الاستثمار الرياضي السعودي.. هل يُغضب أوروبا؟
عروة قنواتي
قبل أعوام قليلة، كان مشهد الكرة السعودية يترنح بين النتائج المتراجعة والكارثية للمنتخبات الوطنية صاحبة القميص الأخضر بمختلف الفئات العمرية التي ابتعدت برجالها عن منصة التتويج القارية منذ آخر مرة وصلت فيها إلى النهائي وخسرته أمام العراق بهدف يونس محمود عام 2007. وغابت بشكل لا يصدق عن مونديالي 2010 و2014 أمام تحديات جديدة ظهرت من منتخبات القارة الآسيوية، ليعود المنتخب الأول إلى مونديال 2018، ويخرج بفوز يتيم على مصر في مباراة تحصيل حاصل بعد هزيمتين من روسيا والأوروغواي.
رافق هذا المشهد البائس للكرة السعودية على صعيد المنتخبات تألق وصراع ودفاع عن الهوية من قبل نادي الهلال (الزعيم) على مستوى دوري أبطال آسيا، الذي تألق إما بحصاد ألقاب وإما بخسارة في النهائي ونصف النهائي، ولم يكن للأندية السعودية دور مهم إلا من خلال “الزعيم الأزرق”، حامل راية الكرة السعودية في المحافل القارية والعالمية، أمام تراجع مخيف وصادم لأندية الاتحاد والنصر والأهلي حتى في الدوري السعودي الممتاز.
إلا أن السنوات الثلاث الماضية شهدت انقلابًا في التعاطي مع الرياضة السعودية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، من قبل القائمين على الشأن الرياضي في المملكة إداريًا واقتصاديًا وفنيًا. رحلة جديدة قادها اتحاد كرة القدم السعودي من خلال الاستثمار في الأندية، وجلب الأفضل للمنتخبات الكروية بمختلف الفئات، على رأسها المنتخب الأول، الذي قدم أداء طيبًا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022، وأتبعه بهوية كروية جديدة من خلال مباريات المونديال والفوز التاريخي على التانجو الأرجنتيني.
ورغم الخروج المبكر، رسم أصحاب القميص الأخضر لوحة جميلة ذكرتنا بمونديال 1994 في الولايات المتحدة، وأن الأخضر سيعود رقمًا صعبًا في كل مونديال وعلى مستوى القارة الآسيوية قريبًا.
الهلال كما اعتدناه، ما زال يحارب على جبهة الأندية الآسيوية، ويقدم الأداء الطيب في مونديال كأس العالم للأندية عندما يتأهل بطلًا عن القارة. الجديد في المشهد هو تطور أداء أندية النصر والاتحاد، ورغبتها المفعمة بالحيوية والنهج الاحترافي بدخول التحدي إلى جانب الهلال، وهذا ما تجلى بفوز الاتحاد بلقب الدوري المحلي (روشن)، وفوز نادي النصر بصفقة غالية تحمل اسم الدون البرتغالي كريستيانو رونالدو، وقبل نهاية الموسم الماضي كانت عديد من أندية المملكة تستعد لإبرام صفقات دولية من العيار الثقيل “نجوم ومواهب في أندية أوروبا”.
وبات “الميركاتو” الصيفي المعروف بصراع الأندية الأوروبية على النجوم فقط، وربما بعض الأندية في أمريكا الجنوبية، يحسب حسابًا كبيرًا للصفقات الكروية السعودية، ومن الطبيعي أن تتابع وتسمع عن صفقة يتنافس عليها النصر السعودي وفالنسيا الإسباني أو الهلال السعودي ونابولي الإيطالي. وهذا يدل على حسن التصرف في التفاوض والرصد الاقتصادي والمالي للصفقات المطلوبة، على عكس ما يتوقع أو يسوّق بعض النقاد عن استقطاب السعودية للنجوم في نهاية أعمارهم الكروية من أجل الشهرة، وتسويق كرة القدم في المملكة فقط ولأرباح تجارية واقتصادية مهمة.
على ما يبدو، فإن المشروع الذي بدأ به صندوق الاستثمار السعودي من خلال نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، ومن ثم رعاية المنتخب السعودي الأول قبل وخلال المونديال، قد رسم خارطة طريق للكرة السعودية، يتطلب العمل بها ومن أجلها لعدة مواسم. وستكفل هذه الخطة دخول عدد لا بأس به من صفقات النجوم والمدربين إلى أندية المملكة، ولن نبالغ إن قلنا إن رقم 100 صفقة خلال خمسة مواسم هو رقم طبيعي ومنطقي نظرًا إلى ما تعمل لأجله الإدارة الرياضية الكروية في السعودية.
قطاف وحصاد هذه الخطة لا يكون من خلال موسم أو موسمين أو حتى ثلاثة مواسم، حتى وإن سحبت المملكة ملفها من الترشح لاستضافة مونديال 2030، فالواضح أيضًا أن استضافة السعودية لكأس العالم للأندية في نسختها الحالية الختامية قبل الانتقال إلى النسخة المعدلة الكبرى في 2025 لن يكون سقف طموحات القائمين على العمل الرياضي في المملكة، وهذا ما يجعل الانتقادات والتصريحات اللاذعة والمشككة لبعض الشخصيات الرياضية الأوروبية في أوجها دون أي سبب، فقط من مبدأ الوصاية على النجوم وعلى تطور الكرة الأوروبية، وهذا الأمر يتجلى ويتكرر من خلال السيد تشيفيرين، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي بات يتخبط في إطلاق التصريحات والانتقادات حول جدوى خطة ونظرية الكرة السعودية في السنوات المقبلة.
ليس تشيفيرين وحده من يصرخ، بل ينضم إليه جاري نيفل وجيمي جاراجير، النجمان السابقان في المان يونايتد وليفربول، ولا نبالغ إن قلنا إن حدة التصريحات والصرخات وصلت إلى حد العنصرية على مبدأ “ماذا تفعلون؟ ومن أنتم حتى تُظهروا تقدمًا في سوق الانتقالات؟”.
وحتى لو هذّب السيد تشيفيرين بعض تصريحاته بأن ينصح القائمين على الرياضة السعودية بالاهتمام بإنشاء الأكاديميات، فهذا لن يوقف العجلة الاقتصادية والطموح الأخضر باستقطاب النجوم والدخول في تحديات كروية قارية ودولية مهمة. الواضح أن تشيفيرين لا يملك معلومة انتشار عديد من المواهب الكروية والتدريبية السعودية في أكاديميات أوروبية ودولية مهمة، وأن مبدأ الوصاية غير المبرر سلاح يُستخدم من هذه الشخصيات عند الرعب. فهل يُرعب المشروع السعودي الناشئ والجديد أوروبا وهل يُغضبها فعلًا؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :