درعا – سارة الأحمد
تنتشر الذخائر غير المنفجرة على مساحات واسعة في محافظة درعا جنوبي سوريا، وتتنوع بين الألغام والقذائف العنقودية التي لم تنفجر.
توجد هذه المخلّفات في مناطق مأهولة بالسكان، شهدت قصفا متكررًا من قوات النظام خلال السنوات العشر الماضية.
كما تنتشر الألغام في السهول الزراعية المحيطة بالثكنات العسكرية التابعة للنظام، حيث تمت زراعتها في أثناء المعارك ضد فصائل المعارضة، وسط غياب أي جهود من حكومة النظام السوري لإزالتها.
معظم الضحايا من الأطفال
“منذ إصابته لم يعد ابني أغيد إلى حالته الطبيعية”، قالت السيدة منى الصياصنة لعنب بلدي.
أصيب أغيد (13 عامًا)، من سكان منطقة درعا البلد، بلغم أرضي في أثناء تفقده لمنزله الذي غادرته العائلة بفعل العمليات العسكرية، وهو ما أفقده حياته الطبيعية.
أغيد ليس الطفل الوحيد الذي أصيب في مدينة درعا نتيجة مخلّفات الحرب، إذ شهد شهر نيسان 2022 مقتل طفلين إثر انفجار هذه المخلّفات، كما قُتل طفل ثالث في تموز 2022 بالطريقة نفسها.
منى الصياصنة قالت، إن عائلتها لم تعلم بوجود مخلّفات الحرب في محيط المنزل، وخلال لعب ابنها سمعت صوت انفجار، واستمرت عملية علاجه أشهرًا طويلة في مستشفى “اليرموك” بدرعا.
ومنذ إصابته في شباط 2022، لم تتمكن السيدة من الحصول على طرف صناعي لطفلها أغيد، ما يحول بشكل كبير دون ممارسة حياته طبيعية.
في 2020، أصيب الطفل عيسى، أحد أبناء مدينة درعا، إثر انفجار لغم، وخسر عينه اليسرى وإصبعين من يده اليسرى وبُترت يده اليمنى، وقالت والدته لعنب بلدي، إنه خضع لعديد من العمليات في مستشفيات مدينتي درعا ودمشق، وعانى كثيرًا من الآلام.
وبحسب تقرير للمركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن سوريا تعرضت لتلوث شديد بالألغام الأرضية، “نتيجة الحرب التي بدأت في 2011”.
وبحسب التقرير، قُتل 2637 مدنيًا، بينهم 605 أطفال و277 امرأة، جراء انفجار الألغام بين آذار 2011 وآذار 2021.
وأوضح التقرير أنه على الرغم من أن جميع أطراف النزاع قد استخدمت الألغام الأرضية في سوريا، وهي مسؤولة بدرجات متفاوتة، فإن النظام السوري هو المسؤول الأول، بالنظر إلى معداته العسكرية وموارده الاقتصادية وتنوع تسليحه.
علاج مستمر رغم التكاليف الباهظة
ارتفاع التكلفة العلاجية للأطفال المصابين إحدى أبرز المشكلات التي تعانيها عائلاتهم، إذ تصل إلى ملايين الليرات، وسط غياب أي دعم من حكومة النظام السوري في درعا، باستثناء فعاليات ينفذها “الهلال الأحمر” في اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام، بما في ذلك استضافة الأطفال المصابين وتوزيع الهدايا وتنفيذ أنشطة ترفيهية.
حازم أحد هؤلاء الأطفال، ووصلت تكلفة علاجه إلى ما يقارب الـ24 مليون ليرة سورية، توزعت بين تكاليف العمليات الجراحية والعلاج الفيزيائي.
تعرض حازم لانفجار قنبلة من مخلّفات الحرب في 2022، أصيب على إثرها بجروح خطيرة، وفقد عينه اليسرى، وخضع لعمليات تجميلية، بما في ذلك تركيب عدسة صناعية، يتم تبديلها بشكل شهري.
قالت والدة حازم، وهي الأخرى أصيبت في الانفجار نفسه، إن طفلها أجرى عدة عمليات جراحية في المستشفى “الفرنسي” بالعاصمة دمشق، وما زال العلاج مستمرًا، دون وجود أي مساعدة مالية من قبل حكومة النظام السوري أو منظمات أخرى.
وسبق للنظام السوري أن وقّع مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة لدعم جهود نزع الألغام، في تموز 2018، ومع ذلك، لا تزال مخلّفات الحرب منتشرة في مختلف المحافظات ومنها درعا، دون تحركات جدّية لنزعها، ما يؤدي إلى ازدياد أعداد الإصابات.
وفي نيسان الماضي، انفجر جسم من مخلّفات الحرب في مدينة الشيخ مسكين بريف درعا، ما أدى إلى إصابة خمسة أطفال بجروح بالغة.
ووفق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، قُتل 30 ألفًا و34 طفلًا في سوريا على يد مختلف أطراف النزاع منذ آذار 2011 وحتى حزيران 2020، وذكرت أن سوريا من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة منذ عام 2011 على الرغم من حظر القانون الدولي لاستخدامها.
وبلغت حصيلة الأطفال قتلى الألغام في سوريا 598 طفلًا، من أصل 2601 قتيل مدني.
وحلّت درعا، بحسب “الشبكة”، في المرتبة الرابعة كأكثر المدن التي أصيب فيها مدنيون بالألغام.
وتعتبر الألغام سلاحًا متاحًا لمختلف أطراف النزاع، بسبب سهولة تصنيعها وتكلفتها المنخفضة التي مكّنت أطراف النزاع من استخدامها على نحو واسع، دون الإعلان عن مواقعها أو محاولة إزالتها، ما يمدّ خطرها لعقود طويلة ويهدد حياة وتنقّل المواطنين السوريين، وعلى نحو خاص الأطفال منهم، وفق التقرير.
في أيار عام 2022، أصدرت “مجموعة الحماية العالمية” تقريرًا حول الذخائر المتفجرة (مخلّفات الحرب) في سوريا، والخطر الذي تشكّله على حياة السكان، محذرة من أنها تعرّض شخصًا من بين كل شخصين في سوريا لخطر الموت والإصابة، وتعوق إيصال المساعدات الإنسانية الحيوية.