عنب بلدي تسأل مازن درويش وفضل عبد الغني
ما البعد الإنساني والخطر السياسي على المؤسسة المستقلة للكشف عن المختفين
عنب بلدي – محمد فنصة
أعلنت الأمم المتحدة عن إنشاء هيئة أممية مستقلة لتقصي مصير المفقودين والمختفين قسرًا في سوريا، في ظل وجود عدة مسارات سياسية تتعلق بالملف السوري، يجري طرح هذه المسألة في أجنداتها.
في 29 من حزيران الماضي، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء مؤسسة دولية جديدة لتوضيح مصير المفقودين وأماكن وجودهم في سوريا، وتقديم الدعم الكافي للضحايا والناجين وأسر المفقودين.
بعد التصويت على مشروع القرار، حظي بتأييد 83 دولة، بينما صوّتت 11 دولة ضده، وامتنعت 62 دولة عن التصويت.
ملف المفقودين والمختفين قسرًا في سوريا، تكرر طرحه في عدة مسارات سياسية تخص الملف السوري، مثل المبادرة الأممية عبر المبعوث غير بيدرسون، واللجنة الدستورية، ومسار “أستانة”، دون إحراز تقدم في الملف منذ سنوات.
“تعاون لا دعم”
بدأت المطالبات بإنشاء مؤسسة أممية مستقلة منذ بداية الاعتقالات وحالات الاختفاء القسري على يد قوات النظام عام 2011، بطرح أولي بين السوريين أنفسهم والمنظمات الحقوقية المعنية، مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وفق ما قاله مديرها، فضل عبد الغني، لعنب بلدي.
وفي تقريرها الأول أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2011، أوصت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا حكومة النظام بإنشاء آلية للتحقيق في حالات الاختفاء من خلال السماح للأقارب بالإبلاغ عن تفاصيل قضاياهم، وضمان إجراء التحقيقات المناسبة.
وكان رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول سوريا، باولو بينيرو، قال، في 29 من حزيران 2022، إن الآلية “المتوقع صدورها قريبًا” تندرج في السياق الإنساني، ويجب عدم الخلط بين المساءلة الجنائية أو مسار العدالة أو المسؤولية وبين البحث عن المختفين والمفقودين، وكانت اللجنة دعت، منذ آذار 2022، إلى إنشاء آلية مستقلة ذات تفويض دولي لتنسيق وتوحيد المطالبات المتعلقة بالمفقودين والمختفين قسرًا.
وأوضح بينيرو حينها، أن المبادرة الأممية مستقلة تمامًا عن النظام السوري، ولا يتطلب تنفيذها موافقته، مشيرًا إلى أمله بتوصل الآلية بعد بداية عملها إلى إجراء “نوع من الحوار” مع النظام السوري، بسبب حيازته المعلومات عن المفقودين.
مدير “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، المحامي مازن درويش، قال لعنب بلدي، إن وجود هذه الهيئة الأممية “ممتاز” بحد ذاته، فللمرة الأولى تصبح هناك جهة أممية مسؤولة عن ملف المفقودين، وهي جهة مستقلة بعيدة عن أطراف الصراع.
ويرى درويش أن من ضمانات نجاح عمل هذه الهيئة، تعاون أطراف الصراع وبشكل خاص حكومة النظام، ما يساعد في وصولها إلى نتائج تخدم هدف تشكيلها بشكل “أسهل وأسرع”، بالإضافة إلى ضمان دور تشاركي للمجتمع المدني السوري وعائلات المفقودين والمختفين قسرًا، وتوفير الأموال والقضايا اللوجستية والفنية المطلوبة.
وعلى الرغم من استقلالية الهيئة الأممية عن جميع المسارات السياسية السورية ومحادثات التطبيع مع النظام، يعتقد المحامي درويش أنها ستتأثر بالموقف السياسي المتبنى من قبل أطراف الصراع لجهة تعاونهم معها من عدمه.
وأكد أن المؤسسة الأممية يجب ألا تكون جزءًا من أي مسار سياسي سوري، بحيث تكون ضمن طاولة المفاوضات أو تصبح ورقة سياسية بين الأطراف الفاعلة، واصفًا وظيفة الهيئة بأنها “فوق تفاوضية”.
“مناصرة سياسية”
مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، أوضح أن مفهوم الكشف عن المفقودين لا يتوقف على المختفين قسرًا، الذين يعدون أبرزهم، وإنما يشمل الغرقى والقتلى غير المعلوم مصيرهم من قبل أهلهم والمجتمع.
ويوجد نحو 156 ألف شخص ما بين معتقل ومختفٍ قسرًا في سوريا، منهم 112 ألف مختفٍ قسرًا، يتحمل النظام السوري المسؤولية العظمى عنهم بنسبة 86%، كما أوضح عبد الغني أن هذه البيانات التي وثقتها “الشبكة” تعد الحد الأدنى من الأعداد الفعلية للضحايا.
وحول أهمية الهيئة الأممية، قال عبد الغني، إن الحاجة إلى هذه الهيئة تأتي لمناصرة ملف المفقودين، ووضعه ضمن طاولة الحل السياسي، إذ لا يوجد حل دون معالجة هذه القضية، وإبرازها للرأي العام لتكون ضمن أجندة الدول الفاعلة في الملف، والمطالبة بكشف مصير المعتقلين والإفراج عنهم.
وذكر عبد الغني أن المؤسسة ستحشد دون شك الجهود الحقوقية السورية والدولية لدعم ملف المفقودين، وربما تتمكن من بناء قاعدة بيانات مركزية، وسوف تشكّل منصة يمكن لعشرات الآلاف من أهالي المفقودين التواصل معها، لكن دورها لن يكون الإفراج عن المعتقلين تعسفيًا.
وتوقع عبد الغني أن النظام السوري وبقية أطراف النزاع لن يتعاونوا مع المؤسسة، ما يعقّد من مهامها في الكشف عن مصير المفقودين، كما أن ولايتها لن تنص على محاسبة مرتكبي الانتهاكات.
وتابع أن ولاية لجنة التحقيق الأممية الخاصة بسوريا تعد “أعلى وأقوى” من هذه الهيئة المنشأة حديثًا بموضوع المعتقلين، لكنها لم تكن قادرة على إطلاق سراح أي معتقل أو الكشف عن مصيره.
وأشار مدير “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، مازن درويش، إلى أن مهام الهيئة الأممية تدخل ضمن “إجراءات الثقة” التي تحدثت عنها قرارات الأمم المتحدة حول سوريا، وخصوصًا القرار “2254”، إذ إن موضوع معرفة مصير المفقودين والمختفين قسرًا هو شأن إنساني يدخل ضمن إجراءات الثقة التي تسبق عمليات التفاوض.
ويساعد حل قضية المفقودين والمختفين قسرًا داخل سوريا على الوصول إلى السلم المجتمعي، لأنها قضية عابرة لجميع المناطق والطوائف والإثنيات، بغض النظر عن التوجهات السياسية أو الحالة المدنية أو العسكرية للمفقودين والمختفين.
وسيؤدي سحب “الاحتقان المجتمعي” عبر إيجاد حل لقضية المفقودين إلى إمكانية بداية مرحلة سلام مستدام في سوريا، وفق المحامي مازن درويش.
ووثّق تقرير “الشبكة السورية”، الصادر في 4 من تموز الحالي، ما لا يقل عن 1047 حالة اعتقال أو احتجاز تعسفي، بينهم 43 طفلًا و37 سيدة في سوريا، خلال النصف الأول من العام الحالي.
“الشبكة” أشارت إلى أن أغلب المفقودين في سوريا هم نتيجة الاعتقال التعسفي، وأن على المؤسسة الأممية الجديدة تحديد ذلك بشكل واضح.
وفي تقريرها الأحدث الصادر في 5 من تموز الحالي، قالت لجنة التحقيق الأممية حول سوريا، إنه يجب على “الحكومة” وجميع الأطراف الأخرى إطلاق سراح المعتقلين تعسفيًا والكف عن تعريض عائلاتهم للابتزاز، واتخاذ جميع التدابير الممكنة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن “2474” عام 2019، لتحديد مكان جميع المعتقلين أو المختفين، والكشف عن مصيرهم أو مكان وجودهم وضمان التواصل مع عائلاتهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :