عنب بلدي – جنى العيسى
يجري الحديث، منذ مطلع تموز الحالي، عن استثمار مقبل في مطار “دمشق الدولي” من قبل شركة خاصة ذُكر اسمها إعلاميًا فقط، دون أن ترد حكومة النظام السوري بشكل رسمي على هذا الحديث.
تتبعت عنب بلدي اسم الشركة الذي ذُكر في جريدة حكومية، وبياناتها المنشورة عبر الجريدة الرسمية، لمعرفة من يقف وراءها.
توضح عنب بلدي في هذا التقرير، تفاصيل عن الشركة ومؤسسيها ومن وراءها، وتحاول معرفة أثر الخصخصة التي يتبعها النظام منذ سنوات على قطاعات حيوية أساسية في البلاد.
شريك بالنصف لكل المطارات
في 2 من تموز الحالي، نقلت صحيفة “البعث” الحكومية عن مصادر في وزارة النقل بحكومة النظام السوري قولها، إن شركة خاصة “لم تفصح عن اسمها” حينها ستستثمر في مطار “دمشق الدولي”، بنسبة ستتوزع بين 51% لـ”المؤسسة العامة للطيران”، و49% للمستثمر الشريك.
وأشارت المصادر إلى أن الشركة المستثمرة ستتحمل المسؤوليات التي يتيحها القطاع للعمل في الطيران المدني من تنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع، وامتلاك وشراء وإيجار واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران، وفتح فروع داخل وخارج سوريا، بالتوازي مع الدخول في ميدان الخدمات الأرضية من خلال تأمين البنى اللازمة من معدات وشاحنات ورافعات وعربات أرضية تخدم حركة القدوم والمغادرة.
ووفق الصحيفة، فإن البنود الأساسية التي سيتم التركيز عليها ضرورة تأمين الصيانة والتأهيل من قبل الشريك بالتنسيق مع قدرات وإمكانيات الكوادر الفنية والخبرات التي يمتلكها المطار، وهنا يتحمل الجانب الخاص مسؤولية تأمين الإمكانات والقدرات ووسائط الدعم اللوجستي لعمل الطواقم الفنية العائدة لرأسمال المطار البشري.
وفي توضيحات لاحقة، نشرت الصحيفة نفسها أن استثمار الشركة لا يتعلق بأرض المطار، “لما تمثله من سيادة للدولة”، بل بالشركة ذات العمل التجاري “المؤسسة السورية للطيران”، نظرًا إلى ظروف عمل هذه الشركة الصعبة وواقع جاهزية الطائرات التي تملكها، والتي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، حيث هناك صعوبات في تأمين القطع التبديلية لإجراء الصيانة المطلوبة وإعادة تأهيل هذه الطائرات.
وأشارت الصحيفة إلى أن الموضوع لا يزال طور المناقشة والدراسة بين مؤسسة الطيران وشركة “ايلوما للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة”.
ومن خلال هذه المعلومات، يتضح أن الاستثمار المقبل لن يكون في مطار “دمشق” فقط، بل بجميع المطارات السورية التي تستخدمها “المؤسسة السورية للطيران”.
أُسست “شركة الخطوط الجوية السورية” عام 1946 بطائرتين مروحيتين من طراز “سيسنامستير”، وبدأت بتسيير رحلات بين المطارات السورية في محافظات دمشق وحلب ودير الزور ثم القامشلي، وفي عام 1975، تم تغيير اسمها إلى “مؤسسة الطيران العربية السورية” بموجب مرسوم جمهوري، نصت مادته الثانية على إحداث مؤسسة عامة تسمى “مؤسسة الطيران العربية السورية”، مركزها الرئيس محافظة دمشق، وترتبط بوزير النقل، وتعتبر هذه المؤسسة في علاقاتها مع الغير بحكم الشركات، وتطبق عليها أحكام قانون التجارة. |
300 مليون دولار لـ20 عامًا
في كتاب وجهته شركة “ايلوما” لوزارة النقل، في 4 من كانون الثاني الماضي، طرحت فيه خطتها للاستثمار، التي تضمنت ضخ استثمارات قدرها 300 مليون دولار أمريكي خلال 20 عامًا على أن تستثمر في:
1. شراء وصيانة الطائرات والمحركات وقطع التبديل والوصول بالأسطول إلى 20 طائرة.
2. رفع قدرة العمليات الأرضية لتخديم أكثر من 25 ألف رحلة سنويًا لجميع النواقل الوطنية والأجنبية.
3. رفع عدد الركاب إلى أكثر من ثلاثة ملايين راكب سنويًا.
4. تأهيل مركز تموين الطائرات لتقديم أكثر من عشرة آلاف وجبة يوميًا.
5. تأهيل مركز الصيانة لتقديم خدمات الصيانة وعمليات التعمير وتأهيل مركز التدريب.
6. إضافة جهاز محاكاة الطيران لتدريب الطيارين السوريين والأجانب.
7. تعديل الرواتب والتعويضات ورفعها لجميع الفئات والمستويات الوطنية.
ستحصل الشركة لقاء ذلك على نسبة 20% من الإيرادات الصافية في أول عشر سنوات من الاستثمار، وسيتم رفعها لتصبح 25% من الإيرادات الصافية في السنوات العشر الثانية.
شركة جديدة مؤسسوها مغمورون
في 24 من تشرين الثاني 2022، صدّقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري على النظام الأساسي لشركة “ايلوما للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة”، بحسب قرار اطلعت عليه عنب بلدي، نُشر في الجزء الثاني من العدد الخامس من الجريدة الرسمية لعام 2023.
تتمثل غاية الشركة بإدارة واستثمار المنشآت التي تعمل في مجال السياحة وخدمات المطارات، ودخول المناقصات والمزايدات مع القطاع العام، وشراء الأسهم والحصص في جميع أنواع الشركات، والمشاركة أو المساهمة في تأسيسها أو الاشتراك في إداراتها، وتملك الأراضي والعقارات اللازمة لتحقيق غاية الشركة، عدا بناء المساكن وبيعها والاتجار بها.
يبلغ رأسمال الشركة 100 مليون ليرة سورية، وتعود ملكيتها لثلاثة أشخاص مغمورين يحملون الجنسية السورية، بنسب متقاربة، هم علي محمد ديب (مواليد 1989) بنسبة 33%، ورزان نزار حميرة (مواليد 1991) بنسبة 33%، وراميا حمدان ديب (مواليد 1981) بنسبة 34%.
وبعد قرار التأسيس بنحو خمسة أشهر، قررت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التصديق على قرار الهيئة العامة غير العادية لشركة “ايلوما” المتضمن الموافقة بالإجماع على تعديل غاية الشركة، بإضافة النشاط التالي إليها المتمثل بإدارة شركات الطيران والمطارات، بحسب قرار اطلعت عليه عنب بلدي، نُشر في الجزء الثاني من العدد رقم “20” لعام 2023 من الجريدة الرسمية.
بشار وأسماء الأسد وراءها
مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال لعنب بلدي، إن شركة “ايلوما” أُسست لتتسلّم قطاع الطيران في سوريا، الأمر الذي يحقق للنظام غرضين أساسيين، أولهما مرحلي يتعلق بمحاولة تجاوز العقوبات الغربية على “المؤسسة السورية الطيران” التي تمتلك الحقوق الحصرية لتشغيل كل المطارات، والكاسب الحصري لقاء عمليات التشغيل بما تشمله من تعاقد مع شركات أجنبية، وتكاليف الهبوط في المطار وغيرها من الإجراءات.
ويتعلق الغرض الثاني من وراء إنشاء الشركة، وفق شعار، بخصخصة الشركة وتحويل عائداتها من الحكومة إلى جيوب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وزوجته أسماء الأسد بشكل مباشر، في محاولة منهما لابتلاع القطاع العام.
ولدى مراجعة للجريدة الرسمية، والاطلاع على تأسيس عدد من الشركات، يتضح ارتباط أسماء المؤسسين المغمورين لشركة “ايلوما”، منهم مثلًا راميا حمدان ديب، برجل الأعمال علي نجيب إبراهيم، إذ يتشارك الاثنان في ما لا يقل عن ثماني شركات، بحسب الدكتور كرم شعار.
بالمقابل، يتشارك علي نجيب إبراهيم مع يسار إبراهيم في عدد من شركات “الواجهة” التي لا وجود حقيقي لها في عالم الأعمال، وأُسست لتنفيذ أوامر القصر الجمهوري.
يسار إبراهيم مساعد رئيس النظام، ويعمل في القصر الجمهوري، ومن الأشخاص الذين تربطهم علاقات كبيرة في قطاع الاقتصاد مع أسماء الأسد.
اقرأ أيضًا: النظام السوري يتوجه نحو شركات “الواجهة“
وفي آذار 2022، كشف تقرير نُشر في صحيفة “الجارديان” البريطانية، أعده الدكتور كرم شعار، بالتعاون مع الصحفية تيسا فوكس، عن توجه لدى رجال الأعمال المقربين من النظام السوري، يتمثل بإنشاء شركات وهمية بهدف التهرب من العقوبات الغربية التي قد تفرض عليهم بسبب قربهم من النظام ودعمهم المالي له.
وكان من بين أسماء رجال الأعمال اللافتة ضمن التقرير، علي نجيب إبراهيم ويسار إبراهيم.
يسار إبراهيم.. اسم جديد في “الخدمات الجوية”
بالشراكة بين السوري مصطفى عبد الرزاق حسين بحصة 40%، والسوري عبد القادر زكريا شقيفه بحصة 40%، وشركة “زيارة للسياحة” بحصة 20%، أُسست شركة “خطوط ستارز الجوية” المحدودة المسؤولية، وفق ما جاء في الجزء الثاني من العدد رقم “11”، الصادر في 16 من آذار الماضي.
أسس شركة “زيارة للسياحة”، التي تملك حصة في “خطوط ستارز”، يسار حسين إبراهيم، ويشغل مساعد رئيس الجمهورية، وهو يدير الشركة ويملك 50% من أسهمها.
وتتمثل غاية الشركة بالقيام بجميع الأعمال التي تتعلق بالخدمات والمعلومات التي تخص النقل الجوي للركاب والبضائع من وإلى سوريا، وامتلاك وشراء وإيجار واستئجار واستثمار الطائرات وتقديم الخدمات الاستشارية، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران وفتح فروع داخل وخارج سوريا، وتملك الأراضي والعقارات اللازمة لغايات الشركة، عدا بناء المساكن وبيعها والاتجار بها مهما كان نوعها.
“مجلس سري” تقوده أسماء الأسد
كشف تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أن أسماء الأسد تترأس “مجلس الاقتصاد السري” للنظام السوري، وتعمل فيه بمشاركة رجال أعمال وأشخاص مقربين من النظام، وفق مقابلات أجرتها الصحيفة مع 18 شخصًا مطّلعين على عمل النظام السوري، بينهم رؤساء شركات وعمال إغاثة ومسؤولون حكوميون سابقون.
وأوضح التقرير أن أسماء الأسد تمارس دورًا بارزًا بالفساد في سوريا وتتحكم بالاقتصاد السوري المنهك، ويظهر نفوذها بقطاعات عديدة في الاقتصاد السوري، بينها العقارات والبنوك والاتصالات، وفق ما ذكره التقرير، لافتًا إلى أن ذلك الوجود مخفي باستخدام شركات وهمية لشركاء النظام السوري.
وبخلاف اللجنة الاقتصادية الرسمية للحكومة، لا يظهر عمل “مجلس الاقتصاد السري” خارج بوابات القصر الجمهوري، وينفذ عمليات مصادرة الأصول من قبله بشكل سري، إذ يعد من أبرز أعماله الاستيلاء على أموال رجل الأعمال السوري رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري، وشمل ذلك “دمشق الشام القابضة”، و”سيريتل” أكبر شبكة اتصالات في سوريا، بالإضافة إلى مؤسسة “مخلوف الخيرية”.
ووفق التقرير، تشمل دائرة علاقات أسماء الأسد الاقتصادية العديد من الأسماء، منها يسار إبراهيم، وفارس كلاس الأمين العام لـ”الأمانة السورية للتنمية”، والمستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري، لونا الشبل، ورجل الأعمال السوري خضر علي طاهر، بالإضافة إلى لينا كناية التي شغلت رئاسة مكتب أسماء الأسد في وقت سابق، ودانا باخور التي ظهرت خلال زيارة الأسد الأخيرة إلى الإمارات.
احتكار والتفاف على القانون
العميدة السابقة لكلية الاقتصاد في محافظة القنيطرة جنوبي سوريا، رشا سيروب، قالت عبر حسابها الشخصي في “فيس بوك“، إنه في حال نُفذ المشروع المتعلق باستثمار شركة “ايلوما” بالصيغة المطروحة فهذا يعني عدة أمور، منها نقل احتكار خدمات الطيران في جميع المطارات السورية من مؤسسة عامة إلى مؤسسة خاصة تحت مسمى “إدارة واستثمار”.
وأضافت سيروب أن هذا النوع من المرافق عندما يُستثمر من جهات خاصة (قد تكون أجنبية أو أجنبية بلباس سوري) يهدد الأمن القومي، معتبرة أن ذلك ليس شعارًا اشتراكيًا مبنيًا على ذهنية أيديولوجية نمطية.
جاءت “التشاركية المزعومة” بين شركة “ايلوما” و”المؤسسة السورية للطيران” تحت مسمى “استثمار وتطوير وإدارة وتشغيل مؤسسة الخطوط الجوية السورية”، ولم تُذكر التشاركية صراحة، وبررت سيروب ذلك، بأن عقود التشاركية لها سلسلة من الإجراءات الواضحة والواردة ضمن القانون “5” لعام 2016، الذي ينص في إحدى مواده على أنه لا يجوز للمؤسسة العامة أن تعقد استثمارًا مع قطاع خاص دون استدراج عروض، أي عن طريق المناقصة (بمعنى لا يجوز إجراء أي تعاقد مباشر أو عقود بالتراضي كما هو مطبق في قانون العقود الموحد 51 لعام 2004)، إلا إن رغبت وزارة النقل و”السورية للطيران” بتجاوز القانون، وفق العميدة السابقة.
يعرّف القانون رقم “5” لعام 2016 المعني بضبط التشاركية بين القطاعين العام والخاص، التشاركية على أنها علاقة تعاقدية لمدة زمنية محددة ومتفق عليها، بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص، يقوم بموجبها الشريك الخاص بالاستثمار في واحد أو أكثر من الأعمال التالية:
تصميم أو إنشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشغيل مرفق عام أو مشروع لدى الجهة العامة. |
والهدف هو المساهمة في تقديم خدمة عامة أو أي خدمة تتوخى المصلحة العامة، مباشرة إلى الجهة العامة المتعاقدة، أو نيابة عنها إلى المستفيد النهائي.
وباعتبار أن المنشآت والمؤسسات والمرافق العامة ملكية عامة، يتطلب نقل إدارة القطاع العام إلى شريك خاص، تحت أي مسمى وصيغة استثمارية، موافقة “مجلس التشاركية” الذي يرأسه رئيس حكومة النظام، على المشاريع التي يمكن تشميلها بقانون التشاركية، كما يجب أن يكون مكتب التشاركية في “هيئة التخطيط والتعاون الدولي” قد قام بدراسة المشاريع المقترحة للتشاركية، وإبداء الرأي حول جدواها من حيث ثلاث نقاط وفق سيروب.
وتتمثل النقاط الثلاث تلك، بالتأهيل الأولي، أي التحقق من الشركات أو الأشخاص الراغبين بإدارة المرافق العامة، حول أهليتهم لتقديم العروض، من حيث الخبرات السابقة في ذات المجال، ومدى وجود الكفاءة المالية والفنية والموارد البشرية والتقنيات المتاحة لديهم، بالإضافة إلى العرض أي الإعلان عن المشروع واستدراج العروض من قبل العارضين المؤهلين، وأخيرًا التعاقد الذي يأتي بعد تفاوض الجهة العامة مع العارض الفائز، إذ يتم التوصل إلى صيغة عقد التشاركية الذي يعرض عن طريق مكتب التشاركية على مجلس التشاركية للتصديق.