عنب بلدي – دير الزور
على الرغم من حاجة دير الزور إلى التعليم الذي تراجع مستواه منذ سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المحافظة منتصف عام 2014، امتنع بعض الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، احتجاجًا على محاولات “الإدارة الذاتية” تغيير المنهاج، على حساب نقص الدعم الذي يعانيه القطاع التعليمي فيها.
ولم تحاول “الإدارة الذاتية” التي تدير مناطق شرق الفرات، شمال شرقي سوريا، خلال السنوات الماضية تحسين الخدمات، أو حتى بناء مدارس تستوعب بعض الطلاب في دير الزور، بل ركزت على إعادة تقييم المنهاج التعليمي المتوفر، وإعادة طرح آخر جديد يعلّم الطلاب فلسفة مؤسس حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، عبد الله أوجلان.
فرض المنهاج التعليمي الجديد اعتبره سكان المحافظة مسيئًا لثقافتهم، وآخرون يرونه “مسيئًا للدين”، ما دفع للاعتراض بإضرابات واحتجاجات منتصف عام 2022.
نقص حاد في القطاع
تعاني مناطق “الإدارة الذاتية” الكردية في ريف دير الزور نقصًا حادًا في مستلزمات التعليم، والكوادر التدريسية بشكل عام، بحسب ما قاله مصدر في اتحاد المعلمين بدير الزور، تحفظ على اسمه كونه لا يملك الصلاحية بالحديث إلى وسائل الإعلام.
المصدر قال لعنب بلدي، إن المنظمات الدولية الداعمة لقطاع التعليم في محافظتي الحسكة والرقة، لا تقدم الدعم نفسه لمحافظة دير الزور، بسبب تخوف العاملين فيها من زيارة المنطقة، حيث تنتشر في بعض مناطقها خلايا من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وتضررت حوالي 700 مدرسة في المناطق التي تديرها “الادارة الذاتية” بدير الزور، جراء المعارك قبل أكثر من خمس سنوات، ولم يجرِ العمل على ترميمها حتى نهاية العام الدراسي الماضي، بحسب مصدر إداري في مجمع تعليمي بالمحافظة.
وعملت المجمعات التدريسية المعروفة محليًا باسم “مجمعات تربوية”، وتدير سلسلة من المدارس، على تحويل 85 منزلًا إلى مدارس، نظرًا إلى انعدام البنى التحتية الخاصة بالقطاع التعليمي في المنطقة.
وأرجع المصدر الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو إلى مكان عمله خوفًا من المساءلة، كونه لا يملك صلاحية الحديث إلى وسائل الإعلام، أسباب ضعف البنى التحتية، إلى أن المناطق التي تديرها “الإدارة الذاتية” في دير الزور لم تشهد بناء مدرسة جديدة منذ نحو 12 عامًا.
سوء مستلزمات القطاع التعليمي بدير الزور وصل إلى مرحلة “مبالغ فيها”، بحسب مدرسين تواصلت معهم عنب بلدي في مجمع “الفرات التربوي”، إذ لا تتوفر في بعض المدارس مقاعد للطلاب، وهم يضطرون للجلوس على أرضية ترابية خلال الدروس.
ميزانية التعليم بانخفاض مستمر
المصدر العامل في اتحاد المعلمين بدير الزور، قال لعنب بلدي، إن ميزانية التعليم التي طرحتها “الإدارة الذاتية” للعام الدراسي 2020 و2021، بلغت نحو مليوني دولار أمريكي، جزء منها دعم من منظمات دولية.
بينما انخفضت في العام الدراسي 2022 و2023 إلى أقل من مليون دولار، وهو ما يعكس تراجع الاهتمام الإداري بالمنطقة من قبل السلطات العاملة فيها، بحسب المصدر.
وخاطبت الجهات التعليمية والنقابات المحلية “لجنة التربية والتعليم” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، مطالبة برفع مستوى الدعم كما هو في الحسكة والرقة، لكن دون جدوى، بحسب المصدر.
ويقدّر عدد طلاب دير الزور بحوالي 300 ألف طالب بالمراحل التعليمية كافة (أساسي وثانوي)، منهم حوالي 7500 طالب وطالبة قدموا امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية في مناطق سيطرة النظام، لعدم وجود منهاج معترف به دوليًا في مناطق نفوذ “قسد”، بحسب ما قاله مصدر مسؤول في “لجنة التربية والتعليم” لعنب بلدي.
وتفتقر مناطق “الإدارة الذاتية” في دير الزور إلى المدارس الثانوية بشكل شبه تام، إذ توجد ثانوية مهنية واحدة فقط في بلدة أبو حمام شرقي المحافظة.
“الإدارة” تحصر نشاطها بتغيير المنهاج
وبحسب المسؤول في “لجنة التربية”، يرتبط رفض المنهاج الصادر عن “الإدارة الذاتية” في دير الزور برفض تدريس اللغة الكردية من قبل أهالي المنطقة باعتبارها لا تعنيهم.
وإلى جانب ذلك، تعتبر محافظة دير الزور منطقة ذات طبيعة عشائرية، إذ يرفض سكانها ما يعتبرونه مهينًا لثقافتهم أو دينهم، وهو ما لا تأخذه “الإدارة” بعين الاعتبار.
مسؤول “لجنة التربية”، وينحدر من المحافظة نفسها، قال إن “اللجنة” تحاول منذ ثلاث سنوات التفاوض مع وجهاء وأهالي المحافظة ورجال الدين فيها، لإقناع الشارع بالمنهاج الجديد، دون تغيير في الموقف.
وتعمد الإدارة الذاتية إلى فرض مناهجها لترسيخ معتقدات لا صلة لها بمعتقدات وعادات أهل المنطقة، حسب المسؤول.
وفي تشرين الأول 2022، شهدت مناطق متفرقة من محافظة دير الزور احتجاجات وإضرابًا للمعلمين بسبب منهاج جديد، اعتبره سكان في المنطقة “مخالفًا للدين والعادات في المنطقة”.
وردت “الإدارة” بإصدار أمر إداري، اطلعت عليه عنب بلدي، يقضي بتوجيه إنذار كتابي بحق موظفيها من المعلمين في حال التغيّب عن الدوام، واتخاذ إجراءات وحسومات مالية بحق المضربين، لكن الإضراب لم يتوقف، وانتهى بتعليق تعميم المنهاج الجديد على المنطقة.
ويتضمن المنهاج الذي أعلنت عنه “الإدارة” محتوى دينيًا اعتبره أبناء محافظتي دير الزور والرقة متعارضًا مع معتقدات وثقافة المنطقة، كمقارنة الرسول محمد بـ”بوذا” (رمز الديانة البوذية)، أو مقارنته بـ”زرداشت”، واستخراج الصفات المشتركة بينهم.
كما أدرج المنهاج أقوالًا نُسبت لمؤسس حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، عبد الله أوجلان، وضُمّنت بين حكم وأقوال أخرى لفلاسفة وكتّاب معروفين، مثل الفيلسوف والروائي الفرنسي جان بول سارتر وسبينوزا وغيرهما.
المنهاج تحدث مرارًا عن الحرية ومفهومها، إلا أن هذه المفاهيم مستنبَطة بمعظمها من أقوال نُسبت لـ”المفكر” أوجلان.
حاولت عنب بلدي التواصل مع مؤسسات “الإدارة الذاتية” عبر قنواتها الرسمية لتبيان رأيها، والاطلاع على مبرراتها في فرض تلك المناهج، إلا أنها رفضت الإجابة عن أي سؤال قبل الحصول على تصريح للعمل الإعلامي في مناطق إدارتها.