عنب بلدي – خالد الجرعتلي
انطلقت تدريبات عسكرية مشتركة بين القوات الروسية وقوات النظام السوري، في 5 من تموز الحالي، شرقي محافظة حلب، شاركت فيها وحدات الحرب الإلكترونية “لممارسة رد الهجمات الجوية المفترضة”، بحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وحملت التدريبات التي تستمر ستة أيام، بحسب الوكالة الروسية، جملة من الرسائل، أبرزها كان موجهًا لواشنطن، وأخرى لفصائل المعارضة السورية ضمن مناطق النفوذ التركي.
ومع إعلانها عن انطلاق العمليات العسكرية، قالت وزارة الدفاع الروسية، إن الغرض من التدريبات هو محاكاة عملية التصدي لهجوم جوي، وتحقيق “تفوق جوي” في سوريا.
وتحدثت في وقت آخر عن “محاكاة عملية عسكرية في منطقة ذات طبيعة مائية”.
ويفصل نهر “الفرات” مناطق النفوذ الأمريكي شمال شرقي سوريا عن مناطق النفوذ الروسي الأكبر في سوريا عمليًا، باعتبارها داعمة للنظام السوري.
توازن ملفات
مع انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، في 24 من شباط 2022، حلّقت طائرات حربية روسية فوق ريف حلب الشمالي، حيث تتمركز قوات “الجيش الوطني السوري” بدعم تركي، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا.
وفُسّرت القذائف “الخلبية” التي أطلقتها الطائرات الروسية حينها، على أنها براهين على استمرار وجود الثقل العسكري في سوريا، رغم انشغال موسكو بحربها في أوكرانيا.
ومع تمرد قوات “فاغنر” الروسية والتوجه بأرتال عسكرية نحو العاصمة موسكو، حلّقت الطائرات الروسية مجددًا في المنطقة، لكن هذا التحليق كان امتدادًا لتصعيد عسكري سابق من قبل روسيا في المنطقة.
رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إن المناورات العسكرية الروسية الأحدث في المنطقة هي محاولة من جانب موسكو لتقديم براهين على استمرار وجودها العسكري في سوريا.
وأضاف أن سياسة موسكو العسكرية تستغل مساحات جغرافية تحت السيطرة الروسية، لبرهنة قدرتها على الاستمرار في الملف السوري بغض النظر عن الأحداث التي قد تواجهها في سوريا أو أوكرانيا، أو أحداث “فاغنر”، وغيرها.
وتحاول روسيا الإيحاء، بكامل أدواتها المتاحة، بأن ملفاتها منفصلة، وأن الجيش الروسي في سوريا لا يزال يحافظ على كفاءته.
وأضاف الباحث الخبير بالشأن العسكري، أن الآلية الروسية المشار إليها ناجحة نوعًا ما، فبالنظر إلى مناورات عسكرية تجريها موسكو في سوريا، في الوقت الذي تعاني قواتها في أوكرانيا، يمكن أن يعطي ذلك انطباعًا بأن قواتها حافظت على إمكانياتها العسكرية.
لا يرجح شعبان أن تخفي التدريبات العسكرية الروسية في سوريا أبعادًا استراتيجية أخرى أكثر من استعراض القوة.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من مرصد مختص برصد النشاط العسكري شمال غربي سوريا، فإن التدريبات البرية انطلقت في محيط بلدة الخفسة شرقي محافظة حلب على ضفة نهر “الفرات”، التي تتبع إداريًا لمدينة منبج.
وشاركت لاحقًا طائرات حربية روسية انطلقت من قاعدة “حميميم” بريف محافظة اللاذقية غربي سوريا، إلى جانب طائرات تدريبية تابعة لقوات النظام من نوع “L39″، أقلعت من مطار “كويرس” العسكري شرقي حلب.
ردًا على تدريبات أمريكية
في 4 من تموز الحالي، أعلنت قوة المهام المشتركة الأمريكية في سوريا عن البدء بمناورات عسكرية مشتركة مع “شركائها المحليين” شمال شرقي سوريا بعد يوم واحد من انتهاء مناورات مماثلة في قاعدة “التنف” الأمريكية على الحدود العراقية- الأردنية- السورية، شرقي سوريا.
وجاءت التدريبات الأمريكية في محافظتي الحسكة ودير الزور أو بالقرب منهما، بحسب الإعلان الأمريكي، “للتحقق من أنظمة الأسلحة والحفاظ على كفاءة الطاقم واستعداده”.
رئيس مركز “رصد للدراسات الاستراتيجية”، العميد عبد الله الأسعد، يرى من جانبه أن التدريبات الروسية المشتركة مع قوات النظام السوري، جاءت ردًا على نظيرتها الأمريكية مع “قسد”.
وأضاف أنها رد واضح على الاحتكاكات الجوية التي تجري بشكل مستمر بين واشنطن وموسكو في سوريا، كما أنها تتمحور حول رفع الجاهزية القتالية إلى الكاملة، مشيرًا إلى أنها قد تخلّف تغيرًا على صعيد الملف السوري مستقبلًا.
تواصلت عنب بلدي مع القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) للوقوف عند موقفها من التطورات الأخيرة، وتعليقها على المناورات الروسية المحاذية لمناطق نفوذها في سوريا، لكنها لم تحصل على رد في هذا الصدد.
تغيير قواعد الاشتباك؟
وسط حالة التجاذب إثر تضارب المصالح بين القوات الأجنبية الفاعلة في الجغرافيا السورية، إيران وتركيا وروسيا وأمريكا، تكرر مؤخرًا الحديث عن عودة العمليات العسكرية إلى المنطقة.
وبينما يرى الباحث العسكري نوار شعبان، أن التدريبات العسكرية الأخيرة لا يمكن أن تنتج تغيرًا على الصعيد الاستراتيجي، يعتقد الباحث عبد الله الأسعد أنها ستؤدي إلى تغير بقواعد الاشتباك بين الأطراف الفاعلة، أبرزها روسيا وأمريكا والجهات المدعومة من قبلهما.
وفي 14 من حزيران الماضي، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) عن نشرها سرب الطائرات “94” الذي يضم مقاتلات من نوع “F-22 Raptor” عقب السلوك “غير الآمن وغير المهني بشكل متزايد من قبل الطائرات الروسية” في منطقة الشرق الأوسط.
ويعتبر السرب الجوي الأمريكي أحد أقدم أسراب المقاتلات في تاريخ أمريكا، بحسب ما عرّفت الولايات المتحدة عنه عبر الموقع الرسمي لقاعدة “لانجلي يوستيس” الجوية الأمريكية.
وأرجعت واشنطن أسباب نشر السرب الجوي في المنطقة إلى رغبتها بـ”تحقيق تفوق جوي بعد الخروقات التي تجريها القوات الروسية في سوريا”.
موسكو استخدمت أيضًا الوصف نفسه، للإشارة إلى أهداف تدريباتها العسكرية في سوريا، إذ قالت إنها تحاول الحفاظ على تفوقها الجوي في المنطقة.
اتهامات متبادلة بـ”خرق البروتوكولات”
القوات الجوية الأمريكية قالت، في 5 من تموز الحالي، عبر بيان، إن الطائرات العسكرية الروسية انخرطت “في سلوك غير آمن وغير احترافي” خلال تفاعلها مع الطائرات الأمريكية في سوريا.
وألقت الطائرات الروسية بالونات حرارية عاقت من خلالها طائرة أمريكية، وأجبرتها على تنفيذ مناورات، بحسب البيان.
وأضافت أن الطائرة الأمريكية من نوع “MQ-9” كانت تجري مهمة في إطار مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” بالمنطقة، لكن الخروقات الروسية عاقت عملها.
نائب رئيس مركز “المصالحة” الروسي في سوريا، العميد أوليغ غورينوف، قال قبلها بيوم واحد، إن 14 حالة انتهاك للبروتوكولات الجوية نفذها التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في سوريا خلال يوم واحد.
وكانت مديرة الشؤون العامة للقوات الجوية الأمريكية الوسطى (AFCENT)، تيريزا سوليفان، قالت في حديث سابق لعنب بلدي، إن لدى قوات التحالف والقوات الروسية في سوريا “بروتوكولات راسخة” ومتفقًا عليها لمنع تعارض عمليات الجانبين.
وتعمل الطائرات الروسية في سوريا منذ مدة بطريقة “غير آمنة وغير مهنية”، بحسب سوليفان، التي اعتبرت أن روسيا تتقصد تنفيذ “مناورات عدوانية” وارتكاب عمليات توغل غير متضاربة في مناطق العمليات الأمريكية بوتيرة متزايدة.