“الجلاد المتقاعد”.. هل تكفي صحوة الضمير
يزور الموت أحد الجلادين بعد تقاعده من العمل، ليخبره أن أوان رحيله قد اقترب، فيصاب الجلاد بالذعر.
من خلال فكرة قد تبدو خيالية إلى حد بعيد، يدخل الكاتب ممدوح حمادة في عقلية الجلادين بمختلف البلاد.
دخل حمادة في نصه المسرحي، الصادر عن دار “موزاييك” للنشر عام 2020، أعماق شخصية الجلاد، وحلل طريقة تفكيره ونظرته إلى المعتقلين، من خلال حواراته مع ثلاث شخصيات، هي الزوجة والمعتقل والموت.
من اللافت النظرة الموحدة للشخصيات الثلاث إلى الجلاد، على الرغم من تباين خلفيات هذه الشخصيات وعلاقتها معه.
العلاقة الأولى، علاقة الزوجة بالجلاد، قائمة على التململ والكذب وعدم الرضا لسنوات طويلة، والثانية علاقة الجلاد بالضحية، التي تقع ضمن طابع زمني أقل مدة، والثالثة علاقته الآنية بالموت.
يتقاعد جلاد بعد 30 عامًا من العمل، وفي خضم فرحته بالتقاعد والراحة، يزوره الموت ليخبره بدنوّ أجله، ما يزرع بداخله الخوف من مصيره النهائي في الجحيم، فيقرر في محاولة لتفادي نهايته التوجه إلى من اعتقلهم وعذبهم والاعتذار إليهم، بما يشبه تغييرًا للعقلية، وهذا التغيير بحد ذاته “مصيبة” كما تقول زوجته.
يمكن الاستدلال على طريقة تفكير الجلاد من خلال حواراته مع الشخصيات الثلاث أو مع نفسه، التي تشير كذلك إلى مدى انفصاله عن الواقع، فهو شخصية سادية تعتبر أوامر قيادته بتعذيب المعتقلين خطوة “لغايات نبيلة”، تحمل الدكتاتورية نفسها التي تحملها قيادته أيضًا.
لا ينسى الكاتب أثر المعتقد في مجتمعات الضحايا، فرغم محاولته الاعتذار للنجاة من الجحيم المنتظر، هناك عدالة السماء في انتظاره، التي قد لا ترتبط بالضرورة برغبة المعتقلين، وهو ما يدعو للتساؤل إن كانت العدالة في الحياة الأخرى كافية بشكلها التي طرحته المسرحية.
في المجمل، هناك تحليل كامل بين سطور المسرحية للجلاد وعائلته والضحية أيضًا، يلمس واقعًا عاشه ويعيشه آلاف السوريين الناجين من الاعتقال، وصحوة الضمير الأخيرة الكاذبة لا تنجي صاحبها من التعرض للجحيم الذي أذاقه لضحاياه على مدى سنوات طويلة، تحت شعارات عدة لا تهدف بالنهاية سوى إلى بسط سيطرة الجلادين على المواطنين.
من طرف آخر، تحاكي المسرحية مقولة “الفقراء لهم الجنة”، بسياق لا يبتعد كثيرًا، فهنا “المعتقلون لهم الجنة”، ولهم الحق في البقاء بالجحيم لنيل حقوقهم أيضًا.
من ممدوح حمادة؟
ولد ممدوح حمادة عام 1959، وتعود أصوله إلى الجولان السوري المحتل، وحصل في عام 1994 على شهادة الدكتوراه في الصحافة من بيلاروسيا، وعمل فيها أستاذًا جامعيًا، قبل أن يدرس الإخراج السينمائي في أكاديمية الفنون الحكومية البيلاروسية، إذ حصل على شهادة في اختصاص الإخراج عام 2009.
ألّف حمادة عديدًا من سيناريوهات المسلسلات السورية التي حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، منذ عام 1997، منها: “عيلة 6 نجوم”، “عيلة 7 نجوم”، “عيلة 8 نجوم”، “ضيعة ضايعة”، “الخربة”، “ضبوا الشناتي”، “الواق واق”.
كما نُشر له عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها “المحطة الأخيرة”، و”ضمانات للمستقبل”، بالإضافة إلى سلسلة “دفاتر” التي عالجت مواضيع الغربة والحب والقيادة والحرب والإجبار والقرية والهذيان، ضمن سبعة دفاتر.
كما تتوفر بعض مؤلفاته ككتب صوتية مسموعة عبر قناته في “يوتيوب”، التي نشر فيها أيضًا سلسلة تعليمية حول كتابة السيناريو تتضمن 14 تسجيلًا مصوّرًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :