حمّل تحقيق جديد خفر السواحل اليوناني، مسؤولية غرق مركب اللاجئين، في أثناء محاولة سحبه.
ونشرت صحيفة “The Guardian” البريطانية، اليوم الإثنين 10 من تموز، تفاصيل جديدة حول أسباب غرق المركب، متهمةً اليونان بالتلاعب بأقوال الناجين.
وشهد حزيران الماضي، غرق مركب حمل على متنه مئات اللاجئين من جنسيات مختلفة، بينهم سوريون ومصريون، قبالة سواحل اليونان.
كيف غرق المركب؟
يتهم التحقيق سفينة خفر السواحل اليونانية بجر المركب بشكل سريع للغاية، ما أدى إلى انقلابه، وغرق مئات الركاب.
وقالت الصحيفة، إن التحقيق يظهر “بشكل حاسم”، أن المركب بدأ بالتحرك باتجاه الجهة الغربية لدى لقائه بسفينة خفر السواحل، والتي أخبرت بدورها المهاجرين بأنها ستجر المركب إلى إيطاليا.
وتتعارض هذه المعلومات مع ما قالته السلطات اليونانية، بأن المركب تحرك للجهة الغربية من تلقاء نفسه، كما أنه كان متوقفًا لمدة ساعة وكان يتجه قبل توقفه إلى الجنوب.
ووفق الصحيفة، حصلت عملية الجرّ مرتين، والثانية كانت عملية “مميتة”، دفعت القارب بشكل سريع للغاية، عبر ربطه بحبال ودون تشغيل محركه ولمدة عشر دقائق.
بحسب شهادة أحد الناجين، شعر ركاب القارب بأن اليونان تحاول فقط إخراجهم من مياهها الإقليمية لإخلاء مسؤوليتها.
كما نقل التحقيق عن المحامية من المجلس اليوناني للاجئين، أحدى منظمتين قانونيتين تمثلان 50 لاجئًا في القضية، بأن شهادات الناجين تشير إلى محاولتي جرّ.
وتتقاطع هذه المعلومات مع تلك المقدمة للمدعي العام اليوناني، حول وجود حبل جرّ قوي، استخدم لجر القارب.
كما وثقت الصحيفة وجود عناصر ملثمين، ربطوا حبلًا بالمركب، يتبعون وفق “The Guardian“، إلى فريق عمليات خاصة يدعى “KEA”، يستخدم لعمليات خطيرة لمكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات.
وهذا الفريق ينتشر على بعد 150 ميلًا بحريًا، وتمثل الاستعانة به أمرًا “غير مفهوم”، بالنظر إلى وجود سفن أخرى قادرة على المساعدة برغم صغر حجمها، بالإضافة إلى سفن الصيد القريبة.
كما أن السلطات اليونانية علمت قبل يوم واحد من غرق القارب بوجوده، وتلقت اتصالات من قوارب صغيرة كانت على اتصال بالمركب الغارق.
ونقلت الصحيفة عن مصدرين داخل خفر السواحل اليوناني، اعتقادهما بأن عملية سحب القارب كانت السبب الرئيس لانقلابه.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتسبب عملية سحب بغرق قارب، إذ حصلت حادثة مشابهة في 2014، وتسببت بمقتل 11 شخصًا.
وحصل خفر السواحل اليوناني على حكم براءة من محاكم يونانية، إلا أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أصدرت حكمًا بالإدانة في 2022.
تقصير في المعلومات
برغم أن خفر السواحل اليوناني نفى وجود أي تسجيلات لعملية الإنقاذ، على اعتبار أن الطاقم كان يصب جهوده للمساعدة، إلا أن التحقيق يشير إلى أن كاميرات المراقبة تعمل آليًَا.
بحسب الصحيفة، فإن هذه الكاميرات موجودة لتوثيق مثل هذه الحوادث.
كما لم ترد السلطات اليونانية على عروض المساعدة من وكالة تأمين الحدود وخفر السواحل في الاتحاد الأوروبي، وفق الصحيفة، التي وجدت أن هناك تناقضًا في الرواية الرسمية للأحداث.
تلاعب بشهادات الناجين
الصحيفة أشارت في تحقيقها إلى وجود تلاعب في بشهادات الناجين، مع وجود نسختين، الأولى لدى خفر السواحل والثانية لدى المدعي العام اليوناني.
وبعد اطلاع “The Guardian” على محاضر التحقيق، وجدت تشابهًا في الكلمات لوصف عملية الغرق لدى اثنين من اللاجئين من جنسيات مختلفة، تضمنت “كان العدد كبيرًا”، “القارب كان قديمًا وصدئًا ولهذا السبب غرقنا”.
الصحيفة قالت، إن نفس اللاجئين، قدموا شهادة مختلفة للمدعي العام، أشاروا خلالها إلى مسؤولية خفر السواحل عن غرق القارب عبر سحبه.
بلغ عدد المهاجرين عبر البحر المتوسط 74.419 شخصًا، بحسب إحصائيات صادرة عن منظمة الهجرة الدولية في 18 من حزيران الحالي.
وخلال الربع الأول من 2023، لقي 441 مهاجرًا مصرعهم وسط البحر المتوسط، ومن المتوقع أن يكون عدد المفقودين أكبر بكثير، بحسب التقرير.
وأقامت محافظة درعا، جنوبي سوريا، حدادًا عامًا في حزيران الماضي، وأقام سكان المدينة صلاة الغائب على أرواح ضحايا القارب الذي ينتمي الكثير منهم إلى المحافظة.
على ماذا اعتمد التحقيق
الصحيفة قالت إن تحقيقها اعتمد على مجموعة من العناصر، شملت أكثر من 20 مقابلة مع ناجين، ووثائق قانونية ومصادر من خفر السواحل، لمحاولة تكوين صورة كاملة حول فرص الإنقاذ، وتجاهل عروض المساعدة.
كما اعتمدت على تتبع مسارات الطيران، وبيانات الحركة البحرية وصور الأقمار الصناعية وتسجيلات مصورة من سفن تجارية قريبة من موقع غرق القارب، بالإضافة إلى بيانات من سجل خفر السواحل.
ومن أصل 704 ركاب، نجا 104 فقط، بينما هناك 500 شخص في عداد المفقودين.
وعمدت “The Guardian” إلى إنشاء تصور كامل عبر التقنية ثلاثية الأبعاد، لليلة غرق المركب وما حصل، بالتعاون مع وكالة أبحاث ألمانية تدعى Forensis، مختصة بالتحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان.
كما شاركت في التحقيق الإذاعة العامة الألمانية.
بدأ التحقيق عبر تتبع مسار المركب منذ انطلاقه من الأراضي الليبية في 14 من حزيران الماضي، وحتى غرقه، ووجود سفينة يونانية مختصة راسية على السواحل اليونانية ولم تستخدم في جهود الإنقاذ.
في 2 من حزيران الماضي، نشر موقع “Light house reports” تحقيقًا صحفيًا قال فيه، إن السلطات الإيطالية و”وكالة الحدود الأوروبية” (فرونتكس) تجاهلتا استغاثة أطلقها قارب كان يقل نحو 200 لاجئ على مقربة من حدود إيطاليا، ما أدى إلى غرقه متسببًا بوفاة 94 شخصًا بينهم 35 طفلًا.
وأشار التحقيق الذي ترجمته عنب بلدي، إلى أن قاربًا خشبيًا تحطم، في 26 من أيار الماضي، بالقرب من شاطئ بلدة كوترو في إقليم كالابريا بإيطاليا، كان على متنه نحو 200 شخص، معظمهم لاجئون من أفغانستان.
وبحسب التحقيق، فإن كلًا من السلطات الإيطالية وقيادة “فرونتكس” كانا على علم بأن القارب يظهر علامات استغاثة عندما شوهد لأول مرة قبل ست ساعات من تحطمه، لكنهما قررتا مع ذلك عدم التدخل، ثم حاولتا إخفاء مدى معرفتهما.
وبحسب شهادات أوردها التحقيق لناجين من القارب، فإن محامي بعض عائلات الضحايا يخططون لرفع دعوى قضائية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قائلين إنه يجب تحميل إيطاليا المسؤولية عن “الانتهاك غير القابل للإصلاح بحق المهاجرين”.