إدلب – أنس الخولي
يفكر الطبيب البيطري هاني بإغلاق صيدليته البيطرية، بسبب تراجع مبيعاتها، والخسائر التي مُني بها بعد مضاربة مستودعات الأدوية البيطرية على الأطباء البيطريين، وبيع الأدوية بسعر أقل لمربي الثروة الحيوانية.
هاني إدريس، الذي يملك صيدلية بيطرية في محافظة إدلب، قال، إن بعض مربي المواشي يذهبون إلى مستودعات الأدوية البيطرية، ويشرحون المشكلة أو المرض الذي أصاب الحيوان، ليصف المشرف على المستودع الأدوية ويبيعها للمربين بنفس سعر الجملة الذي يبيعه للطبيب.
واشتكى الطبيب من أن عملية التشخيص وبيع الأدوية من قبل مستودعات الأدوية للمزارعين بشكل مباشر، أضرت بشكل كبير بالأطباء البيطريين الذين يعملون في مجال معاينة الحيوانات المريضة، والأطباء الذين يعملون في مجال تجارة الأدوية البيطرية.
ويُمنع على المستودعات البيطرية بيع الأدوية البيطرية للمربين، وفق اللائحة الداخلية لنقابة الأطباء البيطريين المعترف عليها من قبل وزارة الزراعة، لكن لا توجد تعليمات تمنعهم من التشخيص، على حد قول الطبيب البيطري لعنب بلدي.
وتؤثر هذه المشكلة على مئات الأطباء البيطريين الموجودين في الشمال السوري، إذ يحتكر أصحاب المستودعات البيع للمربين، بينما وضع الأطباء “يرثى له”، وهو ما يجبرهم على البيع بأرخص الأسعار، أو أخذ أجور متواضعة خلال تشخيصهم الحقلي لكي يؤمّنوا قوت يومهم، بحسب هاني.
ما مصادر الأدوية
الطبيب البيطري جمال شحادة، مهجر يقيم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن بعض أنواع الأدوية تُطلب بكثرة خلال المواسم، مثل أدوية الرشح والالتهابات الرئوية الرائجة عند الحيوانات في هذه الفترة، بسبب وجود إصابات تنفسية.
وطالب عدد من الأطباء البيطرين ممن قابلتهم عنب بلدي، بفرض رقابة “صارمة” على مستودعات بيع الأدوية البيطرية، وفرض عقوبات “رادعة” على المستودعات التي تبيع المربين بشكل مباشر.
وحول الأرباح، أوضح البيطري هاني إدريس أن أرباح الصيدليات البيطرية كانت سابقًا في معظم الأدوية تتراوح بين 0.5 إلى 1.5 دولار، لكن بعد بيع المستودعات البيطرية الأدوية للمزارعين بشكل مباشر، أُجبرت الصيدليات البيطرية على خفض الأرباح إلى 0.10 إلى 0.50 دولار أمريكي.
وعن مصادر الأدوية البيطرية، قال الطبيب البيطري، إنها تصل إلى الشمال السوري من ثلاثة مصادر، الأول محلي الصنع عبر معامل تنشط في المنطقة، وتصل نسبتها إلى 30% من المتوفر في الشمال السوري.
والمصدر الثاني هو أدوية أجنبية مستوردة عبر المعابر الحدودية مع تركيا، وتبلغ نسبتها 50%، وتصل الـ20% المتبقية من مناطق سيطرة النظام بشكل غير رسمي.
حكومة “الإنقاذ” تعلّق
حكومة “الإنقاذ” في إدلب التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، تستقبل شكاوى الأطباء البيطريين حول بيع المستودعات الأدوية البيطرية للمستهلكين بسعر الجملة لمكافحة هذه الحالات.
رئيس دائرة الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة والري التابعة لـ”الإنقاذ”، الدكتور عبد الحي اليوسف، قال لعنب بلدي، إنه لا يمكن اعتبار عدد تلك الحالات “كثيرة”، واصفًا إياها بـ”حالات فردية محدودة”.
وأشار اليوسف إلى وجود عديد من الضوابط المعمول بها، وقرارات ناظمة للتعامل مع أي مخالفة لذلك.
وعن مساعي وزارة الزراعة والري لضمان حقوق الأطباء البيطريين والصيدليات البيطرية، قال رئيس دائرة الصحة الحيوانية، إنه تجري مراجعة شكاوى الأطباء البيطريين والمزارعين، وتنظيم جولات للتحقق من الشكاوى بالتعاون والتنسيق مع الفرق التموينية.
ضعف الخبرة والثقة
يشتكي بعض المزارعين ومربي الحيوانات ضعف الخبرة البيطرية في الشمال السوري، ما أدى إلى امتناعهم عن استشارة الأطباء البيطريين في حال مرض الحيوانات، وعدم شراء الأدوية من الصيدليات الزراعية، معتمدين على خبرتهم.
عبد القادر العلي (48 عامًا)، وهو مربي أبقار مهجر من الغوطة الشرقية ويقيم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إنه يعمل في تربية الحيوانات منذ مدة تزيد على 30 عامًا، ولم يكن يعلم شيئًا عن أمراض الحيوانات وعلاجها.
وأضاف، “كنا نحضر الطبيب البيطري ليعاين الحيوانات، ثم يعطي الوصفة الطبية اللازمة، ونتعلم من خلال مراقبة الطبيب وحفظ العلاج الموصوف”.
بعد قدومه إلى الشمال السوري بالتهجير القسري، لاحظ عبد القادر “نقص خبرة” الأطباء البيطريين، وخصوصًا فيما يتعلق بعلاج الأبقار، ما أدى إلى عدم ثقة المزارعين بالأطباء، واعتمادهم بشكل أساسي على خبرتهم الطويلة.
حسين محمد (35 عامًا) أحد المربين قال، قديمًا كانت هناك رقابة “صارمة” على الأدوية البيطرية ومدى صلاحيتها وفاعليتها، أما حاليًا فلا ثقة بالأدوية البيطرية سواء كانت منتهية الصلاحية أو تحوي المادة الفعالة بالنسبة والتركيز المصرح عنه في غلاف العبوة.
حسين عبّر عن ضعف ثقته بالأدوية البيطرية والأطباء البيطريين، واعتبر ذلك مبررًا للتوجه نحو المستودعات البيطرية بشكل مباشر لطلب الأدوية الأجنبية المستوردة حصرًا وعدم استخدام الأدوية المحلية.
أما عبد القادر العلي فقال لعنب بلدي، إن المزارع المربي للحيوانات يعاني ظروفًا “قاسية”، ويبحث عن الأسعار الأقل، والضمانة الأفضل للأدوية البيطرية، سواء توفرت هذه الأسعار لدى الصيدلية أو المستودعات.
ما خطورة ترك التشخيص؟
حذر الطبيب البيطري جمال شحادة من توجه مربي الحيوانات إلى مستودعات الأدوية بشكل مباشر دون استشارة طبيب بيطري، واصفًا ذلك بـ”الأمر الخطير” الذي يضر الحيوان والإنسان، لأن بعض الأدوية تؤدي إلى “ثمالات دوائية” ذات آثار “خطيرة”.
“الثمالات الدوائية” هي بقايا العلاج الموجودة في لحوم ومنتجات الحيوانات المعدة للأكل.
وبحسب جمال، “يجهل” المربون أن العلاج البيطري يقوم على التدرج في إعطاء الأدوية للحيوانات، إذ يصف الطبيب البيطري أدوية مخففة، ويقدّر تركيز المضاد الحيوي بناء على حالة المرض والأضرار الثانوية التي يمكن أن تترتب عليه، وفي حالة عدم الاستجابة، ينتقل إلى أدوية أقوى أو ذات تركيز أعلى.
وفسّر جمال خطورة كثرة استخدام المضادات الحيوية القوية بتراجع استجابة الحيوانات لهذه المضادات، بسبب المناعة الخلوية التي تسببها هذه الأدوية، ففي المرة الأولى تكون الاستجابة 100%، وبالتي تليها تصل إلى 70%، وتتناقص بالتدريج حتى عدم إمكانية معالجة الحيوانات مع الزمن.
أما عن مدى الأضرار التي تسببها المضادات الحيوية القوية التي تعطى للحيوانات على الإنسان فقال الطبيب البيطري، إن هناك تعليمات “صارمة” يجب على المربين تطبيقها في حال وصف المضادات القوية للحيوانات، منها رمي الحليب الناتج عن الحيوانات المعالجة لفترة بعد إعطاء الأدوية لها، إذ تسبب هذه الأدوية مواد مسرطنة في الحليب تشكّل خطرًا على حياة الإنسان.
كما يؤدي بعض هذه الأدوية إلى تغير طعم اللحوم، وإعطاء الحيوانات جرعات منها دون مبرر يؤدي إلى خطر تناول هذه اللحوم على البشر، وهو ما يمكن حدوثه في حال عدم استشارة الطبيب البيطري.