إدلب – عبد الكريم الثلجي
في ظل الحاجة الطبية الكبيرة والكثافة السكانية في شمال غربي سوريا، تسهم المبادرات الطبية المجانية للمستشفيات الخاصة في التخفيف عن المرضى ذوي الإمكانات المادية الضعيفة، والتشجيع على مزيد من المبادرات في هذا المجال.
وأعلن مستشفى “إيبلا” التخصصي في مدينة إدلب عن استعداده لمعالجة المرضى مجانًا لمدة سبعة أيام، بمناسبة العاشر من ذي الحجة، انتهت في 27 من حزيران الماضي، نتيجة ارتفاع تكاليف العلاج في العيادات والمستشفيات الخاصة، مع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية للسكان في منطقة شمال غربي سوريا.
الطبيب أحمد العلي، المتخصص بالأمراض البولية والتناسلية في مستشفى “ايبلا”، قال لعنب بلدي، إن المبادرة جاءت من منطلق “أخلاقي وديني”، بهدف مساعدة المرضى وتخفيف تكاليف علاجهم، فالمعاينات مجانية، وأجور العمليات الجراحية والتحاليل المخبرية والصور الشعاعية مخفضة إلى النصف.
وأضاف الطبيب أن الشريحة المستهدفة هي جميع المرضى المراجعين، خصوصًا “الفقراء” منهم، مشيرًا إلى أن عددًا من الأطباء تفاعلوا مع المبادرة وبدؤوا بتطبيقها في العيادات والمستشفيات الخاصة التي يعملون بها، كما أن المبادرة لاقت “استحسانًا” بين الأوساط الشعبية.
بدوره، وجه الطبيب المتخصص رسالة لجميع العاملين في القطاع الطبي شمال غربي سوريا، خصوصًا في المستشفيات والعيادات الخاصة، بأن يخففوا من معاناة الناس الذين عاشوا ظروف حرب قاسية، وزاد الزلزال الأخير من معاناتهم وصعوبة وضعهم المعيشي.
مبادرة جامعة “ماري”
جراء التكاليف الباهظة لعلاج الأسنان، اضطر خالد المصطفى (60 عامًا)، وهو مهجر من جنوب حلب إلى بلدة كللي شمالي إدلب، إلى البحث عن حلول مجانية لعلاج أسنانه، بعد أن فقد معظمها إثر إصابته بقصف جوي عام 2015.
أعلنت جامعة “ماري” الخاصة لطب الأسنان، عام 2022، عن افتتاح عيادات سنية في الجامعة لتقديم العلاج المجاني للمرضى، للتخفيف من معاناتهم.
تستقبل العيادات السنية في جامعة “ماري” المرضى المراجعين، من الأحد إلى الخميس، وتتراوح أعدادهم بين 70 و90 مريضًا في اليوم الواحد، وفق الحالات السريرية المطلوبة لكل عيادة سنية.
تضم الجامعة أربع عيادات سنية تحتوي على أجهزة متطورة، وفيها 70 كرسي أسنان، ويعمل كل طالبين على كرسي واحد، وفق ما قاله مدير الشؤون الإدارية في جامعة “ماري” الخاصة، قدور قاسم، لعنب بلدي.
وأوضح قاسم أن جميع الخدمات المقدمة للمرضى يقدمها طلاب السنتين الرابعة والخامسة وطلاب سنة الامتياز في الجامعة، وتشمل تقديم جميع المواد المطلوبة للمعالجات السنية.
ووفق المكتب الإعلامي للجامعة، فقد وصلت أعداد الحالات التي عولجت في العام الدراسي الحالي (2022- 2023) إلى عشرة آلاف و885 حالة، شملت تشخيص أمراض الفم، وتلقيحًا ومعالجة لثوية، وقلع أسنان، ومداواة أسنان محافظة، وتعويضات سنية متحركة، ومعالجة أسنان لبية، ومعالجة أسنان أطفال، وتركيب أجهزة تقويم متحركة.
فائدة متبادلة
على الرغم من أن مبادرة جامعة “ماري” المجانية تعد مهمة جدًا للفقراء، فإنها تُكسب أيضًا الخبرة الأساسية المطلوبة لطلاب طب الأسنان الذين يدرسون في الجامعة.
ولاقت مبادرة جامعة “ماري” استحسان الناس، لا سيما الفقراء منهم الذين يعيشون في المخيمات، إذ تقع الجامعة على أطراف بلدة حزانو، وهي منطقة متوسطة وتحيط بها المخيمات من كل جانب، بحسب ما قاله الطالب في السنة الثالثة لقسم طب الأسنان في الجامعة أحمد العكاش.
ويتواصل الأهالي مع أحمد بشكل شبه يومي، للاستفسار عن طبيعة الخدمة، وعن مجانية المواد المقدمة بالإضافة إلى المعاينة، بهدف زيارة الجامعة لتلقي العلاج.
طالب السنة الخامسة في طب الأسنان خالد الطعمة، انتقل للمرحلة السريرية بعد إتمام المرحلة المخبرية، لتطبيق ما تعلمه على مدار سنواته الخمس في الجامعة.
قال خالد إن جميع الخدمات المقدمة تكون تحت إشراف مجموعة من الأطباء والأكاديميين في الجامعة، كما أن الجامعة تقدم أغلب المواد بشكل مجاني، ويتحمل الطالب تكلفة بقية المواد والمستهلكات، وتشمل الخدمة جميع المعالجات السنية من حشوات، وسحب عصب، ومعالجة أسنان الأطفال، ومعالجات لثوية، وتعويضات ثابتة (تيجان وجسور)، بالإضافة إلى التعويضات المتحركة (بدلات).
محمد محمود بيطار، وهو موظف في وحدة المياه بمدينة معرة مصرين شمالي إدلب، أبدى إعجابه بالخدمات المقدمة من جامعة “ماري”، وقال لعنب بلدي، إن تعامل الطلاب والدكاترة المشرفين جيد مع المرضى.
أجرى محمد عدة جلسات لتركيب ثلاثة جسور تقويم أسنان، وهو أمر “مكلف” في عيادة الأسنان الخاصة، لكن ورغم مجانية العلاج في الجامعة، وجد أن العيادات السنية الخاصة تبدي اهتمامًا أكثر بالمريض نتيجة دفع أجور العلاج، كما أن أعداد المرضى فيها أقل، على حد قوله.
الدافع ذاته، جعل خالد حسكور يرتاد العيادات المجانية في جامعة “ماري”، فقد زار الجامعة لعدة أشهر من أجل تركيب بدلة أسنان كاملة، وهو ما يكلف نحو 200 دولار عند عيادة خاصة.
وأوضح خالد، المهجر من سهل الغاب إلى مخيمات “دير حسان” شمالي إدلب، لعنب بلدي، أنه بحكم الوضع المادي المتردي، لا يفكر نهائيًا بالذهاب إلى عيادات سنية خاصة، حتى إنه في كثير من الأحيان يتوانى عن الذهاب إلى الجامعة ذات العيادات المجانية، بسبب اضطراره لدفع تكلفة البنزين لدراجته النارية في ظل ارتفاع سعره بإدلب.
واشتكى خالد من أن الجامعة تفتقد لعملية تقويم وزرع الأسنان، ولجهاز تصوير “الطبقي المحوري”، بحيث يجبر على دفع 150 ليرة تركية للحصول على الصورة في المستشفيات الخاصة، بسبب تعطل الجهاز في مستشفى “باب الهوى” الذي كان يقدم الخدمة مجانًا.
وتمتلك الجامعة في القسم السريري أربع عيادات (عيادة التخدير والجراحة والقلع، عيادة الأطفال والمعالجة الترميمية، عيادة التشخيص وأمراض النسج الداعمة، عيادة التيجان والجسور)، كما تمتلك جهاز “السينسور” الذي يساعد في المعالجة اللبية.
وتسبب العجز في الاستجابة الإنسانية للقطاع الطبي، وضعف التمويل للمستشفيات العامة ومراكز الرعاية الأولية، بتراجع القطاع الطبي في المنطقة، كما أن الزلزال الأخير دمّر جزءًا من بنيته التحتية، الأمر الذي زاد من معاناة الناس، ما اضطرهم إلى التوجه للمستشفيات الخاصة، التي ترتفع فيها تكاليف الأدوية والعلاج، مع قلة فرص العمل وارتفاع البطالة.