النظام السوري والمغرب.. هل تعود العلاقات من بوابة “بوليساريو”

  • 2023/07/11
  • 12:23 م

ملك المغرب محمد السادس مع رئيس النظام السوري بشار الأسد أثناء زيارته للمغرب- نيسان 2001 (AFP)

ظهرت خلال الأسبوع الماضي عدة مؤشرات تتحدث عن احتمالية عودة العلاقات بين النظام السوري والمملكة المغربية، في ظل موجة التطبيع العربي التي أعادت مقعد سوريا في الجامعة العربية إلى النظام.

وتوقفت العلاقات بشكل نهائي بين النظام والمغرب منذ تموز عام 2012، حين تبادل الطرفان طرد السفراء، وعللت الخارجية المغربية، حينها، هذه الخطوة، بفشل الجهود التي بذلتها للتسوية في سوريا، بينما جاءت خطوة النظام على مبدأ “المعاملة بالمثل”.

وقبل عام 2012، شاب التوتر العلاقات بين المغرب والنظام، بسبب دعم الأخير لجبهة “بوليساريو”، واعترافه في 15 من نيسان 1980 بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، التي تعدها المغرب “حركة انفصالية تسعى لزعزعة أمن المملكة”.

ويعود الصراع على منطقة الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة “بوليساريو” إلى فترة ما بعد الاحتلال الإسباني، وتحديدًا في عام 1975، وتحوّل هذا الصراع إلى شكل مسلّح توقف بتوقيع قرار وقف إطلاق النار في عام 1991، بناء على اقتراحات الأمين العام المقدمة للأمم المتحدة عام 1988.

وفي أيلول من عام 1991، حددت الأمم المتحدة منطقة الكرارات (منطقة جغرافية صغيرة في الصحراء الغربية المتنازع عليها، تقع على بعد 11 كيلومترًا من الحدود مع موريتانيا، وخمسة كيلومترات من المحيط الأطلسي، وتقع تحت سيطرة المغرب) كمنطقة عازلة فاصلة بين “بوليساريو” والقوات المغربية.

ما فرص التطبيع؟

مطلع تموز الحالي، ذكر موقع “فاس نيوز” المغربي، أن النظام السوري بصدد سحب اعترافه بجبهة “بوليساريو” بهدف استمالة المملكة المغربية وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، مشيرًا إلى أن هذا القرار سيؤثر على سير العلاقات بين الجانبين.

في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال“، في 12 من نيسان الماضي، حول مواقف الدول العربية من عودة النظام السوري لشغل مقعد سوريا في الجامعة، لفتت الصحيفة إلى وجود ما لا يقل عن خمس دول ترفض عودة النظام حينها، من بينها المغرب، الذي يريد من حكومة النظام إنهاء دعمها لجبهة “بوليساريو” للموافقة على هذه الخطوة.

وكمؤشر آخر على إمكانية حدوث تغيير في العلاقات، امتنع المغرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن التصويت لمصلحة قرار إنشاء هيئة أممية لمعالجة مصير المفقودين والمختفين قسرًا في سوريا، في 30 من حزيران الماضي، إلى جانب عديد من الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع النظام مثل السعودية والأردن والإمارات ومصر.

وكان المغرب يصوّت عادة لمصلحة القرارات الأممية التي تدين أو يعارضها النظام السوري، ومن بينها قرار “حالة حقوق الإنسان في سوريا”، الذي رحب بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى إنشاء مؤسسة دولية مختصة بمعالجة مصير المفقودين في سوريا، في 17 من تشرين الثاني 2022.

الخبير المغربي في العلاقات الدولية هشام معتضد، قال لعنب بلدي، إن عودة العلاقات السورية- المغربية رهين بخلق السياق المناسب لاستئنافها، نظرًا إلى التحديات الجيوسياسية التي طبعت المنطقة العربية والإسلامية “بعد فترة ما يُصطلح عليه بالربيع العربي”، والانزواء السياسي لمعظم الأنظمة العربية في الفترة الماضية، نظرًا إلى التحولات الاجتماعية التي هيمنت على مكوّنات الشارع العربي.

ويرى معتضد أن أمر إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين سيأخذ وقتًا لخلق السياق المناسب، والوصول إلى قناعة استراتيجية من أجل التواصل السياسي.

وحول نقطة سحب الاعتراف بجبهة “بوليساريو” كمقدمة لإعادة العلاقات، أكد الخبير في العلاقات الدولية أن احترام السيادة الترابية للبلدين وتوجهاتهما الاستراتيجية توجدان في قلب المشاورات السياسية بين “القيادتين”، من أجل ضمان بناء سياسي و دبلوماسي متين في العلاقات الثنائية بين البلدين.

من جهته، قال المحلل السياسي المغربي حفيظ الزهري، لعنب بلدي، إن عودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، كانت بمنزلة إشارة واضحة نحو إمكانية عودة العلاقات الثنائية بينها وبين بقية الدول العربية.

والعلاقات السورية- المغربية بدورها قد تتأثر بمحيطها العربي، وبالتالي فهناك “إمكانية كبيرة” لإعادة سكة قطار العلاقات بين البلدين للعمل من جديد، وفق الزهري، مستدركًا أن اعتراف حكومة النظام بـ”بوليساريو” قد يؤخر انطلاقة هذا القطار، بحكم أن المغرب ينطلق دائمًا من موقفه مع الدول من الوحدة الترابية للمملكة، مشيرًا إلى أحد خطابات الملك المغربي، محمد السادس، حين قال إن “الصحراء المغربية هي النظارات التي يرى بها المغرب علاقاته الخارجية”.

وربط المحلل السياسي أي عودة للعلاقات بين الرباط ودمشق بموقف رسمي من الأخيرة قائم على اعتراف رسمي بمغربية الصحراء، وسحب الاعتراف بـ”بوليساريو”، بحسب ما يعتقده الزهري، وهو ما يتجه النظام نحوه في إطار معالجة شاملة لعودته إلى جامعة الدول العربية.

وفي 29 من حزيران الماضي، كأحد مؤشرات التقارب، صرح حليف النظام السوري، وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، أن بلاده تؤيد تطبيع وتطوير العلاقات مع كل من المغرب ومصر، في كلمة له خلال حفل أقيم بمناسبة عيد الأضحى بمشاركة سفراء الدول الإسلامية لدى طهران.

وقطعت الحكومة المغربية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عام 2018، وأغلقت سفارتها في طهران، بسبب إقامة “حزب الله” اللبناني المدعوم من إيران علاقات مع جبهة “بوليساريو”، واعتبار ذلك “تهديدًا لأمن المغرب”.

أين الجزائر من العودة؟

تربط الجزائر علاقات وثيقة مع النظام السوري، إذ كانت من أبرز الداعمين لعودته إلى مقعد سوريا بالجامعة العربية، وقد بذلت جهودًا حثيثة لحضوره القمة العربية التي استضافتها في النسخة قبل الماضية، في حين تعد علاقاتها الدبلوماسية مقطوعة مع جارتها المغرب حاليًا، وهي التي تدعم وتعترف أيضًا بجبهة “بوليساريو”.

الخبير المغربي في العلاقات الدولية هشام معتضد، يرى أن تهيئة استئناف العلاقات بين الرباط ودمشق لن يؤثر على العلاقات الوثيقة بين الأخيرة والجزائر، لأن منطق العلاقات الدولية مرتبط “بثقافة المصالح المتبادلة، وليس حبيس المجاملات الإنسانية”.

وأضاف أن لدمشق والجزائر كما للرباط الحق في بناء علاقات ثنائية أو متعددة الأطراف، تماشيًا مع رؤيتهما الإستراتيجية بما “يصون مصالح شعوبهم ويضمن مكاسبهم الحيوية، بعيدًا عن المقارنات الشخصية أو الحسابات الضيقة”.

بينما يرى المحلل السياسي المغربي حفيظ الزهري، أن العلاقات السورية- الجزائرية بنيت على أساس “رد فعل” وليس على أساس منفعة اقتصادية للشعبين، موضحًا أن الجزائر “تستثمر في ما يمكن أن يكون معاديًا للمغرب ويحاول استغلال الفرص، التي من ضمنها فرصة قطع العلاقات المغربية- السورية”.

ويعتقد الزهري أنه في حال حدوث تطورات بالعلاقة بين النظام والمغرب، فإن ذلك سيؤثر على علاقات دمشق والجزائر، محذرًا من أن الأخيرة “معروفة بردود فعلها غير المحسوبة العواقب”، وأن أي سحب لاعتراف النظام بـ”بوليساريو” سيكون له “أثر كبير” على علاقاته بالجزائر.

منتصف نيسان الماضي، تحدث مصدر دبلوماسي كان ضمن البعثة الدبلوماسية السورية السابقة في المملكة المغربية، عن محاولات مغربية سابقة لفتح قنوات تواصل بوساطة سلطنة عمان، لبحث مسألة سحب اعتراف النظام بجبهة “بوليساريو”، بحسب ما نقله عنه موقع “أثر” المحلي.

وقال المصدر الذي لم يكشف عن اسمه، إنه في الآونة الأخيرة لم تتدخل دمشق في مسألة “بوليساريو” حتى في الاجتماعات الدولية، بحيث كان الموضوع متروكًا للجنة إنهاء الاستعمار في الأمم المتحدة.

وأكد المصدر أن النظام ليس له أي مصلحة بأي علاقات متوترة في المنطقة خاصة مع الجزائر، نظرًا إلى أن مسألة “بوليساريو” “حساسة جدًا” للجزائر أيضًا، قائلًا، “لا أظن أن يكون هناك أي وعد سوري للمغرب إزاء مسألة الصحراء الغربية”.

وبحسب “أثر”، سمح النظام السوري في السنوات القليلة الماضية بالتوافق مع الجزائر، بفتح مكتب خاص يمثل “حكومة الصحراء الغربية” (بوليساريو) المدعومة من الجزائر، دون تأكيد فيما إذا كان المكتب موجودًا أم أُغلق.

ما مصلحة المغرب من التطبيع؟

قال وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، خلال برنامج “بلا حدود” الذي بثته قناة “الجزيرة” القطرية عام 2019، إن “المغرب لم يقطع العلاقات مع سوريا ولم يغلق السفارة في 2012″، مضيفًا أن ما حدث هو أن الطاقم الدبلوماسي السوري ترك الرباط، والطاقم الدبلوماسي المغربي ترك دمشق وهو الآن في بيروت.

وحول موقف المغرب حينها من عودة النظام إلى الجامعة العربية، قال بوريطة، إن هناك حاجة أولًا إلى “دور وتنسيق عربي” قبل اتخاذ أي قرار، وربط ذلك بكيفية مساعدة هذا الدور على “حلحلة” المسار السياسي في سوريا.

الخبير المغربي في العلاقات الدولية هشام معتضد، اعتبر أن المغرب سيستفيد سياسيًا واستراتيجيًا من استئناف العلاقات، لأن “التوازنات الجيوستراتيجية في فضاء سوريا الجيوسياسي مهمة في رؤية الرباط السياسية على المستوى الخارجي”، وتضمن قنوات تواصل دبلوماسية “استباقًا لأي أخطار قد تهدد الأمن القومي للبلد”.

وعاد إلى المغرب عديد من عوائل تنظيم “الدولة الإسلامية” من مخيمات شمال شرقي سوريا، في حين تعتبر بعض البلدان أن هؤلاء الأفراد قد يشكّلون تهديدًا للأمن داخل بلدانهم.

وتتبنى القيادة المغربية “قيم الانفتاح الدبلوماسي في بناء تواصلها مع الفضاء الخارجي، لأنها تؤمن بأن خلق السلام يمر عبر تشييد جسور التواصل السياسي”، وفق معتضد.

المحلل السياسي المغربي حفيظ الزهري، يرى أنه من الجانب السياسي، يستفيد النظام السوري في حال أعاد العلاقات مع المغرب بفك عزلته العربية، وفتح علاقات جديدة مع “دولة لها وزن في العلاقات الدولية خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط”، بينما المغرب سيزيل بلدًا آخر من لائحة البلدان القليلة المعترفة بـ”بوليساريو”.

وعلى المستوى الاقتصادي، ستكون أمام البلدين فرصة “كبيرة” لتطوير علاقاتهما وتبادلهما التجاري، وفق الزهري، الذي قال إن عودة العلاقات لها “أثر كبير” على المنطقة بشكل عام، وقد تحل عديدًا من الملفات لما يتميز به البلدان من “موقع استراتيجي مؤثر في سير العلاقات التجارية العالمية”.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا