تتوالى التأكيدات الدولية والأممية حول عدم أمان سوريا لعودة السوريين إليها، بينما تنتشر الصور الدعائية والمقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، تحث السياح العرب والأجانب لزيارة البلد، ما يتسبب بحوادث خطف لبعضهم في أثناء جولاتهم السياحية.
وفي 17 من تموز الحالي، ناشد الأردني عماد الفتياني الجهات المعنية في الأردن وسوريا لتقديم المساعدة في معرفة مصير ابنه الذي اختطف في سوريا حين كان ذاهبًا للسياحة منذ نهاية حزيران الماضي، برفقة شخص آخر تعرف عليه في أثناء سفره.
وأكد والد الشاب المختطف، لقناة “رؤيا” الأردنية، أنه سافر إلى دمشق للبحث عن ابنه، وقد أبلغ وزارة الخارجية الأردنية بانقطاع الاتصال مع ابنه دون فائدة.
ولا ينتمي علي ابن عماد إلى أي أحزاب سياسية أو فكرية، وليس لديه سجل جنائي، وفق والده.
ونقلت صحيفة “أخبار الأردن” عن يحيى الفتياني، شقيق علي المختطف، قوله إنّه كان على تواصل مع الشابين وتأكد من دخولهما إلى الأراضي السورية، مرجحًا اختطاف شقيقه وصديقه في سوريا من قبل “ميليشيات مسلحة” على حد تعبيره، مشيرًا لعدم اتصال أي أحد معهم بهذا الشأن.
وتتكرر حوادث اختطاف الأردنيين في سوريا، منهم من يعود وآخرون لا يعرف مصيرهم، وتحدثت وسائل الإعلام الأردنية عن تعرض رجل الأعمال الأردني، وليد قطيش، نهاية العام الماضي للاختطاف على يد جماعة مجهولة طالبت بدفع فدية بقيمة 100 ألف دينار أردني (141 ألف دولار) مقابل الإفراج عنه.
وقال موقع “خبرني” الأردني، مطلع العام الحالي، إن “وزارة الخارجية الأردنية، تتابع قضية المواطن الأردني قطيش”، وإنهم يجرون المتابعات الرسمية بالتنسيق مع القائم بأعمال السفارة الأردنية لدى دمشق.
وبعدها بأيام، عاد المواطن الأردني لبلاده دون توضيح رسمي من قبل السفارة الأردنية حول الجهة الخاطفة أو طريقة استعادة مواطنها.
ومنذ الأيام الأولى لإعادة فتح المعبر بين البلدين، تعرض أردنيان للخطف في سوريا، وتلقى والد أحد المخطوفين الذي يعمل سائقًا لشاحنة، اتصالًا من مجهولين يطلبون فيه فدية لقاء إطلاق سراح ابنهم المختطف.
وبعدها بأسبوعين، فُقد أثر زوجين أردنيين داخل الأراضي السورية بعد دخولهما بهدف السياحة، ليتبين أنهما معتقلان في سجون النظام السوري بتهمة التصوير في مناطق عسكرية.
مروجون بأهداف متعددة
شهدت مناطق نفوذ النظام السوري منذ العام الماضي، زيارات للعديد من المؤثرين (اليوتيوبرز) الأجانب والعرب، يتحدثون خلال مقاطعهم المصورة، عن بيئة “آمنة واقتصادية ومزدهرة”، بعد مرور أكثر من عشرة سنوات على ما يصفونه بـ”الحرب في سوريا”.
وبرز عدة أصناف من هؤلاء المؤثرين لأهداف متعددة، دون الأخذ بعين الاعتبار عرض الواقع الحالي الذي يعيشه معظم السوريون، إذ يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر بحسب بيانات الأمم المتحدة.
يهدف بعض المؤثرين، الذين يروجون لزيارتهم إلى سوريا عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، إلى زيادة شعبية قاعدتهم، وكسب المزيد من المتابعين، عن طريق وضع عناوين تبرز تميز هذا “اليوتيوبر” بالوصول إلى البلد سيء السمعة دوليًا، وإثباته ما يعكس ذلك في مقاطعه.
وتتنوع عناوين المقاطع المصوّرة التي يقدمها “اليوتيوبرز” أو”الفلوجرز” عن سوريا، بما يظهر “البلد الآمن” و”الأسعار الزهيدة”، وما تحتويه من تجارب اجتماعية، وجولات بمعالم أثرية، وأكلات سورية، دون التعرض للأماكن التي طالها قصف النظام، أو الحديث بما يخالف روايته عن “الحرب على سوريا”.
في حين تُظهر تعليقات السوريين على تلك المقاطع، التي يروّج بعضها في صفحات الإعلام المحلي، نوعًا من السخرية والاستنكار، إذ لا تعكس هذه الصورة الوردية الواقع في سوريا.
وأظهر تقرير لمجلة “نيولاينز” الأمريكية، في 13 من تموز الحالي، انتشار مقاطع لجيل الشباب الزائر لمناطق نفوذ النظام في سوريا، على منصة “تيك توك”، يصورون فيها زياراتهم وذهابهم للحفلات وطعامهم في أفخم المطاعم على أنه “وجه سوريا الحقيقي”.
وأفاد التقرير بتفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء بعد عام 2011، واندثار الطبقة الوسطى، لتبقى الثروة في أيدي المرتبطين بشكل وثيق بالنظام السوري بينما يكافح بقية الشعب من أجل لقمة العيش.
وفي تقرير مشترك لمنظمة “The Observers” وقناة “فرانس 24“، في نيسان الماضي، أكد الرابط بين المؤثرين الغربيين الذين يزورون سوريا، والنظام السوري، عن طريق المرشدين السياحيين الملزمين بمرافقتهم، حتى أن أحد المرشدين لديه روابط عائلية مع نائب وزير السياحة في حكومة النظام السوري.
ويروج المؤثرون لفكرة “سوريا التي طويت صفحة الحرب”، على عكس الواقع مع وجود قصف على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وانتهاكات حقوق الإنسان التي لا تزال تحدث.
وتدفع الانتقادات التي يتعرض لها “اليوتيوبرز” إلى تقديم بعضهم اعتذارات عن الصورة الناقصة التي قدموها، والاعتراف بأن عدم التحدث حول الانتهاكات “الفظيعة” التي ارتكبها النظام في المقاطع كان لسلامتهم، وكذلك الاعتراف بأن سوريا غير آمنة، وخصوصًا للذين هربوا منها حفاظًا على حياتهم.
واعتذر “اليوتيوبر” الأردن، قاسم الحتو، المعروف بـ”ابن حتوتة”، عن مقطع مصور ظهر فيه علم النظام السوري، خلال زيارته لدمشق في 2019، مؤكدًا أن ما حصل في البلاد هو نتيجة حراك شعبي وثورة.
ويستفيد نوع آخر من المروجين، وبالأخص من الأردن، حيث عروض مكاتب السياحة والسفر لزيارة سوريا، من إظهار مميزات “جولة سياحية مميزة إلى سوريا بتكلفة اقتصادية وخدمات مؤمنة”، دون التطرق إلى المخاطر الأمنية، حيث اختطف بعض الأردنيون، في سبيل زيادة أعداد السائحين عبر الشركة السياحية.
وظهر من تركيا، نوع من المؤثرين السياسيين الذين ذهبوا إلى سوريا، بغير أهداف مادية، وإنما لغايات سياسية.
وكشف حزب “النصر” التركي المعروف بمعاداته للاجئين، في 11 من تموز الحالي، أن وفدًا بدأ زيارة لمناطق نفوذ النظام، تتعلق أهدافها بمسألة اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا وسبل عودتهم لبلادهم.
وكانت السياسية التركية عضوة الحزب “الديمقراطي”، إيلاي أكسوي، قد زارت دمشق قبلها بأيام، بثت خلالها مقاطع مصورة تكذب فيها اللاجئين السوريين في تركيا، زاعمة أن “لا حرب في سوريا، والأمور عادت لطبيعتها”، وهي التي اشتهرت بالتحريض على السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
اعتماد عند النظام
اعترف معاون وزير السياحة في حكومة النظام السوري، غياث الفراح، أن قدوم صانعي محتوى “يوتيوبرز” متابعين “بشكل كبير” إلى سوريا، يروج للسياحة في البلاد “بشكل كبير”، عند مشاركتهم لقطات في أثناء زيارتهم لأماكن في سوريا على منصة “يوتيوب”.
وقال الفراح في لقاء مع إذاعة “ميلودي اف ام” المحلية، في تموز 2022، إن ترويج “اليوتيوبرز” يُغني عن المشاركات الخارجية للوزارة في المعارض السياحية، وأضاف أن زيارات صانعي المحتوى تجري بالتنسيق مع المكاتب السياحية واتحاد غرف السياحة مع الوزارة.
وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، قال في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، في 28 من أيار الماضي، إنه من المتوقع أن يصل عدد القادمين لسوريا خلال العام الحالي لمليونين ونصف مليون، على أن يكون 700 ألف شخص منهم سياح.
واعتبر الوزير، أن أول من يعول عليهم في الموسم السياحي المقبل هم المغتربون السوريون، داعيًا المغتربين خاصة ممن يقيمون في دول الخليج لزيارة سوريا ودعم الاقتصاد فيها، ثم في المرتبة الثانية يأتي السائحون العرب، وبالأخص من دول الخليج، بعد “الانفتاح السياسي” الذي شهده النظام مع بعض الدول العربية وعودته للجامعة العربية.
وشارك النظام السوري الشهر الماضي، عبر مارتيني في مؤتمر أعمال اللجنة الإقليمية للشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية، في الأردن، مشيرًا حينها إلى ضرورة تفعيل التبادل والنقل البري بين سوريا والأردن للأفراد والمجموعات السياحية، والترويج لسياحة الاستشفاء والسياحة العلاجية.
وبحسب مرتيني، فإن 5% من إجمالي عدد السياح القادمين إلى سوريا جاؤوا للعلاج، وهم من جنسيات أردنية ولبنانية وعراقية وخليجية ومغتربين، على حد قوله.