تعا تفرج
الشعراء على قفا من يشيل
خطيب بدلة
ثمة خطأ شائع يقول إننا، نحن أبناء هذه البلاد المتخلفة، نعشق الشعر. لو كان هذا صحيحًا لتقدمنا، وارتقينا، لأن الشعر كلام جميل، ينبع من روح قائله، ويلامس شغاف قلب قارئه، أو سامعه، ويجلو النفوس، وينقيها، ويزرع فيها الاستعداد للتفكير، والعمل، والانطلاق نحو المستقبل.
إذا توخينا الدقة، نقول إننا نعشق النماذج الرديئة من الشعر، المبنية على وزن وقافية سليمين، ولكنها تتضمن أفكارًا شريرة، ومتخلفة، ومضللة، ومؤذية… ولهذا كله تجد أن الشعر الأكثر رداءة هو الأكثر تداولًا على منصات التواصل الاجتماعي العربية، التي أصبحت متخصصة بكل أنواع الرداءة والسخف، ففي حين أن أبا الطيب المتنبي شاعر كبير، وعنده أشعار جيدة، ترانا نترنم بأشعاره التي يهجو فيها العبيد، ويحمّلهم مسؤولية لون بشرتهم، كما لو أنهم خلقوا أنفسهم واختاروا هذا اللون عمدًا، ومسؤولية عبوديتهم، كما لو أنهم تطوعوا في سلك العبودية تطوعًا، ولذلك يريدنا أن نعاقبهم، إذ يقول:
لا تشترِ العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيدُ
ويمعن في التفرقة بين البشر على أساس لون البشرة، كما في قوله:
مَن عَلَّمَ الأسودَ المخصيَّ مكرمة أقومُه البيضُ، أم آباؤه الصيد؟
ويحفظ عربُ اليوم، الذين يتباهون بحبهم للشعر، شتائم مظفر النواب للحكام العرب، على الرغم من بذاءة كلماتها، وبؤس صياغتها، ومضمونها الذي يشتم الأمهات، ويأمرنا بأن نتبنى العروبة منهجًا سياسيًا، ويفرض علينا أن تكون لعروبتنا عروس، وأن تكون مدينة القدس هذه العروس.
ويحب عربان التواصل الاجتماعي، كذلك، قصيدة أمل دنقل التي يريد فيها للحرب بيننا وبين إسرائيل أن تستمر، وأن يموت الجميع فيها، متمثلًا ما كتبه كليب لأخيه الزير سالم بدمه (لا تصالح)، مكرسًا مفهوم القبلية، والثأر، والعصبية التي أكل عليها الدهر وشرب، ويُبعدنا عن التفكير السياسي الواقعي الذي يوصل كل حرب، مهما طالت، إلى التفاوض، ثم الصلح، مع العلم أن الصلح جرى في حياته، ورأى بعينيه كيف حَقنت اتفاقية الصلح دماء أبناء بلده، مصر، بينما نحن السوريين لا نزال منساقين وراء مدائح محمد مهدي الجواهري لحافظ الأسد، معتبرًا إياه أسد غابتنا الغضبان الذي ما انفك يزأر في البلاد التي حوّلها إلى غابة، وزعم أنه لا يصالح، وأنه ليس متخاذلًا كأنور السادات، وهذا الأخير هو الذي احتضن الصحوة الإسلامية، وفتح لرجال الدين الوهابيين أبواب مصر على مصاريعها، وتركهم يفعلون ويتركون بالشعب المصري، معتقدًا أنه سيصارع بهم أنصار سلفه عبد الناصر، وإذا بهم يضحون به قبل أن يأتي عيد الأضحى. ويوم تلقى حافظ الأسد (الذي لا يصالح) خبر مقتل السادات، فتح أبواب الفضاء لمخابراته وشبيحته ونبيحته ولجان بعثه، فأخرجوا مسدساتهم، وبمبكشناتهم، وروسياتهم، وشرعوا يفرغون الطلقات في الهواء احتفاء بهذه المناسبة العظيمة.
نحن العربان لا نقرأ الشعر الجميل الذي يدعو إلى التآخي بين البشر، وعدم التمييز بينهم على أساس الجنس واللون، ولذلك ترانا نكثر اللوم والسباب على سعيد عقل الذي قال في قصيدة مكة:
وأعِزَّ، رَبِّ، الناسَ، كلَّهُمُ بيضًا، فلا فَرَّقْتَ، أو سودا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :