لمى قنوت
أصدرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة تقريرًا في عام 2021، عن ندوة بعنوان “تعزيز مشاركة المرأة في عمليات السلام: ما الأدوار المنوطة بالدول ومسؤولياتها؟”، وتحت فقرة بعنوان “الدروس المستفادة وأفضل الممارسات”، اعتبر التقرير أن “تقدم عملية السلام في سوريا مثال بارز للقيادة الإبداعية للمبعوث الخاص، جنبًا إلى جنب مع التعبئة القوية لناشطات حقوق المرأة السورية”، وأن السوريات اللواتي طالبن بمشاركتهن المباشرة في المفاوضات، ووافقن على أنهن، “كبديل”، سيفكرن بالانضمام إلى هيئة استشارية، الأمر الذي أدى إلى إنشاء المجلس الاستشاري النسائي بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، وأضاف التقرير أن ستيفان دي ميستورا ضمن تنوع هذا المجلس، وأن الانتقادات التي طالته كتأطير دور النساء بمشاركة غير مباشرة ودور استشاري تغير بعد ثلاث سنوات، لأن بعض أعضائه شاركن في اللجنة الدستورية، وأن نسبة النساء فيها حولي 30%.
بعيدًا عن قدرة دي ميستورا “الإبداعية” على اختراق قرار مجلس الأمن “2254” بالسلال الأربع، وحرف تسلسله عند تشكيل لجنة دستورية بدل هيئة الحكم الانتقالي، تأتي الإشكالية بتحويل المجلس الاستشاري النسائي إلى قصة نجاح دون نقد التجربة، واستنساخها في اليمن بأخطائها وفجواتها، وتكريسها لدور نمطي للمشاركات فيها.
وتزداد الإشكالية في محو دور مبادرة دعمتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة “مبادرة نساء سوريات من أجل السلام والديمقراطية”، التي شاركت منها ست نساء في الهيئة الاستشارية (مناصفة مع ست من خارج المبادرة)، واللواتي تجاهلن معايير المشاركة التي وضعتها أعضاء المبادرة ووافقن عليها، ومنها التشاركية والشفافية وتقديم التقارير للأعضاء والالتزام بوثيقة المبادرة، والتناوب في الهيئة الاستشارية حسب الخبرات والملفات المطروحة، ذلك التناوب الذي أكد عليه دي ميستورا وأُهمل. لقد شكّل إنهاء دعم المبادرة من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بحجة عدم وجود تمويل، إلغاء لمرجعيتها بالنسبة للأعضاء الستة في المجلس.
بحسب ما ورد في الموقع الإلكتروني للمبعوث الخاص، فإن الفكرة الأساسية من إنشاء المجلس الاستشاري النسائي هو “ضمان مراعاة المنظورات المتنوعة للمرأة“، و”ضمان جدول أعمال المساواة بين الجنسين”، لكن الواقع يقول إن اختيار تنوع المشاركات الذي ضمنه دي ميستورا، وفق ثنائية التعريف، معارِضة- موالية، علمانية- سلفية، وتسييس الهويات، إلى جانب استبعاد الأعضاء لما لا يتوافقن عليه، حيّد وقوّض ذلك الهدف المعلَن من إنشاء المجلس وهو المساواة، إذ أشارت إحدى أعضاء المجلس في مقابلة أجرتها معها إذاعة الأمم المتحدة إلى أنهن يُبعدن القضايا اللواتي لا يتفقن عليها، فمثلًا، يحصل خلاف بينهن إذا تحدثن عن المساواة، بينما يتفقن على دولة المواطنة، فيستطيع المرء استنتاج دور آلية الاستبعاد في تسطيح وتقزيم القضايا، كما أن أعضاء المجلس لا يمتلكن العملية، ولا يحصلن على محاضر اجتماعاتهن، ويُحِطن أعمالهن بتكتم شديد، ولا تعرف السوريات ما يقمن به إلا من خلال الإحاطة التي يقدمها المبعوث الأممي لمجلس الأمن. وعليه فإن الحديث الأممي عن مشاركة السوريات ما هو إلا تمكين لـ15 امرأة (بعد التوسعة) على حساب المشاركة الأوسع والتغيير الهيكلي. كما أن صفة عدم الانحياز لوفدي التفاوض التي اشترطها دي ميستورا، ونزع السياسة من أدوارهن بسبب ارتباطهن بوسيط أممي حيادي كاستشاريات له ووسيطات، يتناقض مع النسوية بوصفها حركة تحررية سياسية، إضافة إلى أن سياسة التكتم وعدم الشفافية باعدت بينهن وبين النساء القاعديات و/أو الناشطات، وجعلت “مجلسهن نخبويًا” يُراد تعويمه كقصة نجاح حين فشل الحل السياسي وفشل الوسيط.
استنساخ التجربة في اليمن
بعد عام من تأسيس المبادرة في سوريا، وبالتعاون بين مكتب المبعوث الخاص وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تم إنشاء مجموعة “التوافق”، أو مجموعة التوافق النسوي اليمني للسلام والأمن في عام 2015 كآلية استشارية، وأديرت المجموعة من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة. اتسم هذا التأسيس بعدم الشفافية في أثناء الاختيار، وتجاهل الشبكات النسائية القائمة مثل “اتحاد نساء اليمن” (أربعة ملايين عضو -عام (2018 و”اللجنة الوطنية للمرأة”، واستسهل التواصل مع مثقفات ومع من يتقن اللغة الإنجليزية في المهجر.
في منتصف عام 2018، أنشأ المبعوث الخاص المجموعة النسوية اليمنية الاستشارية المختصة (ثماني نساء)، بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومجموعة التوافق النسوي، لكن مجموعة التوافق هُمشت من قبل الفريق الاستشاري التقني، كما حصل في التجربة السورية.
رغم أن النساء القاعديات لعبن أدوارًا متعددة داخل اليمن، مثل تسهيل تبادل الأسرى وفتح ممرات إنسانية والوساطة لوقف إطلاق نار محلي، فإن اللواتي لا يتحدثن الإنجليزية ولا يستطعن الوصول بسهولة إلى المانحين لا يشعرن بأن أصواتهن مسموعة، وتمر أعمالهن المهمة دون أن تكون مرئية، لأن تنفيذ أجندة السلام والمرأة في اليمن من قبل المجتمع الدولي كان سطحيًا واعتباطيًا.
وهناك من ترى أن اختيار النساء في المحافل الدولية قائم على العلاقات الشخصية، ويأتين من خلفيات متشابهة ولهن امتيازات متشابه، ميسورات اقتصاديًا، ذوات تعليم جيد، وهي اختيارات تفتقر إلى التنوع والمصداقية، ولا تستند إلى معايير شفافة، الأمر الذي عزز شعور النساء القاعديات بالإقصاء، وبأن أولوياتهن واحتياجاتهن لا يتم طرحها على المستويات الرسمية لعملية السلام بأمانة، لأن النساء المشاركات في المسار الثاني يتبنين آراء منفصلة عن الواقع ولا تعبر عن أولوياتهن.
نقد تقرير الظل، الذي شارك في إعداده 36 منظمة والمقدم للجنة “سيداو” في 4/10/2020، الهيئة الاستشارية النسوية بأن “صوتها غير مسموع نتيجة فرض سياسة الصمت عليها، والتمثيل فيها يحتاج إلى تحديد للمهام بشكل واضح، وتنوع وتدوير”.
إن تفريغ أجندة المرأة والسلام والأمن عبر تكرار تجارب مكتومة الصوت، لا يعني إلا زيادة العدد الكمي لمشاركة النساء في عملية السلام الرسمية وفق النموذج “النيوليبرالي”، ولا يخدم إلا السيرة الذاتية للمشاركات والوسيط الأممي الخاص في المنابر الدولية، بينما يمكن أن تكون هذه المشاركة ذات معنى إذا توسعت مشاركة النساء بتنوعاتهن من خلال معايير شفافة، وامتلكت المشاركات العملية، وحرصن على التدوير، وانعكست التجربة إيجابيًا على حيوات النساء داخل سوريا واليمن وفي مخيمات اللجوء.