تغيب البيئة الصحية الآمنة عن مراكز الإيواء ومخيمات النازحين المنتشرة في أرياف محافظتي إدلب وحلب شمال غربي سوريا، ما يوفر ظروفًا مساعدة لتفشي الأمراض والأوبئة.
وفاقمت كارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط الماضي هذه الأزمة، وخلقت مخيمات عشوائية جديدة، وزادت حجم الاحتياجات فيها.
المنسق الطبي بمنظمة “أطباء بلا حدود” في سوريا، كارلوس أرياس، قال في تصريح لعنب بلدي، إن المخاطر الصحية التي رصدتها فرق المنظمة بعد الزلزال في محافظة إدلب، يمكن تصنيفها إلى شقين رئيسين، هما التأثير على الخدمات الصحية الروتينية، وظهور احتياجات صحية جديدة.
وأضاف المنسق أن الزلزال قلّص قدرة الناس على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الروتينية، وأدى إلى تراجع عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية بسبب تأذي عديد منهم إثر الزلزال، بالإضافة إلى نزوحهم إلى مناطق أخرى، وبالتالي تقييد قدرتهم على تقديم الأنشطة العادية، مثل خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وبرامج التطعيم والدعم الغذائي.
وذكر أرياس أن طرق الإمداد تأثرت، ما صعّب وصول الإمدادات الطبية الأساسية الخاصة بالأمراض الحادة والمزمنة، بما في ذلك الأمراض غير السارية، وظهرت مشكلات في المياه والصرف الصحي، حيث تضررت ودُمرت محطات ودورات المياه.
ونتجت عن الزلزال احتياجات صحية جديدة، لأن أعداد الإصابات الجسدية زادت، بما في ذلك الإصابات العظمية والجروح، ما يتطلب رعاية طبية فورية وبرامج تأهيل طويلة الأمد، ومع نزوح آلاف العائلات، زادت الحاجة إلى المأوى والمياه النظيفة وخدمات الرعاية الصحية الأساسية، وفق المنسق الطبي.
وأوضح أرياس أن الناجين من الزلزال بحاجة ماسّة إلى رعاية نفسية واجتماعية، خاصة أولئك الذين فقدوا أقاربهم أو شُرّدوا حيث يكونون عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة، ومشكلات صحية نفسية أخرى، لافتًا إلى تضاعف الطلب على الاستشارات الصحية النفسية بعد الزلزال في المنشآت الصحية التي تديرها “أطباء بلا حدود”.
مخاوف من انتشار الجرب والكوليرا
قال المنسق الطبي بمنظمة “أطباء بلا حدود” في سوريا، كارلوس أرياس، خلال حديثه إلى عنب بلدي، إن حالات تفشي الأمراض، مثل الجرب والتهاب السحايا والكوليرا والحصبة والليشمانيا، ارتفعت بعد الزلزال، ما يتطلب تدخلًا عاجلًا لمنع انتشارها وتوفير العلاج المناسب.
وأضاف أن مخاطر انتشار الجرب والكوليرا موجودة بالفعل حاليًا، مرجعًا السبب إلى الظروف المعيشية، واكتظاظ المخيمات بالسكان، واستخدامهم مياهًا من مصادر غير آمنة أو عدم قدرتهم على الوصول إلى كميات كافية من المياه النظيفة، وليس الأمر مرتبطًا مباشرة بالحرارة المرتفعة.
وتراجعت ظروف العيش في المخيمات بعد الزلزال نتيجة انتقال الناس من المناطق المتضررة واستقرارهم في مخيمات أخرى، وفق أرياس الذي لفت إلى أولوية التدخلات التي تعالج ندرة المياه وتحسّن مرافق الصرف الصحي وتعزز اتباع إرشادات النظافة.
وتبذل الجهات المحلية والمنظمات جهودًا لمنع اتشار الأمراض، ومنها “أطباء بلا حدود”، من ضمان وصول مياه صالحة للشرب الآمنة، وتجنب انتشار مياه الصرف الصحي بشكل عشوائي في المخيمات، لكن الجهود قليلة أمام حجم المتطلبات.
وأوضح أرياس أن “أطباء بلا حدود” بنت دورات مياه جديدة، ووزعت أدوات نظافة، وأعادت تأهيل محطات المياه، وحسّنت نظام الصرف الصحي، وقدمت المساعدة في إفراغ وإزالة صهاريج الصرف الصحي، ويتم دمج أنشطة تعزيز الصحة في جهود المنظمة للتصدي للجرب.
وتواجه المنظمات عديدًا من التحديات، أبرزها العدد الكبير للمخيمات شمال غربي سوريا حيث يوجد حوالي 1400 مخيم، وتغطي “أطباء بلا حدود” جزءًا من هذه المخيمات فقط من ناحية توفير الرعاية الصحية عبر العيادات المتنقلة أو خدمات المياه والصرف الصحي، وفق المنسق الطبي.
ولفت أرياس إلى أن المنظمة تعالج حاليًا المرضى المصابين بالجرب من خلال عياداتها المتنقلة وفرقها الطبية في عدد من مخيمات النزوح بإدلب، عبر توفير الأدوية الأساسية والرعاية الطبية للمرضى، بالإضافة إلى تنفيذ أنشطة التوعية الصحية بالجرب وكيفية الوقاية منه ومواجهة الأفكار الخاطئة حوله.
معاناة لا تتوقف
يعاني سكان المخيمات منذ سنوات نقصًا بتأمين عديد من احتياجاتهم، على رأسها المواد الغذائية وحليب الأطفال، وهي احتياجات مشتركة مع المخيمات الناشئة استجابة للزلزال.
بينما تتزايد احتياجات المخيمات مقابل تزايد عجز المنظمات وقلة الدعم خاصة خلال الشتاء، إذ يواجه السوريون سنويًا المأساة ذاتها.
وبلغ عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في شمال غربي سوريا خلال عام 2022 نحو أربعة ملايين و600 ألف شخص، بينهم ثلاثة ملايين و300 ألف يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومليونان و900 ألف نازح داخليًا، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).
كما ارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية إلى 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بعام 2021، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص في عام 2023.
اقرأ أيضًا: الكوليرا.. سوريا نحو “السيناريو الأسوأ”
–