حريق ساروجة يلتهم جزءًا من تاريخ دمشق

  • 2023/07/19
  • 2:48 م
انهار منزل أمير الحج الدمشقي السابق عبد الرحمن باشا اليوسف بشكل كامل 18 من تموز 2023 (AFP)

انهار منزل أمير الحج الدمشقي السابق عبد الرحمن باشا اليوسف بشكل كامل 18 من تموز 2023 (AFP)

ليلة الأحد، 16 من تموز الحالي، التهم حريق في منطقة ساروجة بدمشق معالم تاريخية وبيوتًا شهدت على تاريخ المدينة القديمة لأكثر من 200 عام.

اندلع الحريق في بيت مجاور لبيت أمير الحج الدمشقي السابق، عبد الرحمن باشا اليوسف، وامتد لعشرات البيوت والمحلات التجارية في المنطقة، وهدم بيوتًا كاملة، بحسب ما أظهرت الصور التي تداولها سوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية.

إضافة إلى بيوت تاريخية، تحتوي المنطقة التي طالها الحريق متاحف خاصة بمدينة دمشق.

ماذا احترق في ساروجة؟ 

طالت النيران، إضافةً إلى بيت اليوسف، جزءًا من دار العظم، أحد أبرز العائلات الدمشقية التي لعبت دورًا محوريًا في الحياة السياسية السورية في القرن العشرين، في المرحلة التي سبقت وصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا عام 1963، وفق تصريحات المدير العام للآثار والمتاحف، نظير عوض لـ”تلفزيون الخبر” المحلي، في 16 من تموز الحالي.

بالإضافة إلى بيوت ومحلات تجارية تعود ملكيتها لسكان المنطقة.

تشغل “مديرية الوثائق التاريخية”، قسمًا من منزل العظم، في حين يمتلئ بيت اليوسف بالزخارف والمشغولات الخشبية.

تهدمت جدران منزل عائلة العظم في دمشق، وهي عائلة لعبت دورًا سياسيًا هامًا في سوريا 18 من تموز 2023 (AFP)

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يصدر أي تصريح من حكومة النظام السوري عن حجم الأضرار، أو أعداد البيوت والمحلات المتضررة،  أو أسباب الحريق.

ويتلاصق بيتا اليوسف والعظم، وكانا في الأصل ملكًا لشخص يدعى سليمان كيلار أميني، واستأجرته القنصلية البروسية (الألمانية حاليًا) في عام 1849.

أظهرت صور نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية (AFP)، أنقاضًا في منزل العظم وسقوط جدران كاملة، فيما أتت النيران تقريبًا على منزل عبد الرحمن اليوسف.

وفي 2016، التهمت النيران جزءً كبيرًا من سوق “العصرونية”، ونشب حريق آخر في سوق “الحميدية الأثري” عام 2022.

ما الوثائق التاريخية التي تضمها المديرية؟

المؤرخ سعد فنصة، قال لعنب بلدي، إن الوثائق الموجودة “مديرية الوثائق التاريخية”  تشكل “المخزون التاريخي لدمشق”، مع وجود مخطوطات وكتب قديمة وصور، والنفوس العثماني وأشجار نسب العائلات الدمشقية.

من غير الأكيد حتى لحظة كتابة هذا التقرير، تسجيل خسائر في الوثائق التاريخية، وفق فنصة، إذ نقل جزء من الوثائق والآثار المهمة عام 2012.

وسبق لفنصة أن شغل منصب مدير التصوير والأرشيف الأثري والتوثيق في متحف دمشق.

ومن بين الوثائق التي احتواها المتحف ، مراسلات والي دمشق مدحت باشا إلى السلطان عبد الحميد الثاني، تحتوي على شرح للأوضاع السياسية لبلاد الشام، وتفاصيل اتصالات حكومات فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مع عدة طوائف سورية، وفق فنصة.
ولا يعرف إن كانت الوثائق ضمن ما نقل في 2012 أم لا.

حي ساروجة في مدينة دمشق، 25 آذار 2022 ( حسان حسان / عنب بلدي )

في دراسة أعدها الباحث في تاريخ دمشق، عماد الأرمشي، اطلعت عليها عنب بلدي، ينقسم المتحف (متحف دمشق التاريخي) إلى عدة قاعات، يعرض فيها أثاث دمشقي قديم (موزاييك وصدف مطعّم بالفضة ومفارش البروكار).

أما الوثائق، فتضم صورًا لملوك ورؤساء عرب، وصورًا لسوريا في حقب مختلفة، وأكثر من خمسة ملايين وثيقة ومخطوطة يعود بعضها إلى 500 عام.

كما يحتوي على مجموعة من سجلات المحاكم الشرعية لدمشق وحلب وحماة وحمص يصل عددها إلى ألفين و500 سجل، يضم كل سجل منها 300 وثيقة نادرة، وسجل خاص بمدينة غزة الفلسطينية، ومجموعة من الأوامر السلطانية باللغة التركية، وكتب تركية مترجمة وسجلات المحاكم التجارية وأعداد للجريدة الرسمية في الدولة العثمانية (السالنمة)، تعطي صورة كاملة عن شكل المجتمع قبل 100 عام.

يضاف إلى كل ما سبق، بحسب الأرمشي، قسم يحتوي على مجموعة من الأوراق والرسائل والمذكرات الشخصية لسياسيين وشخصيات اجتماعية ووطنية لعبت دورًا في الحركة الوطنية السورية، وأوراقًا أخرى خاصة بالأحزاب السياسية في سوريا وبعض الدول العربية بين عامي 1910 و1950.

أضرار كبيرة خلفها الحريق وسط دمشق 16 من تموز 2023 (نينار إف إم)

كما تضم أعداد الجريدة الرسمية السورية منذ عام 1919 وحتى اليوم، وسجلات المحاكم المختلطة.

وهناك مكتبة تاريخية صغيرة تحتوي على كتب هامة لتاريخ سوريا المعاصر، في مجالات السياسة والمجتمع والاقتصاد، وبعدة لغات. 

ساروجة وبيتان للتاريخ

منطقة ساروجة، تعرف بين الدمشقيين باسم اسطنبول الصغرى، باعتبار أنها كانت حيًا تقطنه الشخصيات السياسية والسفراء، مطلع القرن العشرين وحتى الخمسينيات منه.

ورث قصر العظم، رئيس الوزراء السوري الأسبق، خالد العظم (1903- 1965)، وأدار من خلاله الحكومة السورية، قبل أن تتحول ملكيته إلى “الحكومة السورية” مع قرارات التأميم بعد عام 1963، ثم تحولت ملكيته إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1969، وسبق أدراجه كمعلم تاريخي في عام 1960.

لاحقًا، وفق الأرمشي، عرف القصر باسم “متحف دمشق التاريخي”، واحتوى على مركز للوثائق التاريخية ومتحف للحرف والفنون الدمشقية.

يحتوي القصر وفق الأرمشي على قاعة ذات ثلاث أجنحة، مع غرفة شمالية مزينة “بشكل استثنائي”.

كما احتوى القصر الضخم، أثناء كونه قنصلية بروسية، على مكاتب للقنصلية وقسم للخدم واسطبلات للدواب، ومطبخ وحمام كبيرين، في حين يطل سطحه على جبل قاسيون المحيط بدمشق.

يعد بيت محمد فوزي باشا، ابن علي باشا العظم، من أقدم البيوت في منطقة ساروجة، وتبلغ مساحته أكثر من ثلاثة آلاف متر مربع، وشيّد في نهاية القرن الـ18 ومطلع القرن الـ19، وفق ما قاله الباحث في تاريخ مدينة دمشق، عماد الأرمشي.

قبل شراء المنزل من قبل عائلة العظم، امتلكه أحد أعيان المستشارية العسكرية العثمانية، سليمان كيلار أميني، واحتوى على نقوش كتابية تعود إلى عام 1877.

الوريث خالد العظم تولى رئاسة الحكومة السورية ست مرات، أولها لشهور قليلة عام 1941، وآخرها في آذار 1963، وكان آخر رئيس وزراء لسوريا قبل انقلاب البعث في ذلك العام.

كما تولى رئاسة سورية بشكل مؤقت في عام 1941، ووزارة الدفاع مرتين، 1945 و1955.

توفي العظم في بيروت في عام 1965.

خريطة تظهر موقع بيتي العظم واليوسف في دمشق 2023 (عماد الأرمشي)

الدراسة التي اطلعت عليها عنب بلدي، وأعدها الأرمشي، تشير إلى باب يصل بين منزلي العظم واليوسف.

قبل الحريق، تقاسم بيت اليوسف 35 عائلة، فيما خصصت بعض أجزائه كمركز لأعمال تجارية صغيرة، وكان في حالة سيئة وبحاجة للترميم.

ويعدّ عبد الرحمن باشا اليوسف، أحد أبرز الشخصيات الدمشقية، وشغل منصب أمير الحج خلال فترة الوجود العثماني في سوريا.

المؤرخ سامي مروان مبيض، قال في مقال نشرته مجلة “المجلة” السعودية، أمس الإثنين 17 من تموز، إن اليوسف لم يؤيد “الثورة العربية الكبرى”، وبعد سقوط الدولة العثمانية، أسس حزبًا سياسيًا أسماه الحزب السوري الوطني، وانتخب في المؤتمر السوري العام (أول برلمان في تاريخ سوريا الحديث)، وكان نائبًا لرئيسه، هاشم الأتاسي، ثم عيّن رئيسًا لمجلس الشورى في 1920.

وفق المبيض، نصب اليوسف نفسه زعيمًا لدمشق، وفتح أبواب قصره للفقراء والمحتاجين، قبل اغتياله في عام 1920.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا