لا يتجاوز التصريحات السياسية
الحوار الكردي- الكردي تفشله معركة “تقاسم السلطة”
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
دعا القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، إلى إعادة تفعيل الحوار الكردي- الكردي بين الأحزاب السياسية الكردية في سوريا.
جاء حديث عبدي خلال كلمة له في منتدى نظمه مركز “روج آفا للدراسات الاستراتيجية” حول مئوية اتفاقية “لوزان”، في الحسكة شمالي سوريا.
حديث عبدي حول إعادة تفعيل الحوار العالق منذ أكثر من عام، لم يلقَ صدى في الأوساط السياسية الكردية على غير العادة عندما تكرر في السنوات الماضية، إذ لم يعلّق “المجلس الوطني الكردي”، وهو طرف في الحوار، على التصريحات.
وعادت مؤشرات تفعيل مسار الحوار بعد انقطاع منذ نيسان 2022، عندما تحدثت وكالة “نورث برس” المحلية عن محاولات إعادة إحياء الحوار الكردي- الكردي بدفع من الخارجية الأمريكية في سوريا.
حديث مرتبط بمخاوف
حديث مظلوم عبدي عن ضرورة الحوار، ركز على أن القوى الدولية اتفقت سابقًا على “إقصاء حقوق الكرد” خلال توقيع معاهدة “لوزان”، والاستمرار على هذا المنوال لمئة عام.
وأضاف عبدي، “لم تقتصر (لوزان) على إقصاء حقوق الكرد، بل استهدفتهم بالإبادة الجسدية، كاستخدام الأسلحة الكيماوية والإعدامات وحملات الاعتقال السياسي التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا”.
القائد العام لـ”قسد” قال إنه “يجب حماية مكتسبات الكرد في إقليم كردستان العراق وروج آفا كي لا تتكرر (لوزان) ثانية”، ودعا إلى “عقد مؤتمر كردستاني بلا أي شروط، وتوحيد الخطاب الكردي أمام المجتمع الدولي، لأن الشرق الأوسط يشهد تغييرات، وهناك فرصة حقيقية للكرد من أجل الحصول على حقوقهم”.
مطالب عبدي بالحوار المدفوعة من خوف خسارة ما اكتسبته “قسد” خلال السنوات الماضية، تكرر أيضًا على لسان رئيسة “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، خلال حديثها لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.
وفي إجابة عن سؤال وجهته الصحيفة لأحمد حول مخاوفها من عملية عسكرية تركية، قالت إن هواجس الخوف دائمًا موجودة، خصوصًا مع اتباع تركيا أسلوب الهجمات الجوية بطائرات مسيّرة، واستهداف قيادات “الإدارة” المدنية والعسكرية.
وفي الوقت نفسه، لم تخفِ أحمد علاقة “قسد” بحزب “العمال الكردستاني” (PKK) الذي تهاجم تركيا المنطقة بحجته، إذ قالت، إن علاقات “قسد” بـ”PKK” قائمة، إلى جانب مجموعة من الأحزاب الكردية في كردستان العراق، وأخرى في إيران، “في إطار مصلحة الشعب الكردي ككل”.
وسبق أن أشار مظلوم عبدي خلال حديثه لموقع “المونيتور” الأمريكي، إلى أن “قسد” أنهت علاقاتها على الصعيد العسكري مع “العمال الكردستاني”، منوهًا إلى انتهاء وجود عناصره شمال شرقي سوريا مع نهاية العمليات العسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2019.
وأضاف أن “قسد” لا تشكّل أي تهديد لتركيا أو حدودها أو أمنها القومي، إذ تتكون قواتها من كرد سوريين، ويريدون “علاقة سلمية مع تركيا”.
وقال عبدي حينها، “لسنا فرعًا من حزب (العمال الكردستاني)، نحن منفصلون”.
سعي خلف مكاسب
هدف تصريحات عبدي نيل مكاسب سياسية بعلاقات “قسد” مع الدول الغربية في ظل تزايد الضغط التركي ضد مكوناتها “PYD” و”PKK”، وخاصة في ملف انضمام السويد إلى “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو)، بحسب ما يراه الباحث السياسي سامر الأحمد.
الباحث الذي ينحدر من محافظة الحسكة، قال لعنب بلدي، إن تركيا تحاول تحقيق مكتسبات جديدة في ملف “الناتو”، ما قد ينعكس بتضييق على نشاط الأحزاب الكردية في أوروبا خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن الموقف السياسي في المنطقة وصل إلى وضع “حرج”، خصوصًا مع الحديث عن استثمار أمريكا بالمكوّن العربي شمال شرقي سوريا، وهو ما يدفع “قسد” لمحاولة فتح باب سياسي جديد لتعزيز العلاقات مع الدول الغربية.
وسبق أن فشل الحوار الكردي- الكردي مرارًا بعد عدة جولات تفاوضية، سواء برعاية إقليم كردستان العراق ورئيسه مسعود بارزاني، أو برعاية أمريكية مؤخرًا بسبب عدم قبول “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) تقاسم المهام مع “المجلس الوطني الكردي” الذي يمثّل الطرف المقابل في الحوار الكردي- الكردي، بحسب الباحث.
وقال الأحمد، إن امتناع “قسد” عن تقاسم السلطة الإدارية والمالية والعسكرية مع مكونات “المجلس الوطني الكردي” لا يزال قائمًا، وهو ما يدفع للتفكير بأن جهود مظلوم عبدي الأخيرة حول الحوار “غير جادة”، خاصة مع الخلافات الواضحة اليوم بين المكونات الكردية في كردستان العراق، إذ يتحالف “البارزانيون” (الموالون لمسعود بارزاني) مع “المجلس الوطني”، بينما يميل “الطالبانيون” (الموالون لبافل طالباني) لـ”قسد”.
وعلى وقع هذه الخلافات في أربيل، ترى حكومة الإقليم الكردي في العراق أن “PYD” يشكّل خطرًا عليها، خصوصًا بعد تكرار حوادث أمنية في الإقليم، بحسب الأحمد.
بينما تتهم “قسد” أربيل بالتعاون مع الأتراك والمخابرات التركية من أجل استهداف قياداتها الذين يمرون بالإقليم.
انطلقت أولى جلسات الحوار الكردي- الكردي، متمثلة بقطبين رئيسين هما حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) و”المجلس الوطني الكردي” ومستقلين، في تشرين الثاني 2019، لإبعاد الخلافات بين الأطراف المذكورة.
وبينما تدعم أمريكا ودول أوروبية “قسد” المتحالفة مع حزب “العمال الكردستاني”، يلقى الطرف الرئيس المقابل “المجلس الوطني الكردي” دعمًا من أربيل وتركيا، وهو عضو في “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية”.
وتتركز محاور الحوار حول إشراك “المجلس الوطني” بإدارة مناطق نفوذ “قسد” شمال شرقي سوريا، والسماح بانخراط جناحه العسكري “بيشمركة روج” في إدارة مناطق شرق الفرات أمنيًا وعسكريًا.
ويتركز الخلاف بين الأطراف على نقطة إدارة المنطقة، إذ ترفض “قسد” السماح لـ”المجلس الوطني” بالانخراط في الإدارة العسكرية والسياسية والأمنية، وتفضّل استثمارها منفردة.
حوار “صعب التطبيق”
يتعامل “المجلس الوطني الكردي” خلال ملف الحوار على أنه الممثل الوحيد للكرد في سوريا، كونه يعرف عن نفسه ككيان سياسي كردي، بينما ترتدي “قسد” عباءة أوسع، إذ تقدم نفسها على أنها ممثلة لمكونات أخرى كالعرب والكرد والسريان وغيرها.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” سامر الأحمد، يرى المشكلة في استمرار الحوار هي أن مطالب “المجلس الوطني الكردي” مع “قسد” قائمة على “تقاسم السلطة والنفوذ، والمكاسب الاقتصادية والإدارية والسياسية في منطقة الجزيرة السورية، عبر الحديث مع حزب (العمال الكردستاني) فقط مع إهمال بقية المكونات”.
الأحمد قال لعنب بلدي، إن المتغيرات الجديدة بالمنطقة تفرض أمورًا أخرى، بالتالي فإن “المجلس الكردي” و”قسد” ربما يتفاوضان على المناطق الكردية التي تنحصر ببلدات وقرى قريبة من الشريط الحدودي السوري- التركي، إذ لا يتجاوز عمقه عشرة كيلومترات، لكن المنطقة نفسها تضم مكونات أوسع ولا يمكن حصرها بالوجود الكردي الذي يتنافس عليه الطرفان.
وأضاف أنه في مرحلة سابقة كان هناك اعتماد دولي على المكون الكردي في “قسد” بشكل كامل، أما اليوم فلفت موضوع المكونات الأخرى في المنطقة نظر الدول الغربية وواشنطن نفسها، وظهر ذلك عبر فتح قنوات حوار جديدة مع المكونات العشائرية في المنطقة.
معوقات
بحسب دراسة أعدها مركز “جسور للدراسات” عن مستقبل الحوار الكردي- الكردي، بعد عام من انطلاقه، حملت عنوان “تغيير المواقف”، يواجه هذا الحوار تحديات عديدة، أهمها في الجانب العسكري، مطالبة “المجلس الوطني” بالسماح بعودة “بيشمركة روج” إلى المناطق الكردية في سوريا، إضافة إلى السماح لهم بممارسة عملهم العسكري، لكي تكون قوة عسكرية تحمي “المجلس” ومشاركته في العملية السياسية والإدارية.
ويرفض حزب “الاتحاد الديمقراطي” و”قسد” هذه المطالب، ويشترطان اندماج “البيشمركة” في “قسد” كأفراد، إذ لا تريد “قسد” قوة عسكرية موازية في المنطقة.
من جانبه، يقترح “الاتحاد الديمقراطي” تأجيل مناقشة موضوع عودة “البيشمركة” إلى ما بعد انتهاء الحوار، والاتفاق على بقية النقاط، ويقترح أن يكون الاتفاق والحوار حول هذا الموضوع بين “قسد” وقيادات “البيشمركة” مباشرة.
وبحسب الدراسة، فإن الأحزاب الكردية التي تشكّل نواة “قسد” شمال شرقي سوريا، تشكّل جزءًا من تحالف يعتبر النظام السوري طرفًا فيه، ويتضمن تحالفًا مع إيران أيضًا، وهناك تحالف عسكري آخر مع الأمريكيين لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبالنظر إلى الموقفين المختلفين لطرفي الحوار والأجندات المختلفة التي يقف كل منهما عندها، فإن وقوفهما في تحالفين متباعدين يجعل حصول اتفاق بينهما أمرًا صعبًا، بحسب الدراسة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :