عنب بلدي – يامن مغربي
تحظى بضعة أندية سورية بجماهيرية تقليدية ضمن المدن الرئيسة في البلاد، دمشق وحمص وحلب، وهي مدن لها تاريخ طويل من التنافس التجاري والسياسي والاقتصادي، وامتد الأمر إلى الرياضة ومشجعيها.
التنافس بين أندية المدن ينعكس تنافسًا بين الجماهير على مدرجات الملاعب والصالات الرياضية، ويتطور التشجيع أحيانًا إلى هتافات تصل إلى حدّ تبادل الشتائم.
شعبية الأندية ترتبط بسكان المدن التي تنتمي إليها، ما يعطي انطباعًا بوجود مناطقية تؤثر في مزاج المشجعين، ويصل الأمر إلى ارتباط التعصب للأندية بالنمطية والجدل بين أبناء مدينة وأخرى.
لا يقتصر الأمر على سوريا فقط، بل يمتد إلى دوريات عربية وأوروبية، وأكبر مثال الكره المتبادل بين مشجعي ناديي مرسيليا وباريس سان جيرمان الفرنسيين، إذ غالبًا ما تشهد لقاءاتهما تبادلًا للشتائم قد يتطور إلى احتكاك جسدي بين جمهور الناديين خارج الملعب.
لماذا نختار ناديًا بعينه؟
هناك عشرات الأندية السورية المصنفة في الدرجتين الأولى والثانية بكرة القدم أو السلة، لكن قلة منها تتمتع بجماهيرية واسعة مثل الوحدة الدمشقي، وأهلي حلب، والكرامة الحمصي، وتعود جماهيريتها إلى عاملين رئيسين، الأول انتماؤها لمدن كبيرة، والآخر تاريخها المحلي والقاري في الرياضات المختلفة.
وسبق لنادي أهلي حلب تحقيق لقب كأس الاتحاد الآسيوي 2010، وحقق نادي الجيش السوري البطولة نفسها في 2004 على حساب جاره الوحدة في النهائي، فيما كاد الكرامة أن يلامس لقب دوري أبطال آسيا في 2006، عدا عن وصوله إلى دور ربع النهائي 2007 و2008.
الصحفي الرياضي عبد الله طعمة، قال لعنب بلدي، إن عاملَي الانتماء إلى المدينة ونجاح الفريق محليًا وقاريًا يحكمان عملية التشجيع، ولكن الانتماء يلعب دورًا أكبر، مع تأثر المشجع بمحيطه ومجتمعه الضيق بالمدينة.
في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية، ومع الفرق التي لديها تاريخ طويل من الإنجازات والحضور، تتناقل الأجيال عملية التشجيع، وفق عبد الله طعمة.
تنافست مدينتا دمشق وحلب تاريخيًا، وفيما تعد الأولى العاصمة السياسية، فالثانية هي العاصمة الاقتصادية للبلاد، كذلك كانت الانقسامات السياسية حاضرة خلال القرن الـ20، عبر حزب “الشعب” (حلب) و”الكتلة الوطنية” في دمشق، وفي حين مال الأول إلى العراق الهاشمية، كانت “الكتلة الوطنية” أقرب إلى المد القومي العربي والقاهرة، قبل سيطرة حزب “البعث” على الحياة السياسية والعامة في سوريا ابتداء من عام 1963.
ويعود جذور هذا التنافس لكون المدينتين احتلتا موقعًا مهمًا على خريطة التجارة منذ أيام الدولة العثمانية، وذكر كتاب “إدارة الاقتصاد السوري زمن الانتداب الفرنسي“، للكاتب محمد علي الصالح، أن دمشق وحلب كانتا من أهم مدن الدولة العثمانية.
الباحث الاجتماعي حسام السعد، قال لعنب بلدي، إن عملية الانتماء تأتي من العوامل المتشابهة والمتقاطعة بين الناس ضمن المدينة نفسها.
وتعكس الرياضة حالة التنافس بين المدينتين، ويرى عبد الله طعمة أن التشجيع المناطقي يسعى لإثبات أفضلية مدينة على أخرى وتفوقها من خلال الرياضة أيضًا.
صراع طبقي- مناطقي
تضم العاصمة دمشق أندية الوحدة والمجد والجيش، فيما يتبع ناديا الحرية والأهلي إلى حلب، وفي اللاذقية هناك حطين وتشرين، وفي حمص الكرامة والوثبة.
وتختلف الشرائح الاجتماعية المشجعة لهذه الأندية، وتمتلك كل مدينة خصوصية مختلفة في هذا الأمر.
الباحث الاجتماعي حسام السعد، أوضح لعنب بلدي أن دمشق شهدت ما يشبه الصراع الطبقي بين مشجعي ناديي الوحدة والمجد.
ويتمتع نادي الوحدة بجماهيرية في العاصمة، لكن القاعدة الشعبية هي في ريف دمشق والغوطة الشرقية، في حين يتركز جمهور المجد في المدينة نفسها.
أنشئ نادي المجد عام 1934، وحمل اسم “دمشق الأهلي”، وكان مقره في منطقة الصالحية، في حين أُسس الوحدة عام 1928، تحت اسم “قاسيون” ثم “الغوطة”، ليتغير اسمه لاحقًا إلى الوحدة مع عملية دمج الأندية السورية الرياضية عام 1971، عقب تأسيس الاتحاد الرياضي العام.
وقال الباحث الاجتماعي، إن أحد أشكال الصراع بين الناديين يعود إلى صراع المدينة والريف في دمشق، وتحديدًا مع ارتباط نادي المجد بالعائلات الدمشقية.
ويرى أن هناك غيابًا للتوافق ضمن البيئة الاجتماعية في دمشق، وانعكس هذا الأمر على الرياضة ونمط التشجيع، باعتبار أن النادي يمثّل جمهوره ومنطقة الأخير الجغرافية، وفق السعد.
وتابع الباحث أنه بناء على هذه المعطيات، تظهر نظرة استعلائية في بعض الأحيان بين الريف والمدينة، أو بين مدينتين من الناحية الاجتماعية، أي أنها تتحول من مجرد تشجيع فريق معيّن لترتبط بالفروقات الاجتماعية بين الطرفين، وبناء عليه تصبح النظرة الاجتماعية للمشجعين إلى المدينة هي نفسها تجاه الفريق المنافس، وقد يتطور إلى الإهانات المتبادلة بين الطرفين عند الخسارة.
تشكّل الرياضة متنفسًا للمجتمع، لكنها تتحول مع زيادة ارتباط المشجعين وتعصبهم إلى ما يشبه الأفكار العقائدية، خاصة في ظل غياب العدالة الاجتماعية، لذا فإن انتصار فريق ما، يُشعر جمهوره بانتصار شخصي له وللمدينة والشرائح التي يمثلها النادي، ومن هنا قد تنشأ خلافات مناطقية أكبر بين سكان المدن، بحسب ما قاله الباحث السعد.
ويعتبر نادي أهلي حلب أكثر الأندية شعبية في سوريا، بحسب استفتاء أجراه الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ثم الكرامة في المركز الثاني، والوحدة ثالثًا.
آثار التشجيع المناطقي
على الرغم من أنها تشكّل محركًا لنشاط الفرق الرياضية، تترك المناطقية آثارًا سلبية على النادي نفسه لا على المجتمع فقط، لجهة زيادة التفرقة بين أبناء البلد الواحد، وفق الصحفي الرياضي عبد الله طعمة.
يرى طعمة أن من المهم أن تكون لكل فريق قاعدة جماهيرية كبيرة، تأتي عبر توارث الأجيال لتشجيع الفريق من أبناء المنطقة، على اعتبار أن النجاح وتحقيق الألقاب أمر لا يمكن أن يكون مستمرًا، وعملية ربط التشجيع بالإنجازات يعني عدم بقاء جمهور أصيل للنادي.
كما أن عملية التنافس الجماهيري، وإن كان مناطقيًا، يدفع لاعبي الفرق إلى تقديم أفضل ما لديهم، ما يؤدي إلى وجود منتخب قوي.
وأضاف أن السلبية تكمن في تطرف المشجعين، وقبولهم السكوت عن الخطأ، وتقديم المبررات لمجرد تشجيعهم ناديًا معيّنًا.
وختم طعمة بالقول، إن إحدى أفضل نسخ المنتخب السوري كانت بين عامي 2009 و2011، وهي السنوات التي شهدت نجاحًا قاريًا للأندية السورية وتنافسًا جماهيريًا كبيرًا بين مشجعيها، وتحديدًا أندية الوحدة والكرامة والاتحاد، إذ خلقت تنافسية كبيرة بين الأندية كان أساسها تنافس المدن، بحسب رأيه.