إبراهيم العلوش
اختفى جنرال يوم القيامة الذي دمّر حلب الشرقية وهاجم الأسواق الشعبية والمدارس في سوريا. أجل اختفى الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي صار “غير متاح” كما صرّح رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي.
رغم اعتماد بوتين عليه وتقريبه منه، فإن قائد القوات المحمولة جوًا والرئيس السابق لجبهة غزو أوكرانيا، وقائد القوات الروسية في سوريا قد أقيل من منصبه بشبهة التعاون مع قائد قوات “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، الذي قاد تمردًا نهاية الشهر الماضي، ووصلت طلائع قواته إلى مشارف موسكو.
مثل كل المنتجات الفائقة التي تنتجها الأنظمة الدكتاتورية، اختفى الجنرال الذي دمّر سوريا وأغرق أوكرانيا في الظلام والبرد خلال الشتاء الماضي، فهذه الأنظمة لا تستطيع أن تضمن السلامة لأشد مؤيديها حماسة مهما بدت حماستهم شديدة لها، فهم بالنتيجة مجرد أدوات أو “براغي” في خدمة آلة الاستبداد التي لا ترحم حتى قادتها.
تعود علاقة جنرال الموت بقائد قوات “فاغنر” إلى أيام خدمته في سوريا، حيث كانا يعملان على تحويل البلاد إلى خراب، والاستيلاء على المواني وحقول الغاز والبترول والفوسفات، وتمددت هذه العلاقة في الجبهة الأوكرانية، حيث حققت قوات “فاغنر” انتصارات في بلدة باخموت مقابل آلاف الجثث من نزلاء السجون الروسية.
وخلال تصريحات قائد “فاغنر” ضد وزير الدفاع ورئيس الأركان، واتهامه لهما بالخيانة لأنهما يرفضان تزويد قواته بالذخائر، لم يتناول صديقه سوروفيكين بل مدح أداءه وتعاونه، ما جعل الأنظار في “الكرملين” تنظر إليه كمتعاون مع بريغوجين، وأثار ذلك الشك بأنه على علم مسبق بتفاصيل التمرد الذي هز الجيش الروسي وهز سلطة بوتين التي كانت تدّعي المتانة والترابط وإجماع الجيش والشعب على دعم “القائد”.
وبعد ذلك التمرد، تم إقصاء جنرالات والتحقيق مع بعضهم، وطرد آخرين، مثل قائد جيش الأسلحة المشتركة الروسي رقم “8”، الميجور جنرال إيفان بوبوف. كما تم اغتيال جنرال في أثناء ممارسته للرياضة، وينتظر عدد من القادة وصول “حنجور” الغاز السام إليهم من القيادة الروسية، التي اعتادت تصفية معارضيها بهذه الطريقة خلال السنوات الماضية، ولن يسلم منها بريغوجين نفسه ولا أعوانه من أمثال سوروفيكين.
تتناول وسائل الإعلام الغربية بكثافة مصير الجنرال سوروفيكين الذي ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية، وتتحدث عن أعماله في سوريا وفي أوكرانيا وعن ولائه الشديد لبوتين، ما يشير إلى تصدع كبير في قيادات الجيش بعد الحرب الخاسرة التي قادها بوتين مع هؤلاء القادة ضد أوكرانيا، وهو ما تسبب بآلاف الضحايا وإضعاف روسيا وانهيار سمعتها وكأنها تنحدر إلى دولة تشبه كوريا الشمالية وسوريا الأسد.
في سوريا، مرّ علينا كثير من هذه النماذج من منتجات الاستبداد التي تشبه سوروفيكين، ويتم التسويق لتلك الشخصيات في وسائل الإعلام، مثل قادة الفرق العسكرية وأمناء فروع الحزب والقيادات القطرية والقومية ووزراء ومحافظين وقادة فروع مخابرات من أشكال وألوان متعددة، لكنها سرعان ما تتلاشى مثل الرماد، ليبقى وجه الدكتاتور مهيمنًا على شاشة التلفزيون وعلى صفحات الجرائد، ومحاطًا بمنافقين جدد، وبأسماء وألقاب جديدة يتم حصدها لاحقًا وفي أوقات تناسب الدكتاتور وتزيد من شعبيته، بعدما أقال هذا الخائن أو ذلك المسؤول الفاسد، أو ذلك المنافق الذي طفح إنتاجه من الأكاذيب عن الحد المطلوب منه.
ولا بد من إدراج أسماء قادة سوريين لا يقلّون إجرامًا بحق السوريين عن جنرال يوم القيامة، مثل رفعت الأسد، وعلي دوبا، وشفيق فياض، وعلي حيدر، وغازي كنعان، ورستم غزالة، وجميل حسن، و”النمر”، ممن ارتكبوا الفظائع، بالإضافة إلى سيل من المنافقين واللصوص، أمثال مصطفى طلاس، وعبد الحليم خدام، وعبد الله الأحمر، ورامي مخلوف، وعلي عقلة عرسان، وصابر فلحوط، ومئات غيرهم ممن نذروا أنفسهم للنفاق والتغطية على الجرائم التي ترتكبها عائلة الأسد.
يفضّل الإعلام الغربي لقب الجنرال هرمجدون (نسبة إلى معركة يوم القيامة) لوصف سوروفيكين، بسبب الآلام التي ألحقها بالمدنيين التي تشبه المعاناة في يوم القيامة الذي ينهي حياة البشر على الأرض، ملخصين فظاعة أعماله وحجم الآلام التي عاناها المدنيون السوريون والأوكرانيون.
وما يهمنا من هذا الاهتمام العالمي هو تسليط الضوء على جرائم هذا الجنرال في سوريا وتوثيقها، والعمل على إلحاقها في ملفات محكمة العدل الدولية، التي قد تضم إليها جرائم هذا المتوحش والمعادي للمدنيين.
وهذه دعوة للحقوقيين السوريين للمشاركة في الملفات القضائية والإسهام مع وسائل الإعلام بإثارة الجرائم الروسية في سوريا، ومحاسبة مرتكبيها، أمثال سوروفيكين الذي يعتنق نظرية السجادة النارية على رؤوس المدنيين، واستراتيجية المدن المحروقة من أجل تحقيق أهداف قواته الغازية في سوريا سابقًا وفي أوكرانيا لاحقًا.