قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” غير الحكومية، إن الجيش اللبناني اعتقل تعسفيا ورحّل آلاف اللاجئين السوريين من البلاد، بينهم أطفال غير مصحوبين بذويهم، بين نيسان وأيار الماضيين.
ونقلت المنظمة في تقرير صدر اليوم، الأربعاء 5 من تموز، عن سوريين رحلوا على يد الجيش اللبناني، الذي تجاهل وضعهم كلاجئين أو مخاوفهم من تعرضهم للاضطهاد في حالة إعادتهم.
وأورد التقرير حديث أحد المرحلين، أن جيش النظام السوري احتجزه تعسفيًا، وعذبه، وجنّده قسرًا في قوات الاحتياط العسكرية، بعد ترحيله من لبنان في نيسان الماضي.
وأضاف، أن حالات الترحيل تصاعدت منذ مطلع كانون الثاني الماضي، واستهدف عموم السوريين الذين ليس لديهم وضع قانوني في جميع أنحاء لبنان.
وطالبت المنظمة في تقريرها الحكومات المانحة للجيش اللبناني، أن تحث السلطات اللبنانية على وقف عمليات الترحيل هذه، وضمان أن الأموال التي تقدمها لا تسهم في انتهاكات الحقوق أو استمرارها.
الباحث لدى “هيومن رايتس ووتش” في لبنان رمزي قيس قال: “يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان وسط أزمة اقتصادية شديدة، لكن هذا ليس عذرًا للإمساك بالسوريين ورميهم خلف الحدود ليقعوا في قبضة حكومتهم المتعسفة”.
“يعيش السوريون في لبنان في خوف دائم من إمكانية اعتقالهم وإعادتهم إلى ظروف مروعة، حتى لو كان لديهم وضع اللجوء”، أضاف قيس.
لجنة ثلاثية
أمس الثلاثاء، 5 من تموز، قالت جريدة “الأخبار” اللبنانية، إن وزير المهجّرين اللبناني، عصام شرف الدين، زار الأسبوع الماضي دمشق، والتقى عددًا من المسؤولين من بينهم وزير الدّاخلية بحكومة النظام اللواء محمّد الرحمون، ووزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف، للحديث عن عودة اللاجئين السوريين.
وأضافت الجريدة، أن الزيارة “كانت ناجحة ومثمرة وتُمهّد لزيارة الوفد الرسمي لسوريا قريبًا”.
ونقلت عن الوزير اللبناني شرف الدين، تأكيده على أنه سمع من المسؤولين السوريين، أن سوريا “تصرّ على تقديم التسهيلات الأمنيّة والاقتصادية والاجتماعيّة لعودة كريمة وآمنة للنّازحين”.
ومن أبرز النقاط التي ركزت عليها زيارة الوزير اللبناني إلى سوريا، الاتفاق على تشكيل “لجنة ثلاثية” تضم لبنان، والنظام السوري، والمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتنبثق عنها لجان فرعية في قرى العودة لمراقبة وضع العائدين من النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف “إراحة النازحين” والتأكّد من عدم تعرضهم لأي تهديد أمني.
وأوضح شرف الدين، بحسب الجريدة، أنّ مهمة “اللجنة الثلاثية” تتمحور حول “دحض ادّعاءات الغرب وبعض الجمعيات الدوليّة، بأنّ النازحين يتعرّضون للاعتقال والتحقيق فور عودتهم إلى سوريا”.
وعرض شرف الدين على مسؤولي النظام، خطة تتضمّن ورقة عمل وافقت عليها الحكومة اللبنانيّة العام الماضي، لإعادة 15 ألف نازح شهريًا إلى بلادهم، وأشار نقلًا عن مسؤولي حكومة النظام، أن سوريا قادرة على استيعاب أكثر من 180 ألف عائد في مراكز إيواء موزّعة في كل المناطق السوريّة، إضافة إلى أنّ “بعض القرى آمنة ولم تتضرر من جراء الحرب”، بحسب الجريدة.
مناشدات
وجهت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها، الصادر اليوم، جملة من المناشدات لجهات حكومية مانحة للبنان، وأخرى لبنانية لإيقاف عمليات ترحيل السوريين من البلاد.
وقالت في تقريرها، إنه على السلطات اللبنانية “إصلاح أنظمة الإقامة، واستئناف عمليات التسجيل في مفوضية اللاجئين، والإعفاء من رسوم تجديد الإقامة، وإنهاء ممارسة احتجاز اللاجئين وترحيلهم على أساس انتهاء صلاحية وثائق الإقامة”.
وطالبت السلطات اللبنانية إلغاء قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في أيار 2019، بشأن ترحيل اللاجئين السوريين الذين يدخلون البلاد بشكل غير رسمي.
وأضافت المنظمة، أن هذه التغييرات لن تحمي حقوق اللاجئين فحسب، بل ستعزز المزيد من الاستقرار في لبنان من خلال ضمان عدم دفع اللاجئين السوريين إلى “الفقر المدقع”.
وناشدت المنظمة الحكومات التي تموّل الجيش اللبناني، للضغط عليه لإنهاء عمليات ترحيل السوريين بإجراءات موجزة، ووضع تقييم عام لحالة حقوق الإنسان، والضغط على لبنان للسماح بآلية إبلاغ مستقلة لضمان عدم مساهمة التمويل في انتهاكات حقوق الإنسان أو استمرارها.
توجه دول الجوار لإعادة اللاجئين
في الوقت الذي يربط فيه رئيس النظام السوري بشار الأسد عودة اللاجئين بالظروف المتردية في مناطق سيطرته، ويطالب بضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكافة أشكالها، ودعم بمشاريع “التعافي المبكر”، تستمر الجهود العربية لإعادة اللاجئين إلى سوريا.
وفي 22 من أيار الماضي، اعتبرت جامعة الدول العربية أن الظروف “باتت أكثر ملاءمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين السوريين في لبنان”، وجاء ذلك ضمن قرارات القمة العربية التي عُقدت بمدينة جدة السعودية، في 19 من أيار الماضي.
وفي 3 من تموز الحالي، التقى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بنظيره الأردني، أيمن الصفدي، خلال زيارة الأخير إلى العاصمة السورية، دمشق، لبحث ملف عودة اللاجئين السوريين.
وتأتي المساعي الأردنية والعربية لإعادة اللاجئين في ظل تحركات عربية متواصلة لإعادة النظام السوري إلى “الحضن العربي”، أسفرت عن مشاركة الأسد في القمة العربية بجدة السعودية.
وفي 4 من تموز الحالي، التقى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، نظيره الأردني، أيمن الصفدي، خلال زيارة يجريها الأخير إلى تركيا قادمًا من سوريا، وكان ملف اللاجئين السوريين حاضرًا فيها، باعتبار أن أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا منذ سنوات.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك عقده الوزيران بعد جلسة مباحثات ثنائية، أوضح الصفدي أن الجانبين تناولا بشكل موسع الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي لـ”الأزمة السورية”.
وأضاف، “كدولتين من أكبر الدول استضافة للاجئين السوريين، نحن معنيون بتحقيق تقدم في ملف اللجوء، ونتفق على أن مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم”.
السوريون “شمّاعة” فشل حكومي
يتحدث مسؤولون في لبنان باستمرار عن تدهور الوضع الاقتصادي، والحاجة إلى الأموال من المانحين، بحجة مواجهة “تكاليف النزوح” السوري، مستندين إلى بيانات تخالف البيانات الأممية.
وفي كانون الثاني الماضي، عرضت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين التابعة لمجلس النواب اللبناني إحصائيات وبيانات عن اللاجئين السوريين في إطار جلسة بمجلس النواب، حضرها 19 سفيرًا من دول أوروبا والدول المعنية بالملف السوري.
حمّلت اللجنة اللاجئين السوريين مسؤولية سوء الوضع الاقتصادي الذي يعانيه لبنان دون ذكر أسباب أخرى، إذ ذكرت أن نسبة البطالة في لبنان بلغت 40%، “بسبب اليد العاملة السورية، وفتح مؤسسات صغيرة منافسة لا تدفع الضرائب”.
وقدم رئيس اللجنة والنائب النيابي، فادي علامة، إحصائيات مفادها أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليونان و82 ألف شخص، وهو ما يناقض إحصائيات الجهات الدولية.
وبينما تتحدث الحكومة اللبنانية رسميًا عن ملايين السوريين في البلاد، أحصى تقرير صادر عن “مفوضية اللاجئين” وجود نحو 805 آلاف لاجئ سوري فقط في لبنان.
ويرى باحثون وسياسيون لبنانيون وسوريون، أن اللاجئين باتوا “شماعة” لفشل السياسيات الحكومية اللبنانية الداخلية.
اقرأ أيضًا: لبنان.. اللاجئون “شمّاعة” الفشل والفساد