلدي، إن هناك سببًا آخر لانتشار هذه الظاهرة، يتمثل بعمل الأبناء إلى جانب والدهم طوال حياتهم سواء في الزراعة أو الصناعة دون تخصيص مقابل هذا العمل، ما يؤدي غالبًا إلى شعور الأبناء بأحقيتهم في هذه الأموال، وبالتالي العمل على إقناع والدهم بنقل ملكية الأموال للأبناء العاملين وحرمان بقية الإخوة من الميراث سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا.
عقود وهمية أو هبة
تتعدد أساليب حرمان النساء من الميراث، من أبرزها عقود البيع الوهمية والهبة، بالإضافة إلى وسائل غير قانونية تتمثل بامتناع الذكور عن منح النساء حقوقهن دون وجه حق.
الحقوقية حلا إبراهيم قالت، إن هناك تحايلًا على القانون والشرع من قبل الآباء والأبناء لحرمان الإناث من الميراث، كهبة الأموال من قبل الأب للأبناء دون البنات أو البيع، مضيفة أنه في حال عدم نجاح الذكور بإقناع مورثهم بنقل الملكية لهم دون أخواتهم الإناث، يمتنعون عن منح الإناث حقوقهن الشرعية والقانونية من التركة دون وجه حق ما يؤدي إلى خلافات وقطيعة وحقد بين الإخوة والأخوات.
التوعية حدّت منها
ترى الناشطة الحقوقية حلا إبراهيم أن تطور المجتمعات ودخول الوسائل الإلكترونية الحديثة ودورها في التثقيف والتوعية، لا سيما القانونية والدينية، ساعد إلى حد كبير في الحد من هذه الظاهرة عمومًا، بحسب قولها.
وتابعت إبراهيم أن “رابطة المحامين السوريين الأحرار” بذلت جهودًا حثيثة في الحد من هذه الظاهرة، إذ أطلقت عديدًا من الندوات والمحاضرات والدروات لتوعية المجتمع حول حقوق المرأة خصوصًا الميراث، وآثار هذه الظاهرة السلبية على المجتمع والفرد، والمسؤولية المترتبة على الحرمان سواء القانونية أو الشرعية.
المحامي ماهر السطوف، أشار إلى ضرورة تضافر الجهود للحد من هذه الظاهرة، وعدم اقتصار حملات التوعية على النساء بل تنظيم حملات للرجال وتعريفهم بحقوق أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم الشرعية والقانونية.
وزير العدل في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، القاضي شادي محمد الويسي، قال لعنب بلدي، إن الوزارة كسلطة قضائية دورها تطبيق الأحكام الشرعية وإنصاف المرأة المدعية وإعادة حقها.
وأشار الويسي إلى أن وزارة الأوقاف تقوم بحملات توعوية وندوات عن حرمة منع المرأة من ميراثها، لافتًا إلى أن دور وزارة العدل يقتصر في هذا السياق على تزويد الأوقاف بتقارير عن الأماكن التي يتنشر فيها هذا الموضوع دون منح إحصائيات دقيقة حول مدى انتشار “الظاهرة”.
–