عنب بلدي – جنى العيسى
في 23 من حزيران الماضي، وجهت حكومة النظام السوري كتابًا طالبت فيه وزارة الإدارة المحلية والبيئة بتوجيه المحافظين للتدقيق ببيع “الأمبيرات” وإحالة المخالفين إلى القضاء المختص، بعد أسابيع على ترخيصها في العاصمة السورية دمشق.
وفي توضيح للكتاب، قالت الحكومة إن المقصود بالمخالف هو من يبيع الطاقة الكهربائية المولدة من مجموعات الديزل للمواطنين (الأمبيرات) دون إذن من الوحدة الإدارية والمحافظ، ودون أسس ومعايير معتمدة.
رغم تنصل الحكومة المستمر من مسألة ترخيص انتشار ظاهرة بيع الطاقة الكهربائية المولدة عن طريق “الأمبيرات”، فإن التعميم فيه إشارة واضحة إلى تبنيها ضبط انتشار الظاهرة، ما يؤكد شرعنتها لوجودها، وسط عدم وجود نص تشريعي صريح بذلك.
“الأمبيرات” اسم متعارف عليه لكهرباء المولدات في سوريا، يعتمد عليها مواطنون في ظل انقطاع الكهرباء بمختلف المناطق السورية، ويرتبط سعرها بسعر مادة المازوت، التي يعتمد عليها أصحاب المولدات الكهربائية لتشغيلها.
آل الأسد مستفيدون
نهاية أيار الماضي، قال عضو مجلس محافظة دمشق سمير دكاك، إن أسواق “الشعلان” و”الحمراء” و”الصالحية” بدأت العمل بنظام “الأمبيرات”، بعد حصولها على التراخيص اللازمة، مضيفًا أن من المتوقع عدم التوسع باستخدام “الأمبيرات” في مختلف الأحياء الدمشقية، معللًا ذلك بالحاجة إلى مساحات واسعة كالحدائق لتركيب المولدات الخاصة، ومعترفًا بنفس الوقت بعدم قدرة المحافظة على ضبط المولدات المنتشرة في العاصمة.
رد وزارة الكهرباء الإعلامي على تصريح المحافظة جاء على لسان مدير دعم صندوق الطاقات المتجددة في وزارة الكهرباء بحكومة النظام السوري، زهير مخلوف، بقوله، إن الوزارة لم تمنح أي موافقة على إدراج “الأمبيرات” في العاصمة دمشق وبعض المحافظات، مبررًا ظهورها دون موافقة الوزارة بالحاجة إلى الكهرباء.
ترخيص الظاهرة جاء بعد عدة مرات نفت فيها وزارة الكهرباء في أوقات سابقة قابلية طرح الموضوع للنقاش، معتبرة أنها صاحبة “الحق الحصري” في مسألة توزيع الكهرباء.
ووسط تقنين كهربائي شديد يصل في أحسن أحواله إلى أربع ساعات قطع مقابل ساعة وصل واحدة يتخللها عدة انقطاعات، لا يعد انتشار “الأمبيرات” دون ترخيص رسمي جديدًا في سوريا، إذ تعتمد عليها محافظات مثل حلب واللاذقية وطرطوس منذ سنوات.
انتشار الظاهرة في معظم المحافظات كان لمصلحة مستثمرين بعينهم، إذ ارتبطت تجارة “الأمبيرات” بحلب بأسماء ضباط لدى “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، بينما ارتبطت التجارة في محافظة اللاذقية بحافظ منذر الأسد، أحد أبناء عمومة رئيس النظام، بشار الأسد.
اقرأ أيضًا: حافظ منذر الأسد.. يدير “الأمبيرات” في اللاذقية متجاوزًا قرارات رسمية
بدوره، نقل موقع “صوت العاصمة” المحلي عن مصادر خاصة (لم يسمِّها)، أن وراء ظاهرة “الأمبيرات” في دمشق ضباطًا من “الفرقة الرابعة” وتجارًا مدعومين من قبلها.
الباحثة السورية نسرين الزرعي، المهتمة بالديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا، قالت لعنب بلدي، إن النظام السوري يتجه نحو خصخصة الخدمات في البلاد بكثير من القطاعات، وموافقته على ترخيص “الأمبيرات” جزء من هذا التوجه.
وأشارت الباحثة إلى أن الترخيص يعني تراجعًا أكبر لدور الحكومة لمصلحة الأسد وزوجته وشبكة شركائهم من رجال الأعمال، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى انهيار مستمر بمعايير مستوى المعيشة، ويضع المواطن تحت ضغط أكبر معيشيًا واقتصاديًا.
لا حلول في الأفق
تبلغ حاجة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من الكهرباء نحو ستة آلاف ميغاواط، بينما تصل الكمية المولدة إلى ألفي ميغاواط حتى الآن، بحسب تصريحات سابقة لوزير الكهرباء.
وفاقمت السنوات العشر الأخيرة الأوضاع الخدمية المرتبطة بالكهرباء إلى حد كبير في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، حيث أصبح نصيب الفرد من استهلاك كهرباء الدولة 15% مما كان عليه في عام 2010، وفق دراسة بحثية أعدها الباحثان سنان حتاحت وكرم شعار، في أيلول 2021.
لم تقابل الحكومة الوضع الحالي بحلول مُجدية، رغم تكرارها الوعود من وقت لآخر بانفراجات في هذا القطاع، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
الباحثة الزرعي قالت، إن الدولة في سوريا منهارة بشكل كامل، وفي الوقت نفسه يهتم النظام بالإبقاء على “هيكل بوليسي قمعي” دون أي اهتمام بمعيشة المواطن، الذي تم التخلي عنه بشكل كامل لمصلحة شبكات الأعمال المشبوهة والمرتبطة بالعائلة الحاكمة، وفق رأيها.
وفي أحدث تصريحاتها حول انتشار “الأمبيرات”، قالت وزارة الكهرباء، إن وجودها “مؤقت” وسينتهي حالما تتوفر الظروف الملائمة لتحسن التغطية الكهربائية الحكومية.
الباحث السوري إياد الجعفري، قال في مقال رأي نُشر له عبر موقع “المدن” اللبناني، إن تفسير تراجع الحكومة عن منع تمدد كهرباء “الأمبيرات” هو عدم توقع النظام أي انفراج قريب يشي باستثمارات خليجية مقبلة في ملف سد العجز الكهربائي، قد تنهض ببنية البلاد التحتية المدمرة، كما كان يروّج منظّروه قبل أسابيع فقط، لذا سلم العاصمة لـ”أمراء الأمبيرات”، لكنه لم يشرعنها من جانب الحكومة، وأبقى شرعيتها مؤقتة من جانب المحافظة.
شرعنة قانونية أم مؤقتة
في 29 من تشرين الأول 2022، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، القانون رقم “41” المتضمن تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء، وتضمن حينها إمكانية إعطاء وزارة الكهرباء التراخيص للمستثمرين الراغبين بتنفيذ مشاريع التوليد التقليدية المستقلة من دون الالتزام بشراء الكهرباء.
وزير الكهرباء، غسان الزامل، قال حينها، إن تعديل القانون لا يمثّل تشريعًا لـ”الأمبيرات”، لكون القانون أعطى للمستثمرين إمكانية بيع الكهرباء على التوتر المتوسط لدعم الصناعيين بينما تباع كهرباء “الأمبيرات” على التوتر المنخفض.
بينما ورد في الفقرة الأخيرة من التعديلات أن للمستثمر الحق بعد حصوله على الترخيص ببيع المشتركين على التوتر المنخفض باستخدام شبكات خاصة.
باحثون سوريون توقعوا في حديث سابق لعنب بلدي أن يكون القانون مدخلًا لـ”شرعنة الأمبيرات”، لأن النظام يسعى لتأمين الكهرباء بأي طريقة، سواء بمولدات كبيرة أو عمليات توليد طاقة نظيفة أو محطات كبرى.
اقرأ أيضًا: الأسد وقانون الكهرباء.. “شرعنة الأمبيرات” أم فتح الباب للحلفاء
الباحث إياد الجعفري، لفت بمقاله في هذا السياق إلى أن الفقرة الأخيرة من القانون قُرئت بصورة خاطئة من قبل بعض المحللين، إذ تخص محطات توليد الكهرباء اعتمادًا على مصادر الطاقات المتجددة، وليس تلك المنتَجة من مشاريع التوليد التقليدية، معتبرًا أنه وفق القانون، لم يشرعن النظام “الأمبيرات”، ما يجعل نشاطها مؤقتًا بالفعل.
وحول معنى ذلك، يرى الجعفري أن الأمر يرتبط بالمستفيدين من هذا القطاع، وهم بصورة رئيسة مرتبطون بـ”الفرقة الرابعة”، وشبكة اقتصادها، التي يتربع على رأسها ماهر الأسد.